ط
كتاب المجله

لغة الضاد تشكو أبناءها .بقلم / فاطمة البشيرى

فاطمة البشيرى
فاطمة البشيرى
المغرب : فاطمة البشيري
اللغة العربية لغتنا الأم ، لغة الآباء والأجداد بل هي رصيدنا وهويتنا و سر وجودنا وانتمائنا . اسمها اللغة العربية لأن موطنها الأصلي الذي وجدت فيه هو الوطن العربي وبلاد نجد بالتحديد حيث انتشرت بسبب تنقل الإنسان العربي من مكان لأخر، كما شرفها الله عز وجل لأن القرآن الكريم نزل عربيا فأي تشريف أروع من هذا و أي قدسية أعظم من هذه،قال تعالى ” إنا أنزلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون ” صدق الله العظيم .
فما أروعك يا لغة الضاد ،لغة المعاني الجميلة المجازية منها والصريحة ،عذبة الإيقاع وخصبة الخيال، شجية الألحان ، نطرب لسماعها وتتحرك مشاعرنا فتحلق في خيال الكلمة والمعنى و الصورة ، أحببناك لأنك أنت نحن ونحن أنت، وان تحدث بك الأجنبي فان سحر حروفك أحلى على شفاه العرب ، يا لغة الشعر والشعراء، يا لغة الحالمين في بحور كلماتك و مفرداتك الغزيرة و معانيك العظيمة ، بحق أنت لغة متجددة وصالحة لكل الأزمنة و كل ميادين العلوم والمعرفة ، فأنت لغة شاملة مستوعبة ومعبرة عن كل ما هو حديث ومسايرة للعصرنة لا كما يصفك أعداد العرب واللغة العربية أنك لغة ميتة وجامدة .
فكان رد لغتنا العربية ردا شافيا على لسان الشاعر حافظ إبراهيم (أنا البحر في أحشائه الدرُّ كامن // فهل ساءلوا الغواص عن صدفاتي ) فلغتنا الجميلة العذبة مازالت و ستبقى فارضة وجودها أمام باقي اللغات لا لشيء ولكن لكونها لغة القرآن الكريم فقارئ القرآن لا يمكن أن يستوعب المعنى الحقيقي للكلمة إلا إذا قرأ القرآن الكريم باللغة العربية فالسر رباني هنا رغم ترجمة نسخ كثيرة من القرآن الكريم إلى لغات عالمية كثيرة .
اليوم لغتنا العربية بعد أن أعزها الله سبحانه وتعالى تخلى عنها بعض أبنائها و للأسف في موطنها الأصلي وفي عقر دارها ، فتجد الناس يعرفون التكلم باللغة العربية ولكن يتكلمون لغات أخرى لأنهم يظنون أن من يتكلم العربية أمي غير مثقف لا يستوعب الأحداث وفي بعض الأحيان حتى لا يعرف الطرف الآخر من حولهم عن ماذا يتكلمون ، فهمشت وأصبحت لغة الفقراء و المساكين لأن طبقة البورجوازية والغنية و المثقفة متعالية تتكلم لغات أخرى فضلا عن أبناء العرب في المهجر الذين يتكلمون لغة البلدان التي يسكنونها وخاصة الأطفال الذين ولدوا في المهجر ودرسوا في مدارسهم و تأقلموا مع عاداتهم و تقاليدهم فنسوا لغتنا العربية بسبب ظروفهم ، نتمنى أن يظل المهاجر متمسكا بلغته الأم رغم الظرف الصعبة و البعد عن الوطن ونتمنى أن تظهر فئة مثقفة في المهجر كما ظهرت سابقا في القرن الماضي حيث ظهر شعراء غيورين على لغتنا العربية فكان لهم الفضل في ظهور الشعر الحر و المقفى و القصة و الرواية أمثال جبران خليل جبران و وايليا أبو ماضي وغيرهم كثير الذين لم تنسيهم الغربة هويتهم العربية فكان لهم الفضل في الحفاظ على لغتنا العربية في هذه الحقبة التي فرض فيها المستعمر(الدولة العثمانية ) سياسة التتريك ( يعني التحدث باللغة التركية فقط ) فمنعوا العرب من تداول اللغة العربية بين الناس و كذا في مرافق الدولة حيث شمل هذا التعميم كل الدول العربية التي سيطرت عليها الدولة العثمانية آنذاك.
لغتنا العربية تشكو كذلك المواطن العربي الذي يروج لهجته المحلية على حساب اللغة العربية الفصحى فدخلت اللهجة المصرية كل البيوت العربية بدون استئذان من خلال المسلسلات و الأفلام المصرية التي كانت تستحوذ على كل البرامج التلفزيونية في العالم العربي و بدون منافس يذكر و اليوم نحن نتساءل لماذا لا تكون هذه الأعمال الفنية باللغة العربية الفصحى بدل اللهجات المحلية التي تختلف من دولة إلى أخرى ؟ فاللغة العربية الفصحى تجمع ولا تفرق ، تجمعنا و توحدنا و نفهمها جميعا من أقصى الشرق إلى أقصى الغرب و لا يشعر أي مواطن عربي بحساسية تجاه لهجة أخرى غير لهجته المحلية .
كما ظهر على السطح في السنوات الأخيرة أعمال فنية مدبلجة من التركية والهندية و المكسيكية إلى اللهجة السورية فغزت البيوت هي الأخرى و أصبح هم المشاهد العربي فهم هذه اللهجة لكي يفهم محتوى المسلسل والقصة ، المشكلة نقرأ اللغة العربية الفصحى للدراسة والامتحان فقط بينما نتكلم لهجاتنا المحلية الشيء الذي يحد من انتشار العربية الفصحى وسط جيل الشباب و الناشئة .
لغتنا العربية جميلة بأبنائها و باقية ببقائهم و حرصهم و غيرتهم عليها ، عيب على كل عربي لا يعرف لغته العربية و لا يتحدث بها ، فلماذا لا نتكلم لغتنا و نعتز بها و نسمو بها وسط لغات العالم الحية، فمثلا المواطن الفرنسي لا يتكلم إلا اللغة الفرنسية و الألماني لا يتكلم إلا الألمانية و كذا الانجليزي والاسباني ……لماذا هم متمسكون بلغتهم الأم ونحن العرب نتجاهلها و كأننا نستحي عند التحدث بها حتى أننا نكلم الأجانب بلغتهم في بلداننا العربية و لا نتكلم لغتنا ، فمن حقها إذن أن تشكونا لأننا ركضنا وراء الغرب و نسينا ما تبقى لنا من هويتنا العربية .

admin

فتحى الحصرى كاتب صحفى عمل بالعديد من المجلات الفنية العربية . الشبكة .ألوان . نادين . وصاحب مجلة همسة وناشر صاحب دار همسة للنشر ورئيس مهرجان همسة للآداب والفنون

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى