ط
الشعر والأدب

لقاء من وحى الماضى .قصة قصيرة بقلم / محمد محمود

محمد محمود
كان يضرب فى عنف وجنون بقدماه بدال دراجته وكأنه يمزق من تحتها الارض فكل ما فيه يرفض فى هذه الساعة الانتماء الى الارض ، يعلن التمرد على قوانين الجاذبية يقاوم الرياح بجناحى قلبه ليسابق الطير والسحاب والضؤ وعقارب الساعات والقطارات أأأه القطارت توقفت أنفاسه المرتعشة عند ناصية تلك الكلمة فأنها تحمل لليالى المبهمة التائهة فى عرى الوحدة والسجن الانفرادى عنوان السعادة ليتصالح أخيرا جسده المتعب من النوم فوق أرصفة الانتظار على روحه المسافرة منذ خمس سنوات مع من رحلت الى مدن الغياب ، فتضم الليلة ضلوع القطار صبية كالنهار البكر يلف خصرها المشدود ذات السبع عشر ربيعا فستانا سماوي قصير وتختبىء نظراتها الصاخبة خلف عيون نظاراتها الشمسية ويتوحد شعرها فى ضفيرة ذهبية ناعسة فى خجل على صدرها كخصال القمر المتأرجحة على كتف المدينه الساهرة كل هذه التفاصيل تمخضت من وحى أخر مشهد حبلت به ذكراه عنها
قبل أن تنزوى عن مقلتيه رويدا رويدا بين يدى والدها ورماد كثيف من البشر فى أحدى عربات القطار ، وصل وهو منهك من طول الطريق وشتاء الذاكرة الى المحطة التى لازالت تحتفظ بملامحها وطباعها القديمة منذ أن رحلت هى ، فهل ياترى هى الاخرى لازالت على ملامح وطباع قلبها القديمة؟! سؤال قفز اليه فى منتصف المسافة ما بين جنون اللهفة ورجفة القلق لكنه لم يستسلم له ، ومع تكات الساعة يدق كل شىء من حوله حتى نبضات قلبه فلربما تخطىء الساعة العد ، وقبل أن تمر دقائق معدودات وصل أزير القطار الى مسامعه
فتيبثت الفرحة فى ركبتيه فتجمد على أطراف المحطة ينتظرها.
تدلت من القطار أية من أيات الرحمن تتبختر ضفيرتها كسنابل القمح الشقراء على الاغصان وكأنها تعبئهما برساله اليه بأنها لازالت تلك الصبية العاشقة الخاضعة الخاشعة فى طقوس حبه وأنها عبرت بقلبها البكر جزر من الرجال ونواصى من الاعوام وكومات من الورود والاحلام اليه ، تدلت وهى تقلب بصفحات عينيها وجوه العابرين وحقائب سفر المسافرين ولوحات الاعلانات المملحة بغبار السنين حتى أهتدت عيناها الى حضن عينيه وأستسلمت تلك الضحكة الطفلة على ضفاف شفتيها وشفتيه فلوح لها فى حذر بيديه فتمنت لو خلت الارض بينهم من كل تلك الفواصل الجسدية كما خلت من حسابات المسافات والسنوات وكما خلت عيونها دونه من كل الرجال تمنت أن تلقى بنفسها بين ضلوعه لتغتسل من أثم الغياب وتصلى على صراط جسده فروض حبه وتتلى على مسامعه أيات من ذكر حبها الكريم لتطرد منه وسوسة شيطان الافك الرجيم وتمنت وتمنى ولكن ياليت الدنيا تأتى بالتمنى ، أنتظرت حتى أنشغل والدها بتدبير سيارة أجرة لهما وتحركت نحو وكأن شيئا ما يدفعها فتشابكت النظرات وتعانقت الانامل وهمس فى صمت أحبك فتكحلت عينيها بالفرحة وأطبقت جفنيها على تفاصيل وجه وكأنها ترسمه وتمددت صفحات رئتيها لتستوعب ذرات الهواء التى تلف عنقه والمعطرة بقطرات عرقه وكأنها تتنفسه ثم أنصرفت كحلم ، ولأول مرة يشعربحقيقة أن الارض تدور حول نفسها ، ودعها بعينيه الراهبتين الراغبتين فى بعث لقاء من وحى الماضى على أطراف جسد القرية العارى والملتحف بحقول الياسمين وبيوتا سود والناعس أسفل جذع شجرة التوت ..فالى هذا اللقاء ..
يسعدنى الانضمام الى مجلتكم الكريمة ومساعدتكم للروافد الصغيرة فى نهر الابداع
بقلم/ محمد محمود

admin

فتحى الحصرى كاتب صحفى عمل بالعديد من المجلات الفنية العربية . الشبكة .ألوان . نادين . وصاحب مجلة همسة وناشر صاحب دار همسة للنشر ورئيس مهرجان همسة للآداب والفنون

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى