ط
مسابقة القصة القصيرة

لقيمات وبضع أشبار . مسابقة القصة القصيرة بقلم / سحر محمد ابراهيم الصياد .مصر

خاص بمسابقه مهرجان همسه الدولي للادب والفنون2019
في القصة القصيرة
 
اسم القصة: لقيمات وبضع اشبار
سحر محمد ابراهيم الصياد
دمنهور محافظة البحيرة، مصر
01099213848
 

لقيمات وبضع اشبار:

-صباحك نادي يا عم حسنين

-صباح الفل يا بني.

وناولني كيس غزل البنات كعادته يوميا بعدما نقدته ثمنه. وأكملت أنا ترتيب واجهة متجري. مستمعا تارة لندائه: غزل البنات يا سكر. خد البنات يا ورد. وتارة مطلقا نفيره منبها أطفال الحي لمجيئه.

تحول النداء فجأة لعويل وأنين موجع.

خرجت من متجري، فرأيته متكوما يتلقى الضربات من شابين فارهي الطول ذوي ثياب انيقة، وقد تناثرت أكياس غزل البنات على الأرض وسقط نفيره مهروسا تحت الاقدام.

انتشلناه من الأيدي الغاشمة فإذا به يدافع عنهما بعدما تكاثر عليهما شباب الحي.

-اتركوهما. إنهما أبنائي. اتركوهما. وجعل من نفسه حاجزا للدفاع عنهما.

ومضي الشابان ليركبا عربة فاخرة وهما يتوعداه إن ظهر أمامهما مرة أخرى.

أسندته حتى وصل لمتجري. وهو بين يدي يرتعش كاتما نهنهات قهر. مكفكفا دموعه بطرف ثيابه المهلهلة. أحضر أطفال الحي عصاه ونفيره المهروس وبعض أكياس غزل البنات التي بقيت سالمة.

انشغل عني وعن تساؤلات الناس بترتيب وتعليق أكياسه في العصا. حتى انصرف الناس لشؤونهم.

وهم أن يغادرني.

– والله لن تخرج حتى تفطر معي.

– خيرك سابق يا بني.

-أقسمت بالله. وناديت على عامل المطعم حتى يأتي لنا بطلبين مخصوص.

نزلت دموعه مرة أخرى. وعجزت يده عن ملاحقة سيلها وانسالت الكلمات من فمه دون سؤال مني:

– أيام تمر ولا لها نهاية. أولادي – سامحهم الله -الكبير مدير في بنك والأصغر دكتور في الجامعة. أما ابنتي الوسطى فهي صحفية ومذيعة مشهورة.

ليست أول مرة يضربونني فيها. والله إني أتجنب المناطق التي يعيشون أو يعملون بها. ولكن نصيبي الأغبر يجعلهم يتعثرون بي كل حين. حتى أنال منهم مكافأتي على تعبي وجهادي من أجلهم.

كنت يا بني صاحب أرض في بلدتنا. رغم أنها كانت أرضا صغيرة ولكنها كانت تكفينا السؤال. أصررت أن يصلوا أقصى درجات العلم ليعوضوني عن تعليمي المتوسط. وعندما ضاقت بهم قريتنا. بعت قطعة الأرض ورحلت مع أمهم إلى المدينة حتى لا يهلكهم بعد المسافة عن مدارسهم. واستأجرت بيتا أسست فيه لمتجر بيع اقمشة. ومرت بنا الأيام وماتت أم الأولاد. وكنت أزين وحدتي بمراقبتهم وهم يكبرون ويزدادون علما.

أصبحت الأم والأب. لم أتزوج ثانية رغم قدرتي ماديا وجسديا على ذلك. فاولادي اولي بكل لحظة في حياتي وهم الاحق بكل انتباهة مني.

تعلمت الطهي والغسل والكي حتى لا يتعطل أي منهم عن دراسته. وكم فرحت عندما نال كل منهم شهادته العليا وتوظف. واستقل كل منهم عني وتزوجوا وتناسلوا. كنت أزورهم كالضيف الخفيف. فلكل مشاغله. وليس لي مكان في مجتمعاتهم الراقية بلهجتي الريفية الثقيلة.

تنازلت من اجلهم عن كل شيء. واعطيتهم كل حياتي فاستنفذوها وصرت لديهم بلا حقوق.

غص بالكلمات. واختلجت قسمات وجهه واحمر تأثرا ثم فاضت عيناه تحكي المه :

– يا بني. من تعود ان يأخذ فقط بلا حدود وبلا مقابل. يصعب عليه العطاء. وعندما نفذ مالدي من عطاء مادي انتهيت بالنسبة لهم. رويت نبتهم وراعيته حتي اشتد العود وفاقوا قامتي وإذ بهم يقتلعوني من وسطهم ويلقوا بي كالهشيم.

انزويت ببيتي اتلهي عن الامي بتجارتي ومراقبة الدنيا تسير من حولي. حتى شب حريق التهم البيت والمتجر. ونفدت من الموت حرقا بأعجوبة. لم يعد لي مأوي أو مصدر عيش. فلقد حمد صاحب البيت الله أن انتهي استئجاري للبيت بالحريق. وأصبح له الحق أن يبني بدلا عنه عمارة كبيرة تدر عليه المال الوفير بدلا من الجنيهات التي كان يأخذها مني.

واحترت ماذا أفعل. وانتقلت بين بيوت أبنائي. فوجدت التأفف مني يتسرب إليهم بعد حين. أحسست كم أن الإنسان ثقيل. وسمعتها بأذني. فخرجت يوما عازما ألا أعود.

أنام في حديقة أو في بناء مهجور أو تحت الإنشاء. حتى مرضت من البرد والجوع. ووجدت نفسي في يوم محموما راقدا في بيت ابني الكبير. فلقد عرف الناس من بطاقتي وأوراقي اسمه ومكانه. لا أدري كم بقيت هكذا إلا أنني أفقت يوما على لسعة برد شديدة وزخات من المطر تغمرني. ووجدتني بجوار سور لمبني ما لم أميزه لحلكة الظلمة، عجزت عن النهوض ودارت بي الدنيا.

وإذا بي أفيق على أيادي تحملني وتبدل ملابسي بأخرى جافة دافئة وأيادي تسندني وتطعمني. عرفت أنني بدار للإيواء. وفهمت من حالي ومن خلو ملابسي من أي أوراق تدل على هويتي أن ابني ضاق بي مرة أخرى ووضعني وأنا المريض الغائب عن الوعي بجوار تلك الدار في هذا الليل حتى وجدني الناس نهارا.

حاولت أن أعمل حتى أعيل نفسي فليس لي مورد. كنت أنظف في البيوت أو أغسل السيارات. وفي يوم شاهدت ابني يكاد يحترق غيظا عندما رآني وهو مار أغسل سيارة. وتوعدني إن رآني في طريقه أن يبلغ عني لأني متسول. آلمتني كلماته. فجمعت ما استطعت توفيره من نقود واشتريت عصا غزل البنات. وأصبحت أبيعه في الحواري والشوارع الفقيرة بعيدا عن حياتهم الفارهة. وحتى إن صادفوني. فأنا لا أتسول. إنني أبيع وأكفي نفسي.

وها أنت قد رأيت اليوم ما حدث. ماذا أفعل. إن أجل الله لم يأت وإن كنت أطلبه كل لحظة. كل منهم يا بني لديه المال والوجاهة وأكثر من بيت. فأنا أطل عليهم من بعيد كل حين عندما يأكل قلبي حنيني إليهم. ألا يكفي إنني محروم من دفء حضن أحفادي. لا أريد شيئا إلا لقيمات وبضع أشبار أتكوم فيها راقدا. وقلب يلملم الامي في اخر ايامي.

ماذا أفعل وإلى أين اذهب .وسع الله الأرض . وابي جحود ابنائي الا تضييقها علي.

admin

فتحى الحصرى كاتب صحفى عمل بالعديد من المجلات الفنية العربية . الشبكة .ألوان . نادين . وصاحب مجلة همسة وناشر صاحب دار همسة للنشر ورئيس مهرجان همسة للآداب والفنون

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى