يحيرنا الفراغ الذي يتسلل إلى فجوات أيامنا .. فتبدو علاقاتنا باهتة لا نبض فيها ولا حياة ..!
نتساءل أحياناً ماذا تريد منّا هذه الدنيا؟ لماذا تخبىء لنا السعادة نصف مرة، ولا تتردد في تدبير التعاسة لنا مرات ومرات، بل وأكثر؟
لماذا نفشل في إيجاد الشريك الأمثل؟ ومن هو الأمثل وماذا يعني هذا الأمثل؟
هل الأصدقاء رفاق درب أبديون، أم أن الصديق الناجح في صداقته لنا هو في الحقيقة الخيبة والفشل؟
لماذا نفرح بتلك الشراكة المكتوبة على الورق، بينما شراكة الحياة الواقعية تغرق في مستنقع الإحباط، وتستنزف الكثير من الوقت والجهد والأحاسيس .. تلك الأحاسيس التي تغدو ضحايا وتضحيات وخيبات تتحرك بطلاقة رغم أنها تخلو من السند ..
لماذا تنكفىء الذات على ذاتها، وتجد الدعوة إلى حب الذات قبولا لا يكاد يشكك به أحد .. فتنادي حكمة التجارب بعيدا عن مرارة الغدر: لنحب ذاتنا أكثر ” ندلل انفسنا”، ونعطي من الآن فصاعدا بالقدر الذي نأخذ منه، أو ربما أقل، أو أكثر قليلا .. لماذا؟
هل لتلك الأنانية ثمنها الباهظ الذي ندفعه أحياناً بخسارة المحيط بنا ..
لماذا يتعلق بنا الآخرون، ألأننا نحسن السير في طريق المحبة، أم لأننا نمتلك شيئا من جمال وحسا مغامرا يثير في من يستهويهم ذلك حب الحياة، أم أننا مؤثرون فعلا بطبيعتنا أو هكذا خلقنا؟ هل الناس تتعلق بمن ينجح أو يملك رصيدا وافرا من القوة وروح التحدي؟ أم أن هنالك أبعادا “كاريزمية” في شخصيتنا لا نستشعرها ويستشعرها ويراها الآخرون فينا؟ ..
ثم بعد هذا كله: لماذا لا نجد أحداً حولنا وينفض المتعلقون ويتساقط العالقون إذا تغير الحال وضاق المجال وتضاءلت الشهرة والأضواء والأحاديث بين الناس ؟؟!
أحياناً نخطو بخطوات أكثر ما يميزها القلق والخوف من القادم ، فنحاول أن نواريها بعزيمة مزيفة، أو نحاول أن نوهم الآخرين بأننا بارعون في استخدام قوتنا الموهوبة لنا، وأن الخيبة والوجع لا يعرفان طريقهما إلى حلبة الصراع الذي نخوضه للبقاء.
أحياناً، تكون النهايات متوجة بالإنهيار، وفي أحيان أخرى يرحل “المحظوظون” في نظرنا نحن قبل بدء الانهيار ، متناسين أن الخوف والقلق والحرمان والوهم والندم هي مجرد شكل من أشكال الإنهيار ..
هكذا هي الحياة، غابة شائكة من أسرار وأسرار .. أسئلة مثقلة بالبرودة وأخرى غارقة باليأس..
لكن تظل الحياة أيضا مليئة بالمفارقات والمعوقات والمطبات الهوائية، وأحياناً تجد نفسك في مرحلة غير قادر على الاستمرار، وتمضي “وحدك” في مواجهة تحد عظيم مؤلم تضعك الحياة أمامه لتكون أنت و”أنت وحدك” ولا أحد سواك من البشر القادر على قيادة “معركتك الفاصلة”، بلا سلاح ولا جند في الميدان .. سلاحك الوحيد هو فقط ما ادخرته من دروس الحياة في العقل والقلب، كما في الروح والوجدان .. خبرات وتجارب تحصن بها آثار الجروح والعذابات لعلها تندمل، وتحمي بها متكأ الصبر ومدامع الروح عن انقطاع سقيا العزيمة .. ذلك هو السلاح النووي الشامل والحاسم غير المصنع تحت الأرض وفي ظلام الإثم، الذي إن استطعت أن تستخدمه ستكسب المعركة في جولتها الكبرى والأخيرة .. إنه ” سلاح الأمل ” الذي ينفجر بضحكة قوية نابعة من القلب، وقد تكون قذيفة مضادة للإحباط واليأس، ساخرة من تهميش الدنيا لكينونتك الإنسانية، ضحكة يصوغها قلبك حتى ولو كان ينزف الألم .. فلا وقت للبحث عن مرهم بعيد المتناول ليطبب الجرح .. لا وقت !
لكن إياك وأنت تخوض المعركة أن تتلفت إلى الوراء .. فهناك لافتة مكتوب عليها …
” ما في حدا لا تندهي.. ما في حدا
عتم وطريق وطير طاير عالهدا..
بابن مسكر والعشب غطى الدرج ..
شو قولكن؟ شو قولكن صاروا صدى؟
مع مين بدك ترجعي بعتم الطريق ..
غير السما وغير المدى ما في حدا ..
“ولن يكون هناك أحد”