متفوقين الثانوية :الظروف القاسية لم تمنعنا من التفوق
14 يوليو، 2018
0 216 3 دقائق
منذ كان صغيرا، وضع عمرو سعيد الثانوية العامة نُصب عينيه، لم يكن ابن قبيلة الرميلات بشمال سيناء يتمنّى أكثر من الحصول على درجة جيدة، واستكمال مسيرة التعليم عكس معظم أبناء عائلته، لكن القدر كافأ الشاب القاطن بالعريش، إذ ظهرت نتيجته بالأمس ليتخطى مجموعه الـ98% بشعبة علمي علوم.
على مدار سنة دراسية، عانى سعيد، كغيره من تلاميذ محافظة شمال سيناء. أجبرتهم الظروف على التعامل مع أوضاع صعبة، لا إتاحة فيها للكهرباء طوال الوقت، ولا لشبكات الإنترنت، أو وسائل النقل، غير أن بعضهم أبى مرور الثانوية العامة كراما، حسموا الأمور لصالحهم بأقل الإمكانيات.
في فبراير الماضي، أعلن المتحدث العسكري، العقيد تامر الرفاعي، عن تنفيذ القوات المسلحة عملية شاملة للقضاء على العناصر الإرهابية، تنفيذا لتكليف رئيس الجمهورية عبدالفتاح السيسي للقيادة العامة للقوات المسلحة ووزارة الداخلية.
وتزامنا مع العملية الشاملة، أعلنت وكيل وزارة التربية والتعليم في شمال سيناء، ليلى مرتجى، تأجيل الدراسة في مدارس محافظة شمال سيناء، حرصا على سلامة الطلاب.
قبل الصف الثالث الثانوي، انتاب سعيد الخوف “مكنتش عارف لو دخلت هقدر أواصل ولا لأ”. كان من حوله يشجعونه “خاصة إني أكبر إخواتي فأمي وأبويا كانوا عايزين أفرحهم”، كان الحمل ثقيلا على عاتق صاحب الـ18 عاما “الوضع في العريش كان صعب.. أبسط حاجة إن المدارس واقفة معظم الوقت وكنا معتمدين على الدروس”، حسبما يحكي الشاب.
لم تتوقف الأزمة عند المدرسة فقط “مفيش مواصلات نتحرك بيها لبيوت زملائنا”، ظل سعيد يمشي على قدميه عدة أسابيع بشكل يومي، حتى استطاع في النهاية شراء عجلة “أنقذتني.. صحيح مش سريعة زي الميكروباص بس أهي أحسن من رجلي”.
أيام الثانوية العامة طويلة ومرهقة؛ بعضها مرّ على سعيد بصعوبة بالغة “مكنتش عندي فرصة للترفيه عن نفسي.. حاسس إن ضهري مكشوف طول الوقت بسبب عدم انتظام الدراسة”، لذا ومع الضغط النفسي الشديد، قرر سعيد التوقف عن المذاكرة خلال أيام العيد “رغم إن بعدها كان في امتحان فيزيا”، لكن الشاب فطن إلى أن عدم الراحة سيأتي بنتيجة سيئة.
مع انتهاء اليوم الأخير في الامتحانات “كنت عارف إني حليت كويس”، غير أنه لم يتوقع الحصول على مجموع مرتفع، وكذلك لم يضع كلية بعينها أمامه “غالبا هدخل طب”. لا يُحب الشاب الابتعاد عن العريش كثيرا “لو في كليات في الإسماعيلية هروح”، الآن يستطيع سعيد أن يتذوق الراحة “الواحد جه عليه أيام كان حاسس إنه مش قادر يكمل تعليم، من كتر اللي شافه”.
تضم محافظة شمال سيناء، 591 مدرسة موزعة على 6 إدارات تعليمية، أما عدد الطلاب فيبلغ نحو 110 آلاف طالب بمختلف المراحل التعليمية، منهم 3600 طالب وطالبة بالثانوية العامة، فيما يصل عدد المدرسين إلى 9421 معلما.
ساعة ونصف كان يقطعها أحمد عبد المنعم يوميا، من وإلى بيوت زملائه ليحصل على الدروس. لا يتذكر طالب علمي رياضة عن تلك الفترة سوى “التعب طول الوقت.. كنت بوصل الدرس خلصان.. إزاي مطلوب مني أركز بعدها؟”، حتى أن المشي أحيانا كان يذهب سُدى “لأن المدرس لو مالقاش حاجة توصله مش هييجي”.
منذ اليوم الأول في الدراسة، حاول عبد المنعم التأقلم مع الوضع، ففيما وزعت المدارس أقراصا مدمجة للمواد على الطلاب، حاول هو الحصول على المعلومات عبر الإنترنت “كان هو البديل بتاعي بعد الدرس”، لكن انقطاع الإنترنت معظم الوقت لم يساعده “طول اليوم كنت أستنى الشبكة تيجي ساعتين تلاتة عشان أفهم مسألة صعبة، ومكنتش بقدر أعمل دا طول الوقت”.
وضع عبد المنعم هندسة البترول أمامه، لكن حصوله على 97% لا يضمن له دخولها، رغم ذلك يفتخر بما وصل له، كما يسعى للحصول على منحة للدراسة في الخارج “أهلي مش مصدقين إني جبت المجموع ده في الظروف دي”، لا سيما وأنه مرّ بإحباط نفسي شديد في أوقات متفاوتة “أحيانا كان حتى الهدوء مش بنلاقيه.. بسبب صوت ضرب النار أو غيره”.
يرى محمد أحمد، طالب شعبة علمي رياضة، آثار العملية الشاملة على الأرض “الوضع اتحسن كتير عن السنين اللي فاتت”، غير أنه تمنّى لو أُتيحت له فرصة الذهاب للمدرسة بشكل دائم، حيث لم يحصل على دروس في جميع المواد كأقرانه.
90% هو مجموع ابن مدينة العريش “نفسي أدخل حاسبات ومعلومات”، تتشابه أزماته مع أقرانه، إذ اضطر للسير 20 كيلو يوميا للحصول على الدروس، فيما لم تساعده الأقراص المُدمجة التي وزعتها الوزارة كثيرا “كانت في الرياضة حلوة جدا، فيها مدرس بيشرح، لكن بعض المواد الباقية كانت عبارة عن كتاب الوزارة بي دي إف، إزاي كنت هذاكر كيميا وفيزيا من كتاب على سي دي؟”.
كغيره، سمع أحمد عن التسهيلات التي قد يتم تقديمها لطلاب شمال سيناء “بس مش عارف كان فيه رأفة في التصحيح ولا لأ”، لا يريد الشاب النظر إلى الوراء “انا مبسوط إن المرحلة دي خلصت أيا كان النتيجة إيه”.