الاسم: ابراهيم البوزنداكي
العنوان: مدينة اولاد تايمة عمالة تارودانت المملكة المغربية
البريد الالكتروني:
الموبايل: 212 672337488
نوع المشاركة: القصة القصيرة
اسم القصة: مجرد بقعة شمع
مجرد بقعة شمع
قالت لها المعلمة كلاما قادحا إذ رأت على كتابها المدرسي بقعة، نادتها لتأتي إلى جوار السبورة. هناك أخذت منها الكتاب و قلبته لتجد الصفحة المنشودة، إذ يبدو أن الطفلة ذعرت فأغلقت الكتاب بتلقائية بريئة.
أمسكت المعلمة الكتاب بين أصبعين من طرفه و دلته إلى أسفل في اشمئزاز و قالت ساخرة و هي تواجه به التلاميذ:
– زميلتكم جعلت من الكتاب مائدة، هل ترون بقعة الزيت أو الشحم أو المرق، هل تظهر لكم من هنا أم أن علي أن أمر عليكم لأريها لكم صفا بصف؟
و صفعتها لترتد رأسها و يسقط شعرها القصير المنكوش على وجهها.
بصغار عجيب، تابعت الطفلة يدها كرد فعل و أمسكتها لتقبلها، لكن المعلمة سحبت كفها بسرعة لم تترك للطفلة أي فرصة.
نادت: “نادين” اجلبي كتابك معك و تعالي.
نهضت طفلة شقراء أنيقة من الصف الثاني و أخذت معها الكتاب المدرسي المغلف و اتجهت ناحية المعلمة.
طرحت المعلمة كتاب الطفلة الأولى بإهمال على الأرض و أخذت كتاب “نادين” بمجمع يديها في شكل يوحي بمظهر احترام.
نبرت موجهة حديثها لجميع الأطفال:
– هكذا يكون الاعتناء بالكتب. أرأيتم؟؟
و هي تريهم صفحات الكتاب النقية و تشير إلى الغلاف البلاستيكي الرفيع ذي اللون الوردي الجميل الذي ركب بعناية فائقة.
أكملت كلامها من حيث صمتت:
– أما هذه الأوساخ و القذارات فمكانها سلة القمامات.
أعقبت ذلك بإشارة إلى الكتاب المطروح أرضا راسمة على وجهها آيات التقزز و النفور.
هنا بكت الطفلة المصفوعة قائلة من خلف دموعها التي انهمرت مدرارا:
– لكن يا سيدتي، هي مجرد بقعة شمع.
قالت ذلك فنظرت إليها المعلمة نظرة جانبية يملأها الترفع، ثم أجابتها سائلة باستهزاء:
– وما الذي يفعله أمثالك بالشمع؟
و ما علاقة الشمع بالكتاب؟؟
و وراء عبراتها التي تهمي، أجابت الطفلة وعيناها في الأرض:
– لا توجد كهرباء في منزلنا، و أبى الجيران أن يكرمونا بأي خيط. لذلك فأنا أنجز تماريني على ضوء الشمعة المتراقص، وإذ تعبت ساقي أردت أن أمددها فأصبت قائمة المائدة، فسقطت الشمعة وفاضت على الكتاب.
هنا، تذكرت المعلمة ما كانت قاسته أيام الدراسة، استرجع ذهنها تقريبا نفس الصورة التي وصفتها الطفلة، باستثناء كونها تقرأ بضوء الشموع لكن مفترشة حصيرة بالية على الأرض، لكونهم لا يملكون إلا خوان الطعام و لا مائدة في البيت.
شعرت أنها ظلمت الطفلة و أرادت أن تعتذر بل لقد خرجت أولى كلمات الاعتذار، إلا أنها لما نظرت في عيون الأطفال الآخرين و في عيني “نادين” استشفت أن الضعف أمام هؤلاء الشياطين الصغار رذيلة و ليس فضيلة. لذلك ضربت الطفلة براحة يدها على قفاها دافعة إياها إلى الأمام صارخة في وجهها:
– لا تعودي إلى مثلها، ارجعي إلى مكانك.
ثم أخذت بيد “نادين” برفق بالغ لتعتلي المقعد الذي وضعته هناك، و أمرتها أن تقرأ عليهم الأنشودة من الكتاب.
انحنت الطفلة ببساطة الأبرياء و أخذت كتابها المنشور على أرض القاعة، و اتجهت إلى مكانها بهدوء و جلست.
لما استوت في مقعدها نظرت إلى نادين التي بدأت بالتلعثم أمام التلاميذ، ثم مر بصرها بسرعة ليستقر متأملا المعلمة الجالسة على المكتب، المنكبة على دهن أظافرها الطوال ثم ما لبثت أن ابتسمت.