( داخل بيت قروى متواضع ) بعد تناول العشاء بدأ سالم الفلاح يرتدى جلبابه الشتوى الثقيل و يلبس جوربا ثقيلا . ثم لبس حذاءه . و لف شالا ثقيلا على رأسه و رقبته . أمسك بعصا غليظة فى يده و دق بها مرتين على الأرض كما لو كان يختبر مدى قوتها
الزوجة : رايح فين يا سالم ؟
سالم : طالع اشم شوية هوا ؟
الزوجة : مانت طول النهار فى الغيط يا سالم . ما شبعتش هوا ؟؟؟
سالم : هوا الليل غير هوا النهار يا وفية . عشِّى العيال و نامى انتى . أنا خارج .
الزوجة : نفسى أعرف إيه اللى بيرجعك الغيط تانى بالليل . حرام عليك لو مش خايف على نفسك خاف علينا لو حصل لك حاجة . الناس يا سالم بتخاف تمشى ع الطريق ده بالنهار . يبقى انت تروح تتمشى عليه بالليل . عفريت مريم اللى اتقتلت على الطريق يا سالم لو طلع لك هتعمل ايه ؟
سالم : ما تخافيش . ما عفريت الا بنى آدم
الزوجة : طب عشان خاطرى ما تتأخرش انا بابقى خايفة و انت بره . و ما تنساش تعدى تبارك لسعيد أبو ليلة طلع من السجن و وصل البيت النهارده بعد العصر .
سالم : طلع من السجن !!؟؟
الزوجة : مالك استغربت كده ؟ إنت ماكنتش عايزة يطلع ولا ايه ؟
سالم : و لا حاجة .. بس هو لحق ؟
الزوجة : الأيام بتجرى يا سالم . يلا روح بس ما تتأخرش . تبدو على سعيد علامات الاستغراب و قد أخذته المفاجأة بشدة . لم ينطق و خرج من البيت و أغلق الباب بشدة وراءه . يتمتم سالم بصوت يكاد يسمعه .
سالم : سعيد خرج من السجن . سعيد خرج من السجن . يسير شاردا بشوارع القريه . فجأة يفزعه صوت ينادى عليه .
الصديق : سالم . يا سالم . يستجمع قواه و ينظر إلى صديقه
الصديق : مالك يا سالم . انت سرحان ولا إيه ؟ رايح فين ؟
سالم : رايح أشقَّر ع الغيط و الجاموسة .
الصديق : بالليل يا سالم ؟ الطريق مسكون يا سالم . لو مسَّك جن هتتجنن أو تنشل و هتعيش طول عمرك تعبان .
سالم ( شاردا ) : ما تخافش عليه .
الصديق : خلاص ما تبطلش قراية الفاتحة و قل هو الله أحد و انت على الطريق .بس تعالى معايا الأول نبارك لسعيد على خروجه من السجن و ابقى روح الغيط بعد ما نسلم عليه .
سالم : لأ . بعدين أروح له .
الصديق : إزاى بس دانت هتعدى من قدام بيته . باقول لك إيه سالم ؟؟ تفتكر سعيد قتل البنت فعلا ؟؟ سعيد طيب أوى . حلف لهم تلاتين طلاق فى المحكمة انه ما قتلهاش بس القاضى ما صدَّقوش .
سالم : الله أعلم مين اللى قتلها .
الصديق : تعرف … أنا حاسس ان أمها لها دخل ف موتها . مانت عارف ياسالم .. مشيها بطال .. ممكن يكون عشيقها هو اللى قتل البنت .
سالم : عشيقها ؟؟ هو عشيقها ماله و مال البنت الصغيرة ؟؟ لو عشيقا يبقى يقتلها هى مش البنت .
الصديق : ممكن تكون شافته مع امها فى وضع و العياذ بالله .
سالم ( كاتما غيظه ) : عشان خاطرى اتكلم فى حاجة تانية .. أو اسكت . يصل الإثنان إلى دار على أطراف القرية تخرج منها أضواء كثيرة مع أصوات عالية منبعثة لأناس فى الدار مع صوت أغنية شعبية .
الصديق ( مناديا ): سعيد .. يا سعيد يخرج سعيد مرحبا بهم .. يحتضن سالم .
سعيد : وحشتنى يا سالم .
سالم : انت اكتر يا سعيد . حمد الله على سلامتك .
سعيد : الله يسلمك . سالم اوعى تكون مصدق إنى قتلت البنت . و الله انا انحبست ظلم . انا طلعت من الغيط لقيت البنت سايحة فْ دمها باقلب فيها لقيتها ميتة .
سالم : أنا عارف و الله يا سعيد ؟
سعيد : عارف ؟؟ عارف إيه ؟
سالم : عارف .. عارف ..عارف انك طيب يا سعيد ؟ عارف انك طيب . ربنا بيبتليك بس ؟
سعيد : و نعم بالله . مظلوم بقى أو مش مظلوم المهم كانت فترة صعبة و عدت . أنا واثق إن ربنا هيعوضنى خير .
سالم : أستأذنك بقى و بكرة أشوفك فى الغيط . و هاروح أنا عشان أستريح . سعيد : على طول كده يا سالم . طب حتى كوباية شاى . يتركهم سالم دون رد . يدخلان الدار . و ينصرف هو إلى الطريق المرعب المؤدى إلى غيطه و الذى يجاوره فيه غيط سعيد . يتمتم ثانيةً : سعيد خرج من السجن . يمشى على الطريق . بدأت نبضات قلبه تزداد فى معدل سرعتها . يشعر بالرعب كلما وصل إلى أذنيه صوت مفاجئ لضفدعة أو كلب ينبح . توقف فجأة على الطريق المظلم و على جانبى الطريق حقول الذرة الطويلة العيدان المظلم جوفها ظلمة القبور . دخل فى أحد الحقول .. سار عدة خطوات . ثم توقف فجأة . بدأ يحدث نفسه بصوت هامس
سالم ( هامسا ) : مريم كانت ماشية من هنا . أنا .. كنت واقف هنا . بصيت حواليه ما لقيتش فيه حد . مسكت الفاس هنا . جريت وراها من هنا . نزلت بالفاس على راسها فى المكان ده . البنت جريت من القناية دى . وصلت الطريق .( سائرا عدة خطوات ) وقعت هنا . و ماتت . سعيد أول واحد خرج من هنا و فاسه فى إيده . كان بيعزق فى الدرة يومها . و الناس خرجوا من هنا . أنا اختفيت من هنا .. و الناس مسكوا سعيد هنا . يخرج سالم إلى الطريق .. يتملكه الخوف .. يسير متجها إلى بيته . تبدأ خطواته فى التزايد فى سرعتها .. إلى أن ينطلق بأقصى سرعته . يصل مرة أخرى إلى بيت سعيد حيث ما زالت أنواره مضاءة و الأصوات تنبعث من داخله . تصل إلى أذنيه ضحكات سعيد العالية . يقف أمام البيت . يهمس لنفسه مرةً أخرى .
سالم : السجن مش حيطان عالية . السجن مش بوابة حديد . السجن مش سجان ولا حارس فى إيده كرباج . سعيد دخل السجن و خرج و بقى حر . و أنا ما دخلتش السجن . لكن .. ( باكيا ) عايش سجين . عايش سجين .عايش سجين .
فتحى الحصرى كاتب صحفى عمل بالعديد من المجلات الفنية العربية . الشبكة .ألوان . نادين . وصاحب مجلة همسة وناشر صاحب دار همسة للنشر ورئيس مهرجان همسة للآداب والفنون