ط
الشعر والأدب

مذكرات ستارة صالون ..قصة قصيرة بقلم / سمر أحمد الشحات

10383005_330893133732696_4505590556917521569_n
صوت التواشيح القادم من المسجد البعيد يتناهى الى اسماعى ، محمود طالب الثانوية يقطع الصالة ذهابا وايابا وكأنه بانتظار حالة ولادة متعسرة ، رائحة التقلية تفوح بالمنزل وتعبق انسجتى بنكهة ثوم اتعجب لكون البعض يشتهونها ، على جدار الاكواب الزجاجية المعبئة بقمر الدين البارد تساقطت حبيبات بخار الماء تابعها محمود بجشع ذئب يتربص بغزالة فاتنة ، اخيرا تتردد بالاصداء صوت اذان المغرب المسجل بصوت الشيخ محمد رفعت فينطلق محمود من عقاله ويصب قمر الدين بحلقه حتى كاد الكوب ان يتهشم ، زجرته امه بغلظه فجلس بمكانه منتظرا نصيبه من الدجاجة

الرمضان الحادى عشر والذى يمر بى بهذا الصالون الكئيب ، منذ ان تم تكبيلى بالحلقات المذهبة فى تلك الحجرة الضيقة وانا اعانى مللا اعتقد انه منتشرا لدى بنى جنسى ، ربما لا تعانيه بتلك القسوة الستارات الفاتنات المعلقات ببهو فندق او قصر مهيب ، حياتى هى مزيج من الملل اقطعه من حين لاخر بالتسلى بمتابعة اهل البيت غريبى الاطوار ، كانت قد تكونت لدى فكرة عامة عن البشر عن كونهم مجانين تتدلى منهم سيقان قادرة على حملهم لاى مكان ومع ذلك فهم يلهثون خلف حجارة ملتصقة بالاسفلت ،يطلقون علي اسم الستارة الفضولية ، من هؤلاء الذين يطلقون الاسم !!! بالطبع لا احد ولكن بعالم موازى كنت سأحصل على اللقب بجدارة وسوف اتسلى بتعليق البشر بشباك غرفتى وربما صفعهم بالمنفضة او البصق عليهم ، من فضلك لا تحكم على فانت لم تجرب يوما ان تكون ستارة ….

كنت بطفولتى البعيدة احيا بفاترينة مغبرة بمحل مفروشات رخيص كسدت بضاعته ، امضيت من عمرى ستة اشهر معلقة باحدى الزوايا بجوار بعض الاخوات الاكثر ضخامة ونقوشا ، كنت استمتع بمتابعة المارة وزوار عربة الفول الرابضة امام الفاترينة والتى لا تتوقف عن اطعام افواه تبتلع اللقمة قبل ان تمس شفتيها ، الاف الحكايات سمعتها ولم افهم معظمها وشكاوى اغلبها عن الدروس الخصوصية واسعار اللحوم ومصر اسلامية ام علمانية ،حسنا لا اريد ان اتذكر الان تلك الايام كى لا يقتلنى الحنين لشقيقتى البنفسجية ذات الدانتيل .

مرت بى الايام اللطيفة حتى تم تكبيلى بعمود نحاسى بالصالون الضيق بعد ساعة ونصف من الفصال بسعرى ، شعور بالخزى ينتابنى كلما تذكرت رغبة البائع العارمة فى الحصول على عشرة جنيهات اضافية وام محمود تصر على اننى لا استحق ، تلك البدينة الشمطاء التى تتلذذ بصب اللعنات فوق رأس ابنها المارق حامل لواء الملاحق الابدى ، الزوج توفى منذ عامان وقد حزنت عليه حقا فقد كان ملائكيا مقارنة بأنثى البعلزبول المسماة ام محمود،كان احيانا يشاركها غسل اطرافى وكيها فكانت يداه حانيتان اكثر من زوجته التى كادت ان تنسل انسجتى بكفوفها الاكثر خشونا من صبار جبلى ،رائحة العطن تفوح منى فانا لم انل حماما منذ اكثر من ستة اشهر حتى كاد الغبار يسد فتحاتى التى كانت يوما تشبه اوراق الشجر ولم تعد .

ناهد بالعشرين من عمرها نحيلة شعثة كفرشاة اسنان ، تهوى الجلوس ليلا بالصالة القريبة لتحادث صديقاتها وتتبادل النكات والضحكات الرقيعة ، بالفترة الاخيرة صرت الاحظ اشياء غريبة لا افهمها ، زيارات متكررة لعدت اشخاص تحمل نفس الطابع والتفاصيل مع اختلاف الملامح ، بكل مرة هناك علبة من الشيكولاتة الرديئة وشاب مرتبك يجلس مطرقا للارض ضاما ركبتيه كعذراء خجلى ، وهناك دوما امرأة مسنة تجلس بجواره مبتسمة بفخر وتربت على ركبته مشجعة ، كما اننى لاحظت خروج صينية مذهبة وطاقم كاسات من مكمنه الازلى بالنيش ليعبأ فى كل مرة بسائل اصفر تحمله ناهد متظاهرة برقة لا تتناسب مع صوتها الحيانى ،ثم يأتى الحديث اللزج عن الهوايات والطموحات وهل تفضل ورق العنب ام المسلسلات التركى ،ام محمود ايضا تصاب بنوبة بزخ نادرة وهى التى بالعادة تزن كوب الماء قبل تقديمه ،يتبع هذا الحدث دائما ليلة تقضيها ناهد بالصالون تلتهم اظافرها وتقرض علبة الشيكولاتة غلا ، ثم تبدأ بالصراخ الهستيرى صبيحة اليوم التالى والذى تنهيه بالبكاء والشحتفة ومسح انفها باطرافى ، اللعنة …..

العيد اقترب ولابد من الاستعداد لصفعات المنفضة ولكمات يد ام محمود الغليظة ، دائما هناك مقاعد سفرة مقلوبة وشعور شعثة ورائحة معطر جو قادر على قتل سرب من المروحيات ،اكثر مايقلقنى بتلك الايام هو حضور ذلك الطفل الشيطانى المسمى يوسف إله الخراب عند الفراعنة ،يمكنك تركه وحيدا وسط كتيبة من رجال الكوماندوز ليقتلهم جميعا كمدا ،محمود الطالب الفاشل يقترب منى ليدخن سيجارة مستغلا انشغال امه بصنع المهلبية المقدسة ، يهاتف فتاة ما تدعى سوسن ويقسم لها باغلظ الايمان انه لا يحب سواها ، هذا الفتى يحمل ذاكرة سيئة بشدة فقد كرر نفس الحديث مع سبعة وثلاثين انثى تسبقها ، يبدو انه حقا (مخه ملحوس ) كما تقول امه _ام محمود_ والتى لا افهم كيف تنبأ والدها اثناء تسميتها بانها ستنجب فتى يدعى محمود ، يبدو انه يعمل بالطالع مثل العجوز التى تأتى هنا من حينا لاخر لتقرأ لها الفنجان .

الشيطان الصغير يقترب منى وعلى شفتيه ابتسامة بلهاء ، يحمل بيده شيئا معدنيا ويمسك باطرافى ويقربها منه ، اللعنة انها قداحة فلينجدنى احد ايها الاغبياء المتراصين حول الشيف شربينى ، يد غليظ تصفع الفتى مصاص الدماء على قفاه وتحمل منه القداحة وتجره مبتعدة ، حمدا لله يبدو اننى سأعيش يوما اخر وقد يمتد بى العمر وتكون لى ذرية من البراقع ، فلنكتفى بهذا القدر اليوم ودعونا نستمتع ببهجة العيد فلربما لا ارى عيدا اخر .

admin

فتحى الحصرى كاتب صحفى عمل بالعديد من المجلات الفنية العربية . الشبكة .ألوان . نادين . وصاحب مجلة همسة وناشر صاحب دار همسة للنشر ورئيس مهرجان همسة للآداب والفنون

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى