{ تـــقديم مــسابقة الـــقصة الـــطويلة }
الاســـــــــم
أسماء محمد يماني
اســـــــــــم الشهرة
أسماء يماني
الدولة
القاهرة / محافظة السويس
“ديـــجاڤو“
أصارعُ الآن بين جدار المَشفَى، متصلة بأنابيب داخل جسدي، وبجهاز تنفُّس ينفِّذ واجبَهُ؛ لتقضية ما بقِي لي مِنْ عُمر، لكنْ لن أُهزَم كما مِنْ قبلُ؛ فأنا أفوزُ دائمًا في كُلّ جولات حياتي؛ فهي لَمْ تكن مُبهِجة، طالما كانتْ مليئة بالصراعات المُميِتة، والتي اجتزتُها بجدارة؛ فالموتُ ليس شيئًا جديدًا عليَّ؛ فهو الشر الذي لا بُدَّ منه، لكنَّهُ ليس شرًّا مثلما أعتقدُ، بل خطوة نقلتْ حياتي إلى مرحلة أخرى لَمْ تكنْ في الحسبان.
لكنني سأتغلَّبُ عليها بجدارة مثلما أفعلُ دائمًا، أفتحُ صفحات “ديجاڤو” الماضي، أتصفَّحُ بين طيات الذكريات، وأتذوَّقُ مروره.
الحياة المُؤلِمة، وكيف هُدِمتْ حياتي منذ نعومة أظافري؟
لَمْ أنعمْ بحياة سليمة مثل الأطفال، بل وصمتْ عليَّ بالخيانة والغدر مِنْ قِبَلِ عائلتي وسندي، والتي كانتْ سبب تعاستي، وتجرُّعي مروره الحياة بكأس مِن الدماء، لا مِنْ أجل حفنة مِن الجنيهات.
هذه أنا “حورية منصورالدويقي” طفلة صغيرة ذاقتْ مرارة الحياة منذ الطفولة، أنتمِي لقرية “كفر أبي جبل” التابعة لمحافظة الشرقية… قرية بسيطة وأهلها طيبين، وسُذَّج جدًا.
قصتي بدأتْ منذ خمس سنوات، عندما بدأتُ أخطو خطواتي الأولى في الحياة، كانتْ بدايتها في أراضي الغير، أعملُ مِنْ أجل توفير احتياجات البيت، لَمْ يكن لدي إلا أخت وحيدة، وكنت البكريَّة.
والدي كان قاسي القلب، ويلوم أمي على عدم إنجابها للصبية، كأنَّهُ بيديها!! حتَّى التعليم لَمْ يكنْ مسموحًا لنا إلَّا في المرحلة الإعداديَّة، كأنَّهُ قانون فرضَهُ علينا كالسَّجَّان الذي يقبض في يديه مفاتيح حريتك!!
كان أبي لديه استعداد لبيع ابنته؛ مِنْ أجل حفنة مِن الجنيهات!!، لا أنسى ذلك اليوم، عندما صاح على أمي بالقدوم إليه؛ ليطرح عليها فكرته الجهنميَّة في عدم ذهابي للدراسة؛ بسبب العريس المُقتدِر، والذي سيأتي، وينتشلهم مِن الفقر. كانتْ أمي ضعيفة الحيلة أمامَهُ، لَمْ تجادلْهُ، وإذا فعلتْ تنال حظَّها في الضرب والسَّحل ثُمَّ يقوم بالتحايل بحديثه المُعتَاد: أنَّ البنت آخرها بيت زوجها، حتَّى لو عمرُها لَمْ يتجاوز الرابعة عشرة!!
رغم حبي للتعليم، وتفوُّقي لَمْ يقف حاجزًا اتجاه رغبات أبي.
وبدأ يتفوَّهُ بهُراء عن العريس المُنتظَر، وهو منفرج الأسارير، وأردفَ إلى أمي:
كريمة ابنتكِ محظوظة؛ لقد طلب يديها أغنى رجل في القرية”.“
“مَنْ هو يا منصور؟”.
“الحاج عبد الرحيم الدهشوري”.
طمس على سمع أمي ما تفوَّه به أبي العزيز.
مَنْ هو الحاج عبد الرحيم؟ (الرجل الكهل الذي يكبرُهُ في السن)، لكنَّهُ لَمْ يكن عائقًا نحو أبي، وعندما عنَّفتْهُ أمي؛ بسبب كِبر سن العريس، كان مِنْ نصيبها صفعة قوية على وجهها، والسَّب، وأنَّها لا رأي لها؛ فهو رجلُ البيت، وكلمتُهُ ستُنفَّذ رغمًا عن الجميع.
لقد رأيتُ ضَعْفَ أمي، عندما أتتْ إليَّ بعينينِ دامعتينِ، تحثُّني بترك الكتب الدراسيَّة، والاستعداد لعريسي المستقبلي، والذي سينقلني لحياة رغيدة ورفاهية. عندما سمعتُ ذلك طمسَ على بصري وسمعي، لَمْ أستوعبْ ماذا تقول؟؛ فهي تعلمُ جيدًا مدى تفوُّقي وحبي للدراسة، ورغم توسُّلاتي لها، والرفض، إلَّا أنَّ القرار قد حُسِمَ مِنْ قِبَلِ أبي، وهو أمرُ لا جدال فيه، ويجب عليَّ الاستعداد لدفني على قيد الحياة، وحجتهم الواهية: أنَّهُ سيُلبِّي كُلَّ طلباتي.
لكنَّ صدمتي لَمْ تكنْ في منعي مِنْ دراستي فقط، بل عند معرفتي بالسر الغامض، والذي لَمْ يقلْهُ لي أحد،للمرة الأولى يقتنِي أبي لي ملابس جديدة، ويعطيها لأمي، ومساحيق التجميل؛ لتزيِّني بها.
لا أنكرُ إنَّني أحببتُ هيئتي وملابسي الجديدة، والتي علمتُ فيما بعدُ أنَّها مِن الحاج “عبد الرحيم”،وليس مِنْ أبي العزيز.
وهنا كانتْ بداية المواجهة والظهور بهيئتي المُكبِّرة وجهي في السن، رغم صغر سني.
كان استقبالي مشرِّفًا له في بداية الأمر، كنتُ أعتقدُ أنَّهُ سيطلبني لأحد أبنائه، والذين يكبروني في السن، لكنَّ الصاعقة التي هزَّتْ كياني: أنَّهُ هو العريس المُنتظَر.
كان يتفحَّصني جيدًا مثل البضاعة التي دفعَ ثمنها مُقدَّمًا، لكنَّ ما أقلقني أكثر نظرات ابنه، والتي كادتْ أنْ تخترق جسدي وهيئتي؛فتركت المكان مهرولة؛ لأصعد إلى السطوح… مكان جلوسي المُفضَّل للدراسة على ضي القمر، لكن حتَّى ذلك سوف أُحرَم منه مبكرًا، واقتحمتْ أمي خلوتي الصغيرة، وكسرت سكون الليل قائلة:
-“سامحيني يا ابنتي!! أنتِ صغيرة، لا تعلمين شيئًا عن الحياة، قد يكون زواجكِ ذلك سرَّ هروبكِ مِن المنزل، وتحكُّمات أبيكِ الطاغية، ومَنْفَذ جديد لتستريحي مِنْ كُلِّ ذلك”.
-“ماذا تقولين يا أمي؟ هو أكبر مِنْ أبي، وأنا لا أتجاوز الرابعة عشرة، وهو متزوِّج، ولديه عائلة تكرهُني، كيف سأحيا بسعادة؟! أنا خائفة حقًا يا أمي؟”.
اقتربتْ أمي اتجاهي، واحتضنتْني بقوة، واستطردتْ قائلة:
-“تعلمين إنَّني تزوَّجتُ، عندما كنتُ في سنكِ،كان لدي عشرة إخوة، والزواج كان الوسيلة الأسهل لتوفير المعيشة،للأسف- هذه هي حياتنا يا عزيزتي، مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ لِمَ أَنْجَب غَيْرُكَ أَنْتِ وَأُخْتُكَ ، لِكَيْ لَا تُعَذِّبا لكنْ لا تقلقي؛ لقد تحدَّثتُ مع الحاج(عبد الرحيم)بشأن دراستكِ، وهو وافقَ عليها، سوف تكملين تعليمكِ يا ابنتي، ويتكفَّلُ بكُلِّ شيء؛ فهو مُقتدِر، وليس كوالدكِ،وأيضًا اشترى لكِ ملابس كثيرة، وطعامًا لنا”.
أخذتْني أمي مِنْ يدي للأسفل؛ لكي أوثِّق على بيعي، ولقد تمَّ قراءة فاتحتي، وحُدِّد عُرْسِي بعد أسبوع مباشرة!!
رغم الهدايا والشبكة القِيمة، والتي زغللتْ عين أبي، والطعام الوفير، والذي أُرسِل لعائلتي، كان كفيلًا بعدم رفض الزواج، وإتمامه مِنْ أجلهن، وأيضًا أملي الأخير في تكملة دراستي، والابتعاد عن أبي، والذي لا يفرقُ معه سوى كيف سيجمعُ المال، لكنَّ كثيرًا ما أعذرُهُ؛ فهو قليل الحيلة، ويعملُ في أراضي الغير؛ ليطعمنا، لكنَّ حديثًا آخر متضاربًا يُحدِّثني، يقول:
“كفى أنتِ أيضًا، كنتِ تعملين منذ طفولتكِ؛ لتوفِّري طعامًا للمنزل، ومصاريف دراستكِ؛ فهو لَمْ يصرف مليم عليكِ!!”.
وفي اليوم الموعود كنتُ أشعرُ إنَّنا أتحضَّرُ لجنازتي، وليس لعُرْسِي!!، واجتمع أهل البلدة؛ ليجهِّزوني، وليكبِّروني في السن باللبس الضخم، ومستحضرات التجميل الرخيصة؛ فهُمْ لم يتركوا وجهي إلَّا بعد خضوعه تحت تجاربهم المُزيَّنة بالألوان البرَّاقة.
طفلة لا تفقه شيئًا، لكني تركتُ كُلَّ شيء مثلما يريدون.
أجلسُ معهم كالصنم، أشاهدُهم، وهُمْ يصفِّقون ويغنون الأغاني الشعبيَّة المُعتادَة بالأفراح.
كنتُ أشعرُ أنَّها جنازتي، وهُمْ يحملون نعشي بأوجه منفرجة الأسارير!!
فجأةً اقتربت مني امرأة في عقدِها الخامس، اتَّجهتْ بجانب أذني قائلة:
“لن تسعدي كثيرًا!! لن أترككِ تسعدين بماله، ولا العز الذي تطمعين به أنتِ وعائلتكِ، استعدي، سوف تتمنين الموت، ولن تحصلي عليه”.
كنتُ أنصتُ لها في رهبةٍ، وتنتابني رعشة سرتْ في جسدي، والخوف تملَّكني، ورمقتُ أمي ترحِّبُ بها، وتُدعَى”أم حمدان”؛ فهي الزوجة الأولى “عبد الرحيم”
وبعد الانتهاء كان أهالي القرية يتحدَّثُون عن الفرح المُبهِج لبنت “منصور” الرجل البسيط، وأنَّها فُتِحتْ لها طاقة القَدْر بزواجها مِنْ أغنى رَجُل في القرية، لكنَّ هم مثل أبي، النقود هي ما تفرق معهم.
وبعد الفرح ما انتهى، كُلّ واحد راح إتبسط، وأكل، وكانوا يحكوا ويتحاكوا على أكبر ليلة اتعملت لبنت “منصور”، وإنني محظوظة.
كنتُ مثل الشاة التي تتقدَّمُ لذبحها، دلفتُ لبيت الحاج “عبد الرحيم” بجسد متصلِّب مُرتِعش، فشعرَ”عبد الرحيم” بخوفي؛ فأردفَ قائلًا:
-“هذا بيتكِ لكِ فقط، لقد أقسمتُ ، إنَّكِ سوف تحصلين على دار خاصة بكِ، ولا تقلقي،اعتبريني في مقام أبيكِ، نعم يا حورية”.
نظرتُ له بعينينِ دامعتينِ، ولم أستطع التفوُّه بكلمةٍ، لكنَّهُ حدَّثني قائلًا:
-“أنا يا ابنتِي رَجُل يخشى الله، ولقد تزوَّجتُكِ؛ خوفًا عليكِ؛ لأنَّ أباكِ كان ينوي زواجكِ مِنْ رجل صاحب كِيف، ومعروف بسُوء سمعته، وبيعه للفتيات بحجة زواجه منهن”.
ثُمَّ اقترب إليَّ، وربت على كتفي، وقال:
-“اعتبري هذا منزلكِ، وسوف تعيشين مُعزَّزة مُكرَّمة، وستكملين دراستكِ”.
كنتُ أسمعُ حديثه، وسمعتُ صوت قلبي ينكسر ممَّا كان ينويه والدي، لكنْ شعرتُ أنَّ “عبد الرحيم” هو عوض الله الحقيقي، رغم صغر سني إلَّا أنَّني كنتُ مُتحمِّلة مسؤولية عائلتي بأكملها، وللمرة الأولى أشعرُ أنَّ شخصًا ما يتحمَّلُ عني هذه المسؤولية.
وفات أسبوعانِ على زواجي مِنْ “عبد الرحيم”، والذي شعرتُ معه أنَّهُ يحقِّق لي ما أتمَّناهُ، وينفق على دراستي، لكنْ نغصَّتْ عليَّ حياتي زوجته، وتعدِّياتها عليَّ.
والتي أتتْ إليَّ؛ لتحذِّرني بعدم الإنجاب؛ لأنَّ الميراث لها، ولأولادها، وأنَّني هنا لفترة مؤقتة فقط، وسيتمُّ التخلُّص مني، وطردي مِن الدار في أقرب وقتٍ. حديثها أخافني كثيرًا؛ وكوني هنا لفترة مؤقتة فقط.
أحببتُ الحياة هنا بجوار أبي الثاني، وعندما أتتْ أمي إليَّ، قصصتُ لها ما حدث من “أم حمدان”، فكان حديث أمي المُعتَاد، بأنَّها تتفوَّهُ بذلك مِنْ حزنها على ترك زوجها لها بعد سنين كثيرة، وأولاد بينهما.
-“اعذرْيها؛ فأنتِ ضرتها”.
هكذا قالتْ أمي، ونصحتني بعدم التحدُّث للحاج بشأن زوجته؛ لكي لا تحدث مشاكل.
ومرَّتْ خمسة أشهر، والمرض اشتدَّ على “عبد الرحيم”، وكنتُ بجانبه بعد ما زوجته وأولاده تخلوا عن مراعاته، كان يرمقني، ويستطرد قائلًا:
-“أنتِ الوحيدة التي صبرت بجانبي، يا حورية أنا أعلمُ نوايا زوجتي تجاهكِ، أريدُكِ أنْ تحرصي على نفسكِ، إذا حدث لي مكروه”.
كان حديثه مُؤلِمًا؛ فهو السند الحقيقي لي بعد رب العَالَمينَ، وبالفعل لم يكمل يومينِ، وأتى الخبر لي كالصاعقة،وأنَّهُ لقِي ربَّه أثناء تواجده عند زوجته؛ بناءً على رغبتهم.
كنتُ في عَالَم آخر، مُغيَّبة الوعي، أحاول أن ألملم شتات نفسي، وأستوعب ما يدور إلَّا كانتْ زوجته وأولاده هجموا عليَّ، وطردونا مِن المنزل بملابسي البيت، وكانتْ كلمته التي دوَّتْ في أذني:
“سوف تعودين مثلما أتيتِ فارغة الوفاض”.
وعدتُ إلى بيت عائلتي، لكنني حصلتُ على لقب (أرملة) في أعين الجميع، وأبي لَمْ يتحمَّل ، وكأنَّني مسؤولة عن ذلك.
كان يكرهُ وجودي، وفي يوم ما طُرِقَ باب بيتنا، وكانت المفاجأة “أم حمدان” أتتْ؛ لتطيِّب خاطري، وتحتضني، وتعتذر عمَّا بدر منها، وأنَّها تريد رجوعي، والعيش في منزلي مرة أخرى، وأنَّهُ مِنْ حقي.
في بداية الأمر لَمْ أستوعبْ حقيقة ما يدورُ، لعلَّ حنَّ قلبُها عليَّ أم هذه حيلة؟ لكنني كنتُ طفلة، سعدتُ بحديثها كثيرًا، وقررتُ الذهاب معها؛ لأنني أعلمُ أنَّ أبي لا يريدني في الدار، وأيضًا رحَّب كثيرًا،عندما عَلِمَ بذهابي.
لكنْ تأتي الرياح بما لا تشتهي السُّفن،عندما دلفتُ بداخل المنزل، كان الجميع يرمقوني بنظرات حقد وكره، وفجأةً دفعتْني”أم حمدان”، ووقعتُ على الأرض، وأمرتْ أولادها بضربي، وربطي بحبال سميكة، لا أعلمُ ماذا يحدث؟!
وتوسَّلتُ لها بصياحٍ عالٍ:
-“لِمَ تفعلين بي ذلك؟! ماذا فعلتُ لكِ؟!”.
فاقتربتْ مني، وكاد أن ينفجر وجهها مِن الغضب، وركلتْني برجليها قائلًا:
-“كيف لبنت صغيرة مثلكِ تفكر أن ترث؟ وكيف يكتبُ لكِ رُبع التركة، وأيضًا نصيب مِن الأرباح الشهرية من الأراضي والتجارة الخاصة بنا؟!
لا تعتقدي أنَّكِ ستنالين جنيهًا واحدًا، كُلّ شيء ملك لي، ولأولادى يا حمقاء!!”.
كنتُ أسمعُ ما يدور في صدمة، أتركَ الحاج “عبد الرحيم” لي كُلَّ ذلك؟!
فردَّتْ “أم حمدان” مع ضحكة رنَّتْ في آذاني:
-“ولن تحصلي على شيء!”.
-“لا أريد ميراثًا، لكن اتركوني أرحلُ مِنْ هنا!!، ولن أتحدَّث، صدِّقوني!”.
نظر “حمدان” لي مع ضحكة جلجلتْ في أرجاء البيت قائلًا:
-“هل نحن أغبياء وسُذَّج لهذه الدرجة؟، لن ترحلي مِنْ هنا إلَّا على قبركِ، يا صغيرتي الحسناء!
تعلمين الموت خسارة لكِ، أبي يفهم كثيرًا، وذوقه عالي، لكنني أعشقُ النقود أكثر مِنْ أي شيء”.
وتدخَّلتْ والدته في حديثه، وطلبتْ منه أنْ يصمت، ويحضر ورقة التنازل؛ لكي أوقِّع عليها باسم والده “حمدان” وأولادها الثلاثة.
يدي أصابتْها الرعشة، وقلتُ:
-“لن أوقِّع؛ حتَّى أنال حريتي مِنْ هنا”.
وعلى حين غرةٍ صفعة قوية رنَّتْ على وجهي، “حمدان”أردفَ قائلًا:
-“لن تخرجي مِنْ هنا إلَّا على قبركِ يا صغيرة!”.
ثُمَّ أمسك يدي “حمدان”، وأجبرني على التوقيع!
وانفرجت أساريره ببرود، وقال لأمه:
-“ماذا إذا بحثت عنها عائلتها يا أمي؟”.
-“لن يفعلوا يا بني؛ لأنهم سوف يسبقونها إلى قبرها”.
سمعتُ ذلك، وبدأتُ في الصياح؛ لكنهم كمَّموا فمي، وضربونى بعصا، وفقدتُ الوعي على إثرها.
وعندما أستفقتُ، كنتُ في مكان مظلم صغير جدًا، كاد أنْ يحملني بصعوبة ثُمَّ
استوعبتُ إنَّني في صندوق خشبى، بل إنَّهُ قبري!!
هل أنا دُفِنت حية؟
أصابتْني هيستريا، كنتُ أصرخ؛ لكي يأتي أحدُ؛ لمناجاتي.
ويوجد صندوق خشبي ،استعذتُ بالله مِن الشيطان، وقرأتُ القرآن؛ فأنا حافظة لكتاب الله منذ صغري، وفجأةً سمعتُ صوت حفر، والصندوق يُفتَح، وشخصٌ ما يقول:
-“بسم الله الرحمن الرحيم!!”.
يكمل:
-“كيف أتيتِ إلى هنا؟! هل دُفنتِ حية؟! مَنْ أنتِ؟!.. صوتُ صياحك عالي جدًا!!”.
كنتُ أسمع ما يقول، وأنا مُغيَّبة، ولم أستعب أنَّ من أجل النقود يقود أهله للقتل، وأسرعتُ إلى منزل عائلتي؛ لكي أقصَّ لهم ما حدث!
لكنَّ الأذى والقتل لم ينلني فقط، بل نال مِنْ عائلتي أيضًا؛ لقد أحرقوا بيتنا، وأهل القرية تجمَّعوا؛ لإطفاء الحريق، ومع إصدار صريخ يقول:
-“لقد حرقتُ جميع العائلة!!”.
كان صوتهم مثل السكين الذي ينغرز بداخلي!!
كأنَّ القمر بلونه القرمزي، ونيران الانتقام أخفته،وعائلة “حمدان تراقبه مِنْ بعيدٍ، والأم المصونة، والتي لا ترعي عُمرها؛ لتخطِّط وتقتل، ولا تعي أنَّها ستقابلُ وجهًا كريمًا.
كانتْ نيران الغلِّ والكُره تملَّكتْ مني، لكني ما أزال طفلة، كيف أحارب عائلة بهذا الطغيان؟!
لكن كان السبيل الوحيد: الهرب مِن البلدة، والذهاب بعيدًا عنهم؛ لأنَّهم إذا علموا إنَّني على قيد الحياة، سأكون الضحية القادمة لهم.
وبالفعل ركبتُ سيَّارة كانتْ مسافرة إلى القاهرة، وملابسي غارقة في الرمال من الدفن.
كُلّ الناس كانتْ تعتقدُ أنَّني مُتسوِّلة؛ بسبب ملامحي، نعمْ، أعذرُهم؛ فأنا أصبحتُ في الشارع، ولا عائل لديَّ سوى الله سبحانه وتعالى.
أصبح ملجأي الشارع، أهربُ مِن ذئاب الليل؛ للاختباء في مكان مُغلَق بعيدًا عن أعينِهم في سواد الليل، كان ظلامه أشبه بكابوس مُمِيت، نعمْ؛ فهو يظهر أسوأ ما فيه مِنْ نفوس البشر الضعيفة.
كيف لفتاة صغيرة الحفاظ على نفسها وسط كُلِّ ذلك؟!
كنتُ أبحثُ عن الطعام في القمامة؛ لكي أسدَّ جوعي،لكنني لَمْ أيأسْ؛ فلديَّ انتقام يجب أنْ يُنفَّذ.
لكنَّها أتتْ لي كالمَلَاك بردائها الأبيض، فاقتربتْ مني بحنان، وسألتْني عن اسمي، وكيف أصبح مصيري الشارع هنا، وخصوصًا طفلة بهذا الجمال، لَمْ أستوعب الحديث.
نعمْ؛ فأنا لَمْ أنظر إلى المرآة؛ لكي أطلَّع على ملامح وجهي، كان يهمُّني أكثر توفير نقود لعائلتي وإطعامها؛فأنا الفتاة الشقراء ذات العيون البنيَّة، فرمقتُها بخدعة جدية: لقد انفصل عائلتي، وأصبح الشارع منزلي، لكنَّها تجاهلتْ ذلك، وقالتْ:
“تعالى معي يا ابنتي”.
كان التوجُّس يحيط بي تجاهها، وبسبب أسئلتها المتكرِّرة، فذهبتُ معها، كانتْ تملكُ مؤسسة لأعمال الخير؛ فهي فعلًا ملاك، ولا تدعِّي ذلك.
وعندما دلفتُ إلى الداخل، صاحتْ على العَاملينَ عندها؛ ليقدِّمُوا لي ملابس جديدة، ويهتموا بي.
شعرتُ بالاطمنئان للمرة الأولى،وقدَّمتْ لي مَا لَذَّ وطَاب مِنْ أَشْهَى اَلْمأْكُولاتِ ،كنتُ ألتهمُهُ بشراهةٍ، وأدفس في فمي لقمة تلو الأخرى في سعادة، وفي يدي الآخرى شطيرة كبيرة مِن اللحم وشَعَرت بِثقْلٍ فِي صَدْرِي مِنْ كَثْرَةِ تَنَاوُلِ اَلطَّعَام.ِ
بــعد مرور عشر سنوات:
أصبحتُ الطبيبة “هدى درويش”…..هوية جديدة ،حياة مُرفَّهة، أمُّ تعتني بي، ماما “صفية” التي انتشلتْني مِن الضياع، وساعدتْني في إكمال تعليمي؛ لأصبح طبيبة يقتدي بها الجميع؛ فهذا هو التعويض لي مِن الله؛ لأن أقول الجميع: محظوظ مثلي مَنْ وهبتْه الحياة فرصة أخرى، مثلما أصبحتُ
الطبيبة المُتفوِّقة في أمراض القلب والباطنة.
كنتُ أن أنسى مِنْ أنا، وانتقامي، تمَّتْ ترقيتي، ونقلي لأرياف مصر، وضمن الاختيارات كانت قريتي القديمة، كأنَّ القَدَر يذكِّرُني بانتقامي المنسي، ويذكِّرُني بأسوأ لحظات حياتي..
رجعتُ مرَّة أخرى بعد عشر سنوات، ورأيتُ منزلي، والذي أصبح بيتًا مهجورًا يخوِّفون به الأطفال بالليل، لَمْ يعلموا مقدار عذابي عند رؤيته.
جروح الماضي فُتِحتْ مِنْ جديد، وخصوصًا عند رؤيتي لـ”حمدان”، والكِبرُ نال منه، لكنَّ الجبروت يحتل معالم وجهه، وأمه تتعكَّز بجانبه، والشَّيب يطمس شَعْرَها مِنْ أسفل حجابها الصغير، وهي لا تكاد ترى أو تسمع.
وأنا بالنسبة لهما أشهر أطباء القاهرة ،التي أتتْ نجدة لهما؛ لمعالجتهما مِنْ تشوُّهاتهما الفكريَّة والجسديَّة، وهُمَا يرحِّبانِ بي بحفاوة، لَمْ يتذكَّرَا مَنْ أنا.
كنتُ أشعرُ بالغضب الشديد،كيف لي أنْ أعالج مَنْ كان سبب دماري؟!
كنتُ أريد طعنهم بالمشرط الطبي، لكنَّني تذكَّرتُ قسمي، والذي لا يعرف عدوًا مِنْ صديق، يجب أنْ نداوِي الجميع مهما كانتْ علته.
أصبحتُ في حالة مِن الانهيار، ولَمْ أستطعْ كبح دموعي المتساقطة، ودلفتُ للخارج، وفجأةً استوقفتني ممرضة، وتستطرد قائلة:
“هل تبكين بسببهما؟”.
قصَّت لكِ قصتها؛ فهي لم ترَ أحدًا إلا وتقصُّ له قصصًا عن حياتها، والمعاناة التي سبَّبتها للآخرين، ومنهم أنا أيضًا، تعجَّبتُ مِنْ حديثها، وقلتُ لها:
-“عن أي معاناة؟! ،وكيف سبَّبتُ لكِ الأذى؟!”.
– أنَّها كانتْ شخصًا طاغيًا، حتَّى تُوفِّي اثنانِ من أبنائها منذ خمس سنوات في حادث سيارة، ومِنْ ضمنهم أولاد “حمدان” وزوجته، وهو نجا بأعجوبة، لكنَّهُ أصبح كالجثة الثائرة، يرعَى أمه فقط، التي تملَّك منها المرض والزهايمر،
كنتُ أنصت لها في ذهولٍ، وأحدِّثُ نفسي:
“هل هذا انتقام الله؟”.
ثُمَّ أردفتُ قائلة:
-“كُلّ ذلك ذنب “حورية أختي وعائلتي، والتي راحتْ ضحيتها، ولَمْ أعلمُ أين هي؟
لقد شاهدها الشيخ “لقمان”،وقال:
“إنَّها كانتْ مدفونة، وهربتْ، لكنَّها نجتْ مِنْ كُلِّ ذلك”.
فهُمْ كانوا يبحثون عنها؛ لاسترداد مالها بعد الحادث، لكنَّهم عوَّضوني عن ذلك، وأكملتُ دراستي، وأصبحت ممرضة هنا، وقابلتكِ يا دكتورة “هدى”!!
لَمْ أستوعبْ حديثها!
كيف أختي على قيد الحياة؟!
“نهلة”، هذه أنتِ يا حبيبتي، كنتُ أرمق لها، وأبكي، لَمْ أستطع السيطرة على حالتى سوى بمعانقتها، وكشف حقيقتي.
كنتُ في سعادة غارمة، يصاحبها بكاء، وأردِّدُ بصوت عالٍ:
“هذه أنا …حورية حورية!!”.
لكنَّ حديثي سمعَهُ الجميع، ومِنْ بينهم “حمدان”، وعندما سمع ذلك، أصابه الجنونُ؛ فهو يشعرُ بالذنب؛ لذلك يحمِّلني ما حدث لهم، وأنَّني لعنة أصابتْهم بداء.
يصرخ، ويردِّدُ قائلًا:
-“أخيرًا عثرتُ عليكِ، تعيشين حياتكِ كاملة، وأنا أذوق العذاب والجحيم!!
لن أترككِ،سوف تنالين جزاء فعلتكِ”.
كان كالثور الهائج، يكسِّر المَشفَى، ويسبُّ الممرِّضين، حتَّى وصلتُ للسلاح، الذي أخرجَهُ، ويصوِّبه اتجاهي، لكنَّ الأمن أوقفَهُ، وطردَهُ لخارج المَشْفَى، هو وأمه الخرفاء.
لكنَّني حصلتُ على سعادتي بجوار أختي الصغيرة، ولقد فرحتْ كثيرًا بعودتي،
وكانتْ لا تفارقني، وأصبحتْ تلازمني، ومساعدتي الخاصة.
أمَّا عن “حمدان”، فالشرطة كتبتْ عليه عدم التعرُّض لي مرة أخرى.
كنتُ قد استعدتُ السعادة التي أبحث عنها، وقررتُ قضاء عام في البلدة، ومغادرتها أنا وأختي الصغيرة، والتي كبرتْ، وتغيَّرتْ ملامحُها، لكنَّ عندها ما زال، وخوفها عليَّ.
ودائمًا تحذِّرُني بعدم الرجوع في وقت متأخر، والبيات في المَشفَى؛ عوضًا مِن الذهاب في ظلام الليل، لكنَّها لا تعلم قوة وشجاعة أختها، والتي نامتْ أكثر مِنْ أسبوع في شوارع القاهرة.
كان الوقت متأخرًا، ورنَّ هاتفي، كانتْ ماما “صفية” تبلِّغُني بزيارتها لي؛ لمقابلة أختي “نهلة”، وقضاء يوم معنا.
فرحتُ كثيرًا بمهاتفتها، وانتهيتُ مِنْ دوامي، وأسرعتُ؛ للذهاب للمنزل؛ لكي أخبر أختي بزيارة ماما إلينا، لكنَّ الليل يخبِّئ شيئًا آخر؛ فظلامُ يحتضن القمر، ويخبِّئ معالمَهُ، لكنَّهُ تحوَّل للون القرمزي، فطالما كان يوم الشؤم بالنسبة لي، ثُمَّ شعرتُ إنَّنا مُتراقبتانِ.
شعور الخوف الذي تملَّكني مِنْ قبلُ، راودني فجأةً، كأنَّ الأحداث سوف تتكرَّر مرة أخرى، وفجأةً،أُصِبْتُ بتخدير تام في جسدي إثر ضربة قوية مِن الخلف على رأسي.
المكان أصبح مظلمًا مِنْ جديد، ولا أستطيع التنفُّس.
“لا لا!! ليس مُجدَّدًا”.
كنتُ أبكِي بصوت عالٍ، وأقول:
-“لِمَ تفعل بي ذلك يا حمدان؟! ليس لي ذنب، أخرجني يا مجنون!! سوف أموت هنا!!”.
-“هذا ما أريدُهُ: موتكِ!”.
-لكنَّ ما ذنبي؟! أنتَ حقودُ مثل عائلتكَ، ونلتم جزاء فعلتكم”.
-“لا، لم تنتهي اللعنة أيتها القاتلة، أنتِ سبب شقائي، وأولادي كلهم ماتوا بسببكِ، أنتِ لعنة!، ستُدفنين للأبد، وسأحرص ألَّا يخرجكِ أحد هذه المرة، سوف تموتين للأبد!!”.
-“لم أستطع التنفُّس، أخرجني مِنْ هنا أيها القاتل!! أنتَ مَنْ تسبَّبتَ في مقتل عائلتي!!”.
كان يقهقهُ بهيستريا، ويقول:
-“إنَّهُ إذًا الزمن انعقد مرة آخر”.
سيقتلهم، ويقتل أباه.
وأردفَ في حديثه:
– “نعمْ، يا صغيرتي، لقد قتلتُ أبي بالسم البطيء، وأمي كانتْ مشتركة معي، لقد أصابَهُ الخرف، عندما فكَّر في انتشال فتاة مثلكِ؛ ليكونَ الملاك الحارس لها،
كنتُ أعلمُ نواياه؛ فأبي صالح جدًا، وأعلمُ لِمَ تزوَّجكِ يا حمقاء، ولَمْ يكتفِ بذلك، بل أرسل المحامي الخاص به ليكتب لكِ جزءًا مِنْ ميراثي!!
أنا الذي تعبتُ وأجتهدتُ؛ ليصبح إمبرطورية في البلدة، أنا مَن أستحقُّ!!
لذلك كان يجب أن يموت.
وضلَّلتُ أمي بأفكار سامة: بأنَّ أبي يُفضِّلكِ عليها، وأنَّكِ سترثين، وسوف تأتي بأطفال يأخذون الميراث، الغيرة طمستْ على بصرها، وهى مَنْ وضعتْ له السُّمَّ، الذي أعطيتُهُ لها؛ لتتخلَّص منه، وكانتْ آخر الجرعات أكثرها سمًا؛ فهى التي قضتْ عليه؛ لكي ينتهي الكابوس، ويأتي دورُكِ يا محتالة”.
كنتُ أسمعُ ما يدور في صدمةٍ، قلتُ له:
-“أنا أعلمُ جنونكَ؛ لذلك سجَّلتُ لكَ كُلَّ ذلك، وأيضا هاتفي به تحديد الموقع، وأختي تعلمُ أنَّني خرجتُ مِنْ عملي، وتأخري، يعني: إنَّني في خطر يا غبي”.
بالفعل سمعت صوت سيارة الشرطة، وأمسكوا بـ “حمدان”، وحفرت الشرطة؛ لإخراجي.
كنتُ أتنفَّس بصعوبة بالغة، وأبكِي، وأختي تحتضني، وتربت عليَّ، وأعطيتُ محمولي للشرطة؛ لتدين “حمدان”؛ الذي ثار، عندما رآني، ودفع الشرطة بعيدًا، وأخرجَ الطبنجة؛ ليطلق عيارًا ناريًا يصيبني مِن الخلف.
كنتُ أنظرُ للدماء في دهشةٍ، لَمْ أتخيَّل أنَّ هذه نهايتي، وأختي تبكي، وتحتضني بقوة، و”حمدان” يهلِّلُ في سعادة، والذي قُبِضَ عليه، وحُكِمَ عليه بالإعدام..
وها أنا أصارعُ مِنْ أجل النجاة، رحتُ في غيبوبة، لا أعلمُ إذا كنتُ سأفيق منها أم لا، لكن يوجد شيء لا أحدُ يعلمُهُ، ويجب البوح به.
الحظ لَمْ يكن حليفًا لي؛ فأنا مَنْ ذهبتُ خلفَهُ، نعمْ، فالحظُ ليس حليف الضعفاء الذين يستسلموا لأمرهم، لكنْ أنا مَنْ سعيتُ له منذ صغري.
وخصوصًا بعد الأحداث التي حدثتْ لي، ودفني حية، لكن نجوتُ، وأصبحتُ إنسانة أخرى ذات قلب مُتحجِّر.
نعمْ، أنا مِنْ راقبتُ ماما “صفية”، كنتُ أسمعُ عنها، وأنا في البلد، اسمها وأعمال الخير منتشرة في الصحف، فراقبتُ خط سيرها، وتعمَّدتُ أن ألتقط الطعام مِن القمامة؛لكي يرق قلبُّها، وتنتشلني معها؛ لتحقيق انتقامي.
كنتُ ألازمُها دومًا، وأعوِّضُها حنان الابنة، لكننى أحببتُها حقًا رغم استغلالي لها، وسلطتها في وصولي؛ لكي أصبح مِنْ أمهر الأطباء رغم تفوقي وذكائي، وأيضًا حديث “حمدان” صحيح؛ فأنا مَنْ تسبَّبتْ في موت العائلة الكريمة، كنتُ أعلمُ أنَّ “عبد الرحيم” قُتِلَ بالسم، وعلمتُ ذلك عند دراستى الطب، ومراجعة الأعراض المرضيَّة؛ فأنا كنتُ الممرضة له خلال هذه الفترة؛ فهو كان أملي، وهُمَا مَنْ سعيا لتدميره.
أنا لستُ لعنة، لكننى أتيتُ بها إليهم مِنْ خمس سنوات، عندما أتيتُ إلى البلدة؛ لأراقبَ “حمدان”، وعائلته، وخط سيرهم، وعلمتُ بالرحلة التى سيقومون بها، وذهبتُ متخفية، وقطعتُ فرامل السيارة، وتنكَّرتُ، وقدتُ سيارة ماما “صفية”؛ لأتأكَّد مِنْ موتهم، كنتُ خلفهم مباشرة، حتَّى أقحمتْهم في عربة نقل، تسبَّبتْ في موتهم جميعًا إلَّا “حمدان” الكابوس الأكبر.
أمَّا عن شقيقتي، كنتُ أعلمُ بها، وأرسلُ لها نقودًا أثناء زيارتي مِنْ قبلِ تشرُّدها، وأنا مَنْ طلبتُ منها الاقتراب مِنْ عائلة “حمدان”؛ لكي ترسل لي كُلَّ التفاصيل عن العائلة.
وذهابي للقرية كان ترشيحًا مني، وأنا من قمتُ بالتمثيليَّة الهزليَّة التي قدَّمتُها أنا وأختي؛ فهذا لاستفزاز “حمدان”؛ لأنَّها الكارت الأخير للانتهاء ،عندما أدركتُ صعوبة التخلُّص منه.
فأستدرجتُهُ؛ للاعتراف، ولكي تكون نهايته الإعدام، والميراث يرجع لنا مرة أخرى لي أنا وشقيقتي، لكن لَمْ أعرْ حسابه.
أصابتني “غيبوبة” لا أعلمُ هل سأفيقُ منها أم لا؟
هل هذا عقابي مِن الله؟
لكنَّ سعادتي بتعويض شقيقتي كُلّ الأمر الذي أريده، وتحمَّلتُ مِنْ أجله مرارة الحياة؛ لكي أعوِّضها عن عائلتنا التي قُتِلَتْ غدرًا؛ فهذا انتقامي، وديجاڤو ذكريات الماضي.
ديجاڤو.. تعنى مشاهد وذكريات من الماضي
( تـــــــــــــــمَّتْ )