ط
مسابقة القصة

ملخص رواية : نسائم الود ..مسابقة الرواية بقلم/ محمود عثمان ..مصر

 

يتناول العمل قصة تاجر عربي شاب هاجر من حضرموت لأندونسيا , يقع أسير أسطورة جده الملحمية التى تلاحقه أينما حل وتأثيرها علي حياته , وتتعرض الرواية لما لقيه الشاب أثناء رحلته وإقأمته من أحداث ومغامرات مرت به , كما تناقش تأثير التجار العرب في نشر الإسلام في تلك البقاع بحسن خلقهم وأمانتهم وتعاملاتهم الطيبة العادلة مع أهلها مما يدحض مقولة أن الآسلام إنتشر بحد السيف .

نسائم الود

 

محمود عثمان

من خاف من الله أخاف الله منه كل شئ , إن أطعت ربك وقبلت أوامره وحفظت سنته جعلك فوق نظرائك وأفاض عليك البركات والسعادة وجعلك مبارك فى وطنك وفى سفرك وألقي البركة فى نسلك , وحفظك أينما توجهت , ومكنك من أعدائك وطرحهم بين يديك مقهورين ذليلين “طعتأأـــ

الحسن البصري

صباح شتوي طيب ..

واعد ..

إجتاز عتبة المسجد ,نشطا ,حاضرالذهن مقدام مع أول ضوء عند الأشراق ساعة تطيب النفس وتصفو الروح .

كان قد صلى الفجر, فركعتان .تلا عقبهما سورة النمل .

إنحني ينتعل مركوبه , حين ربتت علي كتفه في ود يد شابة قوية , إلتفت للخلف ,طالعه وجه صديقه سليمان , تصافحا في بشر ومضيا يتحادثان ,تبادلا الأطمئنان علي الأحوال والسؤال عن الأعمال ,تمنى له التوفيق فى رحلته ودعي له بسلامة المغنم .

تركه علي أن يلقاه عند رحيله فلا يدرى أحد متي يحين اللقاء مرة آخرى .

 

 

****** 

كان رحيل الأم فاجعا لهما ,نقطة فارقة , مرزمان قبل أن يعيا الأمر ويعتاداه رغم مرارته . غدت الدار بعدها باردة موحشة يعمها الصمت  ويسكنها الفتور , قل الحديث بينهما , ما لا يقال أجل وأكثر مما يقال , يعرف كلاهما دخيلة الأخر دونما حديث ,يكفي مجرد النظر والتطلع العالم .

**

مع رحيل أمهاتنا يغيب من يهتم لأمرنا ويحنو علينا والعجيب أننا لا ندرك ذلك وهم آحياء بيننا نتعامل مع الأمر كمسلمة مثلما ننظر لكثير من النعم نمر عليها صباح مساء فلا نعبأ بها او نعيرها إهتماما ,إعتدنا وجودها وإطمئننا له, هو متاح دون تعب أو مشقة منا , نتطلع ونمضي كالبلهاء الذين لا يقدرون النعماء , لا ندرك قيمتها إلا حين تغيب فنتأسف ونندم حيث لا ينفع الندم ولا يفيد البكاء نتمني لو عادوا لنوفيهم حقهم ونقر بأفضالهم ولكن هيهات … هيهات .

**

وهكذا يغادرنا دوما من نحب ولا يبقي لنا سوي الذكريات بحلوها ومرها وكما قالوا فإن اليتم غربة علينا ان نعايشها ونعتادها أو نرتحل غوصا داخل أنفسنا ونصير أسراها .

بعد رحيل الوالد طيب الله ثراه واسكنه فسيح جناته تبدل الحال ,غامت الرؤية, ضاقت دائرتي ,أوصدت الأبواب أمامي وخبت أمالى ,لن تعود الأمور كما كانت من قبل فمن العبث إنتظار عودة من رحلوا,  لم يعد للبقاء معني ,ليس لدي ما أخسره , سأترك من خلفي ذكرياتي ,حنو شيخ الطريقة ,أنس الأخوان , ونفر قليل من الأهل لدي كلأ منهم ما يشغله ويستحوذ علي اهتمامه .

*** 

أصبحت وحيدا كمن بلغ قمة جبل في يوم شتوي بارد .

**

أصبح الرحيل هدفا وأمل .

 

 

سار نحو الميناء الذى لاح عن بعد كخلية نحل , سفائن عدة , مقبلة مدبرة . حركة دائبة الكل فى شغل , حمالين وبحارة , مغادرون ومقبلون , مودعون وبائعون ,صعود وهبوط , صخب وضجىج , مشاحنات ومساومات , نداءات تتردد فى الأنحاء , عبارات ترحيب ووداع تعلو هنا وهناك , بضائع وأحمال , أقفاص وصناديق ,صوارى ترتفع وأشرعة ترفرف , رياح لطيفة وأمواج هادئة تبث الطمئنينة فى الأنفس القلقة .

 

نحو الشرق ابحرت النجمة مخلفة ورائها الميناء وناسه يموج بعضهم في بعض , رحلة ممتدة مجهولة ,لا يعلم مداها ولا مبلغ نهايتها غيرمدبرالكون , راح صادق يتابع المشهد ويطالع الجزيرة وهي تتباعد شئ فشئ  , تتصاغر حتي غابت عن ناظريه وهو يفكر متاملا ” إن الحياة نفسها رحلة وكل واحد منا فى سفر دائم , له رحلته الخاصة من الميلاد للممات قد تطول أو تقصر تتخللها توقفات ,أطوار شتي ومراحل عدة , لا يعرف إبن آدم آيها يحمل سعده !وآيها يجلب شقائه !ولا يدري ! أين ولامتي ستكون وقفته الأخيرة , فلكل بداية حتما نهاية ومن له مبتدأ له منتهي ! .

بلغت النجمة( الهند) بعد عناء وأهوال ومصاعب جمة ,حطت رحالها وألقت مراسيها,أفرغت بعض حمولتها وودعت نفرا من راكبيها وأستقبلت آخرين ,منح الريس ملاحيها راحة للتسوق والأستجمام قبل معاودة الإبحار.

**** 

عند المساء إلتقيته إبدي ودا وترحابا وقربني من مجلسه ,بعدما انهي أمور الولاية مع وزرائه بدء يسامرني ويبادلني الحديث .

الوالي :مرحبا بك فى بلادنا ولكم يسعدني إستقبالك .

: أشكر لكم حسن الأستقبال لقد شرفتني بدعوتكم الكريمة.

  : أوتعرف يا صديقى ان بيننا خيوط مشتركة !

أبديت دهشتي : حقا !

  :لا تعجب فمبلغ علمي أنك حفيد أول من أسلم من حضرموت .

  : نعم …. هذا صحيح .

  : انا أيضا حفيد أول رجل أسلم من كيرلا الهندية قبل أن يتبعه قومه . 

  : يحق لك أن تفخر بذلك وتسعد , وكيف إعتنق جدكم الإسلإم ؟

  :إن لذلك قصة سأرويها لك إن أحببت .

رحبت ورحت أنصت في شغفا وإهتمام .

إعتدل فى جلسته قبل ان يأمر لنا بمشروب منعش وبدء حكايته .

  :كان جدي الملك (بلي باتا بيرومال )لا يدين بالهندوكية ولا يؤمن بسلطة كهنة البراهمة المتعاظمة ولا بنظامها الطبقى الذي يعلي من شان البعض دون غيرهم , وكان يخفي ذلك عمن حوله وبقي فى قرارة نفسه حيرانا تائها يتأمل في الملكوت ,يبحث عن نور يبدد ظلمات حياته ويهدى روحه الجزعة ينشد طريقا للخلاص ,حين خرج ذات ليلة من مقصورته  قلقا مشوش الذهن فشاهد عجبا ! إذ رآي القمرالمنير ينشق نصفين منفصلين فظن أنه يحلم أو أن خياله شط وحسب أن لهذا الأمرعلاقة بحيرته .

فى الصباح أحضر المنجمين  والعارفين وأستفسر منهم عما رآه ,فأخبروه أن حدث وقع في بلاد العرب يؤذن بظهور نبي يقود الناس من الظلمات للنور, تأكد جدى من صحة تفسيرهم من بعض تجار العرب المارين فى طريقهم (لسيلان )لزيارة (جبل آدم )وآثر قدمه فأنتظرعودتهم وأعرب عن رغبته في مرافقتهم لمكة وأعد عدته وخرج سرا بعدما رتب أموره وألتقي النبي محمد صلي الله عليه وسلم فأحسن استقباله وأكرم وفادته وتشرف بدخول الأسلام وبعضا من حاشيته وأعلن الشهادة وآهدي الرسول جرة من الزنجبيل وعاد لبلده التي دخل آهلها الأسلام تباعا

 

** 

في طريق العودة برقت الفكرة بخاطرى ,لم أستغربها ولا قاومتها , وماذا عساي أخسر, بعد فقدان أبي تساوت كل الأمور فى ناظري , لن اترك ورائي الكثير, بعض الذكريات وصديقي سليمان ونفر قليل من الأهل لديهم ما يشغلهم عني وربما لا أعن حتي على بالهم .

 

*** 

في ذاك المساء نزل بالمسافر خانة شابان عربيان لم يسبق لاحدهما أن إلتقي الآخر مطلقا وما تعارفا البته ,لكل مقصدا وغاية من رحلته تخالف الآخر ,لم يدر بخلد أحدهما أبدا أنه بعد حين ستربط بينهما آواصر صداقة ستمتد لقادم الزمن .

مع مطلع الشمس غادر المسافرخانة شابان عربيان كانا قد إلتقيا مصادفة فى بهو الخان ,سلك كلا منهما وجهة مغايرة بعدما ودعا بعضهما وقد تمني كلا منهما التوفيق والسداد لصاحبه فى قادم حياته .

***   

غاب لليوم التالي .

جلست في الخان متطلعا للخارج حيران قلقا .

أقبلت فى خفة ورشاقة ,دلفت للداخل ,مليحة الوجه ,دقيقة الملامح نورانية القسمات ,لا صوت لخطوها كأنها تسبح في الهواء ,عم حضورها المكان وزان حسنها جنباته ,إرتجف قلبي فأخترقت ضرباته النحاسية المتسارعة طبلة أذني.

لملمت شتات نفسي وجمعت خلاياي المبعثرة فى الآنحاء ,وقفت قبالتها مبهوتا متطلعا .

**

شرد بذهنه لحظات متفكرا .

” إيه ياجد …. أى ميراث تركت لي ,هل كنت تدرك مدي ثقله علي ,صعوبة حمله , من أين لي بإقدامك ! يقينك اللامحدود ! روحك الوثابة ! . من انا بجوارك ؟ إنك تقدم في بساطة بلا مهابة ,تبحر.. تخوض .. يصحبك العون الألهي أينما حللت ,رياح اليقين تدفعك للأمام دوما , ما توانيت ولا قصرت يوما , لا تراجع ولا إستسلام .. كالسهم تنطلق لا يعوقك عائق ولا يمنعك مانع .. لا تتوقف إلا وقد اصبت هدفك وحققت مرادك ,يتبعك الأخرون في ثقة مفرطة ويقين لا يتزعزع .

تعلموا من عزمك الذي لا يلين ,إستقوا من إرادتك الحديدية  وأستمدوا الأمل من روحك فأقدموا دون شك أو مهابة .فلله درك ياجد .

فقط مد لي يد العون ,ألحقني بركابك ,إمنحني بركتك وخذ بيدي لنهاية الطريق ..

رفقا بحفيدك يا جد …هون عليه …وارفع الحمل عن كاهله ..فك أسره ..وأطلق يده .

***

أقبلت سوهي في مرح تحمل بين يديها مشروبا , خليط من فواكه شتي ذات مذاق فريد , قفز قلبه كعصفورمرح . تزلزل جسده ,تبعثرت روحه في جنبات الدار لملمها صوتها الساحر وهي تخاطبه في تلقائية من يعرفه من سنوات :قل لي ياسيد هل حقا سار جدك علي الماء بفرسه ؟

باغته السؤال فألتفت نحوها مدهوشا .أومات نحو أخيها في شقاوة وأضافت : حكي لي كيم انه سمع ذلك بين التجار في السوق وإني لأعجب كيف يتأتي ذلك لبشر!!! أليس ذلك بغريب ! إني ليقتلني الفضول لمعرفة الأمر .

***

يحتل المعبد قمة تل أخضر معشوشب يقود إليه سلم حجري ناصع البياض ,بابه من خشب لامع مصقول بيد نحاسية براقة ونقوش ملائكية بارزة تعم  صفحته , تزين فنائه البيارق الملونة والزينات ,تضئ صحنه الشموع وتنشر أعواد البخورعبيرها في المكان لتعانق روائح صلوات قديمة عالقة بالجدران,للمكان جلال غريب مهيمن. أمامه ساحة فسيحة غناء تنتشر في جنباتها مقاعد حجرية وآخري من جذوع الأشجار,جداول مياه ,أشجارباسقة ,زهورمتفتحة وهواء عليل .يعم السلام المكان

وتسوده السكينة والمرح واللهو البرئ .

**   

إذا أردت ان تفعل فأفعل فالفعل فيه الخلاص .

ذكر من سار علي الماء.

هوذلك الصحابي الجليل (العلاء بن الحضرمي) إسمه العلاء بن الحضرمي عبد الله بن ضماد اليمني من حضرموت أسلم قديما وأبوه كان حليف حرب بن أمية من القلائل الذين كانوا يحسنون الكتابة في قريش قبل ظهورالإسلام وقد إستعان به المصطفي في كتابة الوحي احيانا .

وقد كان مع المسلمين رجلا راهب من أهل (هجر) فأسلم حينئذ فقيل له ما دعاك إلي  الإسلام  فقال ” خشيت إن لم أفعل أن يمسخني الله لما شاهدت من الآيات !!! وقد سمعت في الهواء قبل السحر دعاءا ” اللهم انت الرحمن الرحيم ؛ لا الله إلا أنت ؛ولا الله غيرك ؛ والبديع الذي ليس قبلك شئ ؛ والدائم غير الغافل ؛ والذي لا يموت ؛ وخالق ما يري وما لايري ؛وكل يوم أنت في شان ؛ ووسعت اللهم كل شيئا علما ”  فعلمت أن القوم لم يعانوا بالملائكة الا وهم علي أمر الله .فأسلم وحسن إسلامه .

مرة آخري جدي وسيرته العطرة , هو معي أينما رحت ,في حلي وترحالي ,يلازمني طيفه , يسبقني حضوره , أتواري جانبا ,أتقوقع في الظل لتبرز ذكراه الخالدة أمام الجميع ,تحتل الصدارة فتأسر القلوب وتسحر العقول .

*** 

لا أطيق ساعة العودة للدار.

وماذا أقول :”إن الوحدة موت “

فما بالكم بمن إجتمعت عليه مع اليتم والغربة !

أعود مكرها , متثاقلا .أجرجر قدماي , آوي مضطرا ,حزين القلب مكدود ,أعرف ما ينتظرني .

يمر يومي سلسا رشيقا, ينقضي النهار سريعا, عمل لا يتوقف , بيع وشراء, مساومات , إبرام صفقات , مقابلات ومداولات مع التجار .

أحمل هم ليلي .

**

ليله ثقيل الوقع , بطئ الخطو ,وحدته ماثلة وشقائه جاثم , دارثلجية الجدران , يتوقع آثاثها كأشباح الحكاوي , تحتل الوحشة جنباتها , يسكنها الملل ويعتريها صمتا صخري . ينتظر صباح بعيدا .. بعيد , لا يأتي أبدا , ليته يجيئ فيبدد سأمه ويزيح مرارة وحدته ينيرعتمة ليله ويداوي قلبه الكسير.

**

ينعس الكون  وتغفو الكائنات , ورقادى أمل عزيز المنال , يهبط ليلي بطئ ..بطئ , حزين القسمات فولاذي الحضور, يحتل الزوايا يعشش علي عتبات الدار, يفرد جناحاه السودوان ,يبسط سطوته , يهيمن , يريح أعضائه الشيطانية ويتمدد ساخرا ,يخرج لي لسانه الناري هازئا , يحاصرني مطوقا إلي ان يسحقني كما كل مرة .

هكذا يمضي عمره , ينفلت من بين يديه , تتعاقب أيامه كحبات المسبحة , تتبخرالسنون تاركة آثارها علي الجسد وقسمات المحيا , ومعها تتنامي وحدته ويتعاظم تفرده , دائرة جهنمية مفرغة , لا نهائية , تمتد بطول الكون ,

صدق من قال “إن اليتم غربة والمسافة عذاب “

 

***

” كل محب مشتاق ولو كان موصولا “

**

في مقلة العين مسكنك , وحنان القلب دثارك .فقري عينا,طيبي بالا وأهنئي يا حلم عمري الماضي و بسمة عمري القادم .

*** 

قبل مجيئك بثلاث أعوم تعرضت تجارتى لكساد حاد وعانيت بوارا ,واجهت مشكلة مالية كدت إعلن إفلاسي جرائها , وذات يوم تركت حانوتي الخاوية علي عروشها في حالة يرثى لها يغالبني الحزن والهم قاصدا داري أنشد بعض الراحة ومشاورة زوجتي فى المحنة والإتفاق على ترتيبات مواجهة القادم على أمل عبور المحنة , وإذ بالباب يطرق لآجد امامي شابا عربيا قادما من عمان ,رحبت بالضيف المجهول لأتبين بعدها أنه الأبن الأكبر لتاجر عماني كانت بيننا أعمال منذ فترة ,كنا قد عقدنا صفقة في السابق وبقي لي عنده بعضا من المال وعد برده عند عودته في رحلته القادمة , طال غياب الرجل وشغلتني أعمالي فنسيت أمر المال .

*** 

” هل كتب علي أن أموت هنا وحيدا أم ستنالني بركات الغريب في بلاد الله , إن الغريب أرخص إنسان في الوجود , آه …آه .. يجب أن أسعي لمغادرة ما أنا فيه من الوحدة والفقد … لو أن لي أنيس يلم شملي ويبدد وحدتي , ركن آوي إليه يضمد جراح الروح ويزيل آلم النفس “

**** 

توجه مادي لزيارة سوهي والتي لم يكن من العسير عليها أن تخمن  سبب قدومه , كانت تتوقع الأمرما بين لحظة وآخري , رحبت به الأم وتبادلا التحية في ود , عرض عليهم رغبة صادق , أبدت الأم موافقتها ورضاها فلن تجد خيرا منه زوجا لأبنتها لكن سوهي هي صاحبة القرار والأمر متروك لها وكان علي أسعد الموجدين وأكثرهم ترحيبا , لم تبد سوهي رفضا أو قبولا لكنها طلبت مهلة للتفكير.

لا احب البقاء في البقعة الرمادية ,منطقة الوسط المموهة , السائلة , بين بين , لا أبيض ولا أسود , فلا أنا قريب ولا بعيد غير قادر على التخلي ولا أملك الصبر لكن ما باليد حيلة .

***

نحو السوق توجه العم , وجهه بلون الحريق ,يضمر الشر, إلتقى بعضا من قومه الموتورين وثلة من الشباب الأهوج , آثار حفيظتهم وهيج مشاعرهم تجاه صادق وعشيرته ,مارس حديثه المعسول وحيله الشيطانية التى صادفت هوي عند بعضهم فتحمس الكثيرون وأسفروا عن وحههم القبيح قادهم يحملون أسلحتهم البيضاء وعصيهم وكل ما طالته أيديهم نحو تجمع العرب في مسيرة لا يعلم الا الله نتيجة مسعاها العدواني .

 

***

كان الأميررجلا عاقلا , يحبه أهل إمارته لعدالته ,غير أنهم كانوا يعبدون صنما ,وأتفق ذات يوم أن مرض إبن الأمير وساءت حاله يوما بعد آخر ,فدعا الأمير سدنة بيت الصنم وقال لهم إدعوالصنم أن يبرئ إبني فغابوا عنه ساعة ثم أتوه فقالوا قد دعوناه وأجابنا لما سألناه ,فلم يلبث الغلام أن مات , فوثب الأمير علي البيت فهدمه بصنمه وعلي السدنة فحبسهم وعذبهم .

***

مرت سبع سنوات منذ آخر مرة كنت هنا أتناول القهوة مع الريس مجاهد , مضت السنون مليئة بالأحداث , غادرنا مجاهد للعالم الآخر, تعرضت للسجن , صرت من كبارتجار السوق , إلتقيت سوهي وتزوجنا , تري ما الذي حدث لكل واحد ممن تصادف وجودهم هنا ذاك اليوم ,أين إتجه يومها وكيف سارت حياته! حقا إن لله في خلقه شئون ,في كل مكان من العالم الواسع يلتقى بشر بآخرين لايعرف أي منهم شئ عن مصير الآخرين , يمضون في دروب شتي وإتجاهات متباينة ,يسعي كلا منهم لما كتب له,فكل ميسر لما خلق له , وهل آحيا سبعا آخري ! وما عساه حادث لي خلالها وماذا تحمل في جعبتها من مفارقات! .

**

حين عاد لخيمته صعقه المشهد وألجمته الصدمة , سوهي طريحة علي الأرض تئن وتتوجع يحيط بها بعض النسوة يحوقلن ويبسملن وينطقن بالشهادة , تجمد من هول المشهد , تبعثرت خلاياه وتشظت روحه , غامت عيناه وأرتخت عضلات إرادته , حاول التماسك , طرد إرتباكه وأندفع نحوها محاولا إدراك الموقف.

******

“لماذا يرحل كل الذين نحبهم دوما ويتركون لنا الذكريات نكتوي بنارها  نبقي متشبثين بها لأقصي مدى مهما كانت مريرة أو أليمة !ويكون لزاما علينا أن نعيد ترتيب حياتنا بدونهم  !… ولما ينتهي كل أمر بوداع !

 

 صباح شتوي حزين .

غائم .

إجتاز عتبة المسجد شارد الذهن كهل الخطو ,إنحني ينتعل مركوبه ,ربتت علي كتفه في رفق يد واهنة معروقة , ما من داع للإلتفات ,سليمان بلا ريب , جاهد للوقوف , تواجها ,لم يتمالك نفسه ,سالت عبراته ,تعانقا دونما كلمة ,سارا يتساندان لنهاية الدرب يطالعان في صمت مقدس أفق المحيط الداكن الباكي .

admin

فتحى الحصرى كاتب صحفى عمل بالعديد من المجلات الفنية العربية . الشبكة .ألوان . نادين . وصاحب مجلة همسة وناشر صاحب دار همسة للنشر ورئيس مهرجان همسة للآداب والفنون
0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
زر الذهاب إلى الأعلى
0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x