ط
مسابقة الخاطرة

ملكتي و مليكتي أليسار : أحقاً بكيت ؟ مسابقة الخاطرة بقلم / حسين صقور من سوريا

الكاتب : حسين صقور
البلد: سوريا
هاتف : 0096341218704 — محمول ( 00963992937921 )
محمول :0993281307 -محمول :0992937921
رابط الصفحة – https://www.facebook.com/housensaqour.saqour

[email protected] ايميل
الخاطرة

ملكتي و مليكتي أليسار : أحقاً بكيت ؟
كانت العيون ترمقني حين كانت خطاي تتعقّب دقات قلبي المتسارعة على طول الممر المحاذي لبوابة البشارة التي كانت لا تزال تفتح لتٌخرِج من رحمها مولوداً جديداً كلّ حين ، وكنت لا أزال أتضرّع بدعائي وابتهالاتي راجياً الله (الخلقة النظيفة) ومضيفاً إليها الكثير من أحلامي بمولودٍ فائق الجمال والذكاء ، كان ذلك يومي الثاني وقد اقترب الموعد الذي طال انتظاره .

كانت الممرضة تخرج كل برهة لينفرج لسانها بكلمتين أو ثلاث (مبروك ولد أو عوضك الله بملاك ) وكانت للكلمتين ليلتها الحظوة الأكبر إذ كانتا الأكثر بهجة للآباء والأكثر كرماً لجيوب المراويل البيضاء، أما أنا فكنت لا أزال أراقب قلق الانتظار ، وأتأمّل تباشير الفرح التي تفيض بها عيون الممرضات ، وتنقلها أفواههم لتغمر الوجوه التي تنتظر أبوّتها بسعادةٍ عارمةٍ تداري نفسها .

كانت والدتكِ تتمخّض بك ، وكنتُ قد قضيت الليلة بأكملها إلى جواركما ، أتلمّس بخوف ونعومة حيث تتكوّرين ، نجلس ونتمشّى .. وأسندكما في المسير هكذا أشار الطبيب وكلماته (مذ حملت أمك بك ) كانت أوامر .. كنت آخذها للعيادة كلّ شهرٍ وكلما اشتقت إليك لأطمئن عليها وعليك .. ورغم كلّ الكتب التي اقتنيتها وقرأتها ورغم كل أسئلتي الغبية للدكتور .. لم يتوقّف ظمئي لشيء لم يتوصل إليه العلم بعد . قلق .. شوق وحبّ وأسئلة كثيرة . في نهاية الشهر السادس من الحمل صرتِ كياناً موجوداً ، وصرتُ أغنّي لك أحاكيكِ ، أعلّمك الحروف ، ويقفز قلبي فرحاً حين تنتفض قدمك أو قبضة يدك لتدفع بكفّي الملامسة بحنوٍّ على جدران مخبئك

عند الساعة الرابعة قبيل بزوغ الفجر اقترب الموعد ، و صرتِ على بعد أمتارٍ وساعة ، دخلت والدتك غرفة العمليات وصرتُ أنا المراقِب والمراقَب ..
مع خيوط الفجر الأولى وُلدتِ … فُتِح باب البشارة ، وتوجّهت الممرضة نحوي : ” قد عوّضك الله بملاكٍ و و ..”
وتسألينني : أحقاً بكيت ؟ .. ولا زلتِ تحوطينني بالسؤال ، ولازلتُ أكذب وأبحث عن مبرّرات .. لا ستارَ لجرائمنا الكبيرة والموروثة .. لا ستار لادعاءاتنا

كنت مُحطّم الآمال والرغبات .. كنت محطّم الأحلام .. كنت معاكساً للتيار ، وحين أنهكني التعب لم تتقلّص طموحاتي إلى حجم القناعة ، إنما تمنّيت ذكراً أورثه إياها ويورثني المناعة , يبدو أنني كنتُ نموذجاً أكثر شرقيةً من الشرقيين ، يبدو أن أحلامي كانت جزءاً من حطام أحلام الشرق وطموحاته ، ويبدو أن ادعاءاتي الحضارية سقطت .
ألهذا الحد كان مجتمعنا ذكوريّاً ؟ .. ألهذا الحد كان يعلّق أحلامه على الأجيال ؟
كنتِ تمسكين بعصاً سحريةٍ قدرية .. كنتِ تحملين اسمك .. كنت تعلمين أنك استثناء في جلسة صراحة سجّلت والدتك كل الأسماء ، وكل من أحببتُ من النساء ، وحين وُلدتِ استثنتهم جميعاً ، وكأنها رفضت ، وكأنك أنت رفضتِ أن أشرك بحبّي لك أحداً من الكائنات ، وبقي اسمك خياراً لم تقربه النساء . اخترتني ولم أختَر .. وربّ خيارٍ أجمل من أيّ خيار ..

وتسألينني : أحقاً بكيت ؟ ماذا أقول وقد أتيتِ بكل ذاك الحسن والبهاء ؟ ماذا أقول وقد كنتِ شعلةً من ذكاء ولدت بعينين مفتوحتين تبحثان وتستكشفان كنت عاشقةً للضوء … كنتِ أنت الضوء وكنتُ أنا خليطاً من فرحٍ ، من قلقٍ ، من حبٍّ ، من خوفٍ ، ومن بكاء كنتُ شاباً صغيراً ونحيلاً ، وكنتِ أنتِ منْ وهبني جمال الأبوّة والمسؤولية كنتِ أنتِ أنا على هيئة أنثى .. كنت أنت أنا قبل أن تقلّصني الآلام .. وقسوة الأيام كنت تشبهين كلّ الجمال الذي ضاع مني .. كنت تشبهين كل الكمال .. كنت أنت الكمال
عشت معك طفولتي المفقودة ، اصطحبتك في كل المشاوير التي تحبين أتراني كنت أكفّر عما بدر مني من بكاء ؟ كانت الأيام سريعةً تمضي .. وفي غفلةٍ من الأيام كبرتِ لم أستوعب هذا … ولكن ..
كان سؤالاً موجعاً ومفاجئاً وصرتِ دوماً تكرّريه : أحقاً بكيت ؟ كنت أتحاشاه وحين لم أجد مهرباً صرت أبحث عن جواب نعم … بكيت … حقاً بكيت ولازال ينزف في ذاكرتي البكاء لأن الجواهر الثمينة مسؤولية ، ولأننا لازلنا نرتكب الأخطاء لأن احتضان الملوك مسؤولية ، ولأنك ملكة الملوك والحكماء لأنك شمسٌ على مسرح الانتظار .. لأنك أليسار

نعم بكيت مع الكثر ممن شاهدوكِ ، وصفقوا لكِ في عرضك المسرحي المؤثر جداَ إيكو ، وكما سأبكي مع الآلاف والملايين الذين شهدوا وسيشهدون تألّقك في كلّ ما سوف تقدمين
أليسار … كوني إيكو على الماضي .. على التاريخ .. على العادات .. على كل قيمنا الفاسدة في الحياة ، كوني إيكو على الحاضر وعلى الفساد الباطن والظاهر دافعي عن الفقراء والمظلومين ، كوني صوتاً للحق ، كوني صوتاً لهم ، كوني صوتاً للكادحين
عيشي أحلام المستقبل .. احضنيه بين يديكِ .. بين ذراعيك .. آمني به ، وكوني إيكو له ، عيشي الحياة كما النجوم ملكة كما أليسار كما تستحقين
أليسار : أحقاً بكيت ..هل لازلت تسألين ؟
نعم بكيت كما سأفعل يوم تُزفّين إلى من يستحق .. إلى من يحسن قطف النجوم ، إلى من يدرك أن الشمس قدرها الضياء ، وأن الأرض قدرها العطاء ، وأن ملكة الملوك أنثى ليست ككل البنات والنساء ، حينها سأخفي أيضاً عنك البكاء ، وحينها سأرفع رايتي البيضاء

حسين صقور

admin

فتحى الحصرى كاتب صحفى عمل بالعديد من المجلات الفنية العربية . الشبكة .ألوان . نادين . وصاحب مجلة همسة وناشر صاحب دار همسة للنشر ورئيس مهرجان همسة للآداب والفنون

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى