منفى جراح
كلّ الأماكن في دمي
منفى جراحْ،
مذ أينعت في الصدر
أوراق الصباحْ،
جفت عيون الغيم
في وجه تورّم من صراخْ،
يعلو بقاياه نجيع
كالرماد المشتهى
تطوي حكاياه الرياحْ،
مات الهوى في مقلتيه والشفاهْ،
لم يبق غير ظلال صمت
لا تنامُ
وذكريات جافة تدمي الجراحْ.
يا موت مهلا،
كلّ أشيائي مبعثرة
تزجّ بها رياح الفقد
في لهب المماةْ،
يا موت مهلا
لم يكن لي غيره
تقتاد أسراري خطاهُ
كلّما ناديته ظمآى
تباغثني المياهْ،
يا موت مهلا
كلما تاهت على تعب السنين مراكبي
أوحى إلى أمواجها الحيرى
بأشرعة النجاةْ.
أطفأتَ عينيه،
تهاوت في المدى كلّ النجوم
مبعثرات مطفآتْ.
ترك الفصول بلا ربيع،
والحقول بلا صباحات،
تنام على رصيف من شتاتْ.
سرب الطيور هوى إلى غبش الدخانْ
حيث الورود بلا رحيق،
والسنابل مفرغاتْ،
تجثو على سيقانها
ملفوفة بالدمع في أرض بوارْ.
خلف الكثافات البعيدة،
يرفل القلب المكابر بالغيابْ،
والتيه يبتلع الحياةْ،
يلوي ذراعيها بشالات السرابْ.
آه أبي، قاس هو المنفى على وجعي
وسيف البعد مسلول يباغث أضلعي.
آه أبي، كلّ الدروب غدت بلا أثر هناكْ،
مقهى بلا نفس،
وطاولة القمار بئيسة تنوي الحدادْ.
آه أبي، ضاعت معالم بيتنا
من يا ترى يبني ركائز من غيابْ؟
لِمَ لمْ تناديني لئلا أخلف الميعادَ،
أشرب من كؤوسك آخر الأنخابِ؟
ما جدوى دروب أنت فيها
دون صوت أو هواءْ،
وما جدوى بيوت سقفها عدم،
وفي أرجائها لست الضياءْ؟
يا أيها الصوت العميق، المشتهى،
الممتدّ في الأركان
من روحي إلى كبدي
بلا أصداء تقتلني،
وتذبل في الفؤادْ.
أنا والتجاعيد انحناءات الزمانِ
لروحك البيضاءِ
من بدء الكلام
إلى حلولك/ خلودك/ انتهائك في الكيانْ.
اترك تعليق