اخلع حذاءك ، اخلع ملابسك بالكامل ، البس الافرول الازرق ، تمدد على السرير النقّال ، نظري يمتد الى سقف الممر ، يقلّب المصابيح متوهجة البياض ، الواحد تلو الآخر كأنّها صفحات كتاب مضيء, صوت دوران العجلات دردردردرررررر…. ، يدفع العربة شخص وجهه مقلوب ، وعيناه شاخصتان ، غير مكترث للجسد الممدد على النقّالة ، لأن مهمته دفع الاجساد الى صالة العمليات . رفع جسدي بمعاونة شخص آخر في الداخل ، من النقالة ووضعه على سرير ثابت ، ثمّ عاد بعربته مسرعا ، وحيد انت هنا ، ماذا سيفعلون بك ايها الجسد المسجّى , كم مرّة من المرّات خذلتني ؟
– انا لم اخذلك ، انت الذي ارتكبت المعاصي
– بل انت سقتني اليها
– من استمتع بها انا ام انت؟
– بل انت ، وما انا الا وسيلتك للاستمتاع
– اذن تلقّى مصيرك، وقد تموت
– انا لااموت ، بل انت الذي ستموت
وخزة في ساعدي ، وماهي الا دقائق ، حتى فقدت الاتصال بجسدي ، وانتقلت الى عالم آخر ، ارض بيضاء تغطيها الثلوج ، شديدة البرودة ، اكواخ من جلود الحيوانات ، يحتمي الناس بداخلها ، كلاب تجر عربات تنزلق فوق الثلج ، للتنقّل بحثا عن الطعام من البحر، الحيتان والاسماك ، او من البر الدببة والثعالب ، كنت اتجوّل بين الاكواخ مرتجفا، وما هي الا لحظات ، حتى هبّت عاصفة ثلجية ، تقصف جسدي العاري بالصقيع ، شعرت ان يدا امتدت اليّ وسحبتني الى داخل الكوخ ، كانت امرأة قاسية الملامح ، سمراء ، تنبت في وجهها شعيرات طويلة بيضاء ، خشنة الملمس ، البستني فرو دب كبير ، واخرجت لي من كورة الثلج ، كومة من اللحم النيء ، تمتمتْ لي ببعض الكلمات ، فهمت منها انها تدعوني لتناوله ، البرد الشديد والجوع ، دفعاني لتجرّعه عنوة ، كنت التهم والتهم دون وعي، حتّى امتلأت معدتي ، وشعرت بالغثيان ، ولمّا تقيأت ، كنت اسمع جلبة ، وضجيج ، وأرى اشباح تتحرّك ، ووجوه غير واضحة المعالم ، وبدأت الغشاوة تنزاح عن عيني ، رويدا رويدا ، العملية تمت بنجاح ، الحمد لله على سلامتك .
فتحى الحصرى كاتب صحفى عمل بالعديد من المجلات الفنية العربية . الشبكة .ألوان . نادين . وصاحب مجلة همسة وناشر صاحب دار همسة للنشر ورئيس مهرجان همسة للآداب والفنون