ط
مقالات نقدية

مهرجان نجع حمادي للسينما المستقلة خطوة جريئة بكل المقاييس

كتب / ياقوت الديب10368639_756971697687131_582135998_o 974341_756972047687096_1911725939_n 10350082_756972601020374_684620003_o

المتأمل لتاريخ السينما المصرية ، الذي تجاوز عمرها المائة عام ، تتملكه الدهشة ، ويعتصره الألم ، وتنتابه الحيرة والقلق ، لعدم وجود أي سبب مقنع أو إجابة شافية للسؤال الحائر: لماذا هذا العدد الضئيل من مهرجانات السينما عندنا؟ علي الرغم من أننا نملك ناصية تنظيم عشرات المهرجانات ، حيث تتوفر لدينا دعائم قيامها بشكل لا يقبل الجدل أو عدم اليقين أو التشكيك ، فلدينا الطاقات البشرية الهائلة والخبيرة ، من صناع السينما ونجومها … لدينا عشرات الأماكن المهيأة سياحيا وأثريا لتنفيذها … لدينا تراثا سينمائيا معتبرا نستند إليه ونتخذه دافعا ومشجعا … لدينا الإمكانيات المادية لو أحسن استغلالها … ليس من سبب علي الإطلاق يبعدنا عن الريادة والتميز في دول المنطقة عربيا ومتوسطيا ، وعن التفوق في كم مهرجانات السينما فيها ، فهل يعقل أن يكون لدي الشقيقة المملكة المغربية ما يربو علي الأربعين مهرجانا سينمائيا متنوعا ، ونحن لم نصل بعد العشرة منها؟ وهل يعقل أننا نعيش علي أربع مهرجانات منذ عشرات السنين؟ … مهرجان القاهرة ، مهرجان الأسكندرية ، مهرجان الإسماعيلية ، والمهرجان القومي ؟ ومنذ بضع سنين فقط أضيفت لخريطتنا السينمائية مهرجانات: الأقصر للسينما الأفريقية ، والأقصر للسينما الأوربية. وبمقياس حضاري فقط … نحن نملك ما يقرب من ثلث آثار العالم ، التي تستصرخنا الاستفادة منها واستغلها ، وتقف شاهدة علينا في ربوع مصر: جنوبها وشمالها … شرقها وغربها ، إذن لماذا هذه الصورة المؤلمة وخريطة المهرجانات السينمائية المزرية ، لدي مصر صاحبة الريادة في تاريخ السينما وصناعتها؟ والتي كان يطلق عليها يوما ما “هوليوود الشرق” .. قضية تحتاج البحث وجديرة بالدراسة ، لا يسع المقام هنا للوقوف أمامها.

وإيذاء هذا الوضع الغير لائق ولا المقبول ، يخرج علينا شباب سينمائي طموح ، عينه علي المستقبل ، لا تقف أمام طموحاته عقبات الروتين السخيف والبيروقراطية الممقوتة وعقد جماعة المتخلفين عن ركب عصر الفضاء والفيمتوثانية … فعندما يطلق مهرجانا في أقاصي صعيد مصر ، وبإمكانيات تكاد تكون صفرا ، وجب علينا أن نحيي هذه الخطوة الجريئة ، وأن نرفع القبعة للقائمين عليه ، وفي مقدمتهم المخرج السينمائي الشاب حمادة خليل ، الذي نحت في الصخر وتحمل ما ينؤ بحمله الجبال في سبيل تحقيق حلمه ، وحلم أهلنا في صعيد مصر ، في أن يكون ليدهم مهرجانا سينمائيا ، وليس عندهم أية مقومات لإقامته ، وبالفعل أصبح الحلم حقيقة وأقيم المهرجان تحت مسمي “مهرجان نجع حمادي للسينما المستقلة” في قصر ثقافة النجع علي مدي يومين فقط هما 27 و 28 مارس هذا العام ، وإمعانا في التحدي جاء المهرجان للسينما المستقلة ، التي لا تعتمد علي دعم الدولة بأي مقياس ، وللمزيد من الاستقلالية جاءت لجنة التحكيم “جمهور المشاهدين” بعيدا عن السينمائيين والنقاد المحترفين ، في تجربة جديدة تستحق الإشادة والتقدير ، وللحق أقول أن الجمهور كان نموذج في التحكيم والحكم علي الأفلام ، ونتائج المهرجان تؤكد صحة ما نقول.

وفي دورته الأولي تنوعت أفلام المهرجان بين: الروائية القصيرة ، التسجيلية ، التحريك ، الأفلام الصامتة ، وأعمال الفيديو آرت ، وكان عظيما أن تهدي هذه الدورة إلي روح الكاتب الروائي والفنان التشكيلي السوداني الشاب محمد حسين بهنس ، الذي غادر عالمنا منذ شهور وسط القاهرة ، بلا مقدمات أو ضجيج. أما اختيار الأفلام المشاركة في المهرجان فقد شارك فيها شباب من السينمائيين والإعلاميين والصحفيين ومنهم: ولاء سليم ، هشام عبد الحميد ، محمد الفولي ، طارق فكري ، وليد خضر ، وأسماء يونس. ويأتي علي رأس الجهات الداعمة للمهرجان “مبادرة دعم الثقافة في مصر مدد” ، إلي جانب جهات الدعم اللوجيستي وفي مقدمتها: هيئة قصور الثقافة برئاسة الشاعر سعد عبد الرحمن ، صندوق التنمية الثقافية ، وجهات أخري. وجدير بالذكر قيام إدارة المهرجان بتكريم عدد من صناع السينما ونجومها والمهتمين بشؤونها ومنهم: الفنانة رانيا محمود ياسين ، المخرج أمير رمسيس ، الفنانة هند عاكف ، الفنان التشكيلي الكبير جورج البهجوري ،  الشاعرة رنيقة المصري ، الفنانة عزة الحسيني ، السيناريست سيد فؤاد ، الفنانة هيام جباعي ، الفنان محمد أبو الفرح ، وكاتب هذه السطور ، وقد سلم شهادات التكريم الإعلامي المتميز وليد خضر ورئيس المهرجان المخرج حمادة خليل.

جاءت أفلام المهرجان في تنوع بديع يعكس جماليات السينما علي اختلاف أشكالها ، من خلال بانوراما سينمائية متميزة ، تحقق متعة المشاهدة للجمهور في صعيد مصر ، المتعطش للسينما عموما ولأفلامها غير الروائية الطويلة علي وجه الخصوص ، ومن جهة أخري التعرف علي سينما الشباب ، والوقوف علي تجاربهم وإبداعاتهم … وظني أن كل هذا تحقق لهم ولنا ، من خلال مجموعة من الأفلام المتميزة علي المستويين: الفكري ، والجمالي ، نذكر منها: “سوق الجمعة” إخراج محمد الميهي ، “ليل داخلي” إخراج أحمد العسال ، “تريب” إخراج سارة الطوخي ، “ورد القرافة” إخراج شادي خطاب ، “الحقيقة” إخراج طوني يوسف ، “المركب اللي تودي” إخراج أحمد صيام ، “ميدان الساعة” إخراج غادة علي ، “الباب الموارب” إخراج هشام عمارة ، فيلم الرسوم المتحركة “شكل تاني” إخراج نهي عماد … كل فيلم منها يستحق الوقوف أمامه طويلا ، فمنها ما تميز بجماليات سرد غير تقليدية (فيلم “ميدان الساعة” للمخرجة غادة علي) ومنها ما تفوق في السيناريو (فيلمي مشاعل يوسف: تريب و ليل داخلي) ، ومنها ما تميز في التصوير وتصميم الإضاءة (فيلم تريب للمصور كرم إبراهيم) ومنها ما تفوق في الإخراج (فيلم “سوق الجمعة” إخراج محمد الميهي) ، ومنا ما تفوق في الأداء التمثيلي (الفنانة أمل عبد الله في “سوق الجمعة” والفنانة برلنتي فؤاد في “أحلام ضائعة” والفنان شريف رواش في “الحقيقة” والفنان سامح عزت في “الباب الموارب” ) ، ومنها ما تميز في المونتاج (فيلم “الباب الموارب” مونتاج هشام عمارة) … وبشكل رسمي منح فيلم “ورد القرافة” إخراج شادي خطاب جائزة أحسن فيلم روائي قصير (تصويت الجمهور) ، وجائزة أحسن فيلم رسوم متحركة لفيلم “شكل تاني” إخراج نهي عماد ، ولا يفوتنا أن نوجه تحية خاصة للفنانة المتميزة صفاء الطوخي ، لأدائها في فيلم “ليل داخلي” وكل من مد يد العون لشباب السينما المصرية الواعد ، والذي يستحق عن جدارة التشجيع والدعم.

يبقي أن نشير إلي أن حفل ختام المهرجان ، أقيم مساء الثلاثاء 29 إبريل بمركز الإبداع بالأوبرا المصرية بالعاصمة ، وتم عرض أفلام المهرجان لجمهور القاهرة في اليوم التالي ، الأربعاء 30 إبريل ، بقاعة مركز الهناجر … تحية وتقدير للقائمين علي هذا المهرجان المتميز ، ولرئيسه المخرج الشاب حمادة خليل ، هذا المهرجان الذي يعتبر إضافة حقيقية ومتميزة لمهرجانات السينما في مصر ، علي أمل أن تمد الدولة دعمها المادي اللوجيستي لمثل هذه المهرجانات ،  التي يحاول صانعوها إقامتها في ربوع صعيد مصر وأقاليمها المتطلعة للمزيد منها … فهل تستجيب؟ يمكن

admin

فتحى الحصرى كاتب صحفى عمل بالعديد من المجلات الفنية العربية . الشبكة .ألوان . نادين . وصاحب مجلة همسة وناشر صاحب دار همسة للنشر ورئيس مهرجان همسة للآداب والفنون

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى