مهندس بيئتنا..
سلمى طفلة بعمر الزهور تبلغ من ربيع عمرها السنة السادسة.. نحيلة الجسم.. باسمة الثغر .. شعرها كسواد الليل ينسدل كظفيرة مزيناً كتفيها الصغيرين.. في عينيها فطنة وذكاء، وتحمل قلباً طفولياً مفعم بالحب والنقاء. تتسم ملامحها بالبراءة والصفاء . تبدأ طقوسها المدرسية مع إشراقة الشمس كفراشة زاهية الألوان تضفي على كل من حولها بهجةً وسروراً.
اعتادت سلمى في الفسحة أن تشارك زميلاتها وجبتها الصباحية واللعب معهم بشتى الألعاب ينشدون المرح والسرور. يتراكضون وراء بعضهم يلعبون ويمرحون.. يتصايحون ويضحكون .. كأنهم زقزقة بلابل تطرب القلوب..
وفي أحد الصباحات الممطرة جلسن يستمعن لصوت المطر المنهمر بغزارة وأخذن يتجاذبن أطراف الحديث عن مهن آباءهم؛ فقالت تغريد: أبي مهندس يهندس الطرق ويبني الأبراج وهتفت سلوى: أبي طبيب بعالج المرضى ويساعد الصغير والكبير، وقالت وفاء: أبي مذيع بنشر الأخبار ويغرس فينا حب الأوطان؛ فقالت سلمى: أبي عامل نظافة يكنس للشوارع بهمة ونشاط ويزيل الأشواك والقذورات، فتشرق لمعاناً وابتهاجاً.ولكن بعض من زميلاتها قطبن جبينهن باستعجاب وهتفن باستهزاء: عامل نظافة!! مهنة ليس لها قيمة كباقي المهن .. فاحمرت وجنتي سلمي وشعرت بخيبة أمل وخذلان .. وعادت الي بيتها على غير عادتها.. مشغولة الفكر.. مهمومة البال.. فسألتها والدتها: ما بكِ يا زهرتي .. فقصّت مترددة وبصوت ممزوج ببحة حزن وانكسار ماحدث معها .في باحة المدرسة. قالت له أمها: المهن كلها مهمة وإن كانت مختلفة؛ فالطبيب والنجار والمهندس وعامل للنظافة وغيرها من المهن كلها مكملة لبعضها للبعض كالميزان إن اختلت كفيه ..خربت الأوزان.. وهمست لها: ارفعي رأسك وافتخري بوالدكِ فقطرات عرقه وخشونة يده وانحناء ظهره تُعيننا عل مصاعب الحياة دون العوز إلى الناس…
وفي أحد الأيام امتلأ شارع المدرسة بالقاذورات وتكسدت أكياس النفايات على جانب الطرقات، وانتشرت الحشرات وانبعثت الروايح الكريهة، وانكتمت الصدور والأنوف، وتعالت أبواق السيارات..
تعثرت تغريد بكيس النفايات، ودخلت المدرسة ملوثة الثياب. وتأخرت سلوى عن فصلها لانسداد الطريق أمام سيارة والدها الطبيب .. فتجمعت الفتيات متسائلات عن هذا المصاب .. فعلمن بأن عم رشاد والد زميلتهن سلمى يرقد بمستشفي الشفاء .. عندئذ علمن أهمية عمله .. وأنه لا ينقص قيمة عن مهنأي والد منهن ..فقررن الذهاب لزيارته ومواساة زميلتهن سلمى وطلب الصفح منها، فكل المهن مهمة وإن اختلفت عن بعضها. ورفعن أيديهن عالياً لتحية عم رشاد، وهتفن بصوت واحد: سلمت لنا يا مهندس بيئتنا.
بقلم الكاتبة عائشة عبدالله
عزازي