ط
السيناريو والحوار

مونودراما (وقال الشاعر) مسابقة النص المسرحى بقلم / هاني قدري .مصر

مونودراما .وقال الشاعر
مسابقة النص المسرحى
بقلم/هانى قدرى

 

 

الشخصيات

الشاعر: شاب في بداية الأربيعنات من عمره، شعره طويل غير مصفف، وله لحية متوسطة الطول، يبدو عليه الأرق الشديد، والسواد يحاصر عيناه الجاحظتان.

 

 يُضاء المسرح تدريجيًا فتبدو غرفة مكتب متواضعة، يتوسطها في العمق مكتب خشبي قديم مُبعثر على سطحه مجموعة من الكتب والأوراق البيضاء، وخلف مكتبة مكتظة بالكتب القديمة.

على يمين المسرح باب مغلق وإلى جواره أريكة كبيرة تعلوها مجموعة من شهادات التقدير وصورتين أحدهما للشاعر مع طفليه والذين لم تتجاوز أعمارهم أصابع اليد الواحدة، وصورة أخرى للشاعر مع زوجته يوم عرسهما، وعلى يسار المسرح مرآة كبيرة مكسورة ويعلوها ساعة حائط كبيرة.

يجلس الشاعر على كرسيه خلف مكتبه، يمسك بالقلم ويرسم خطوطًا على أحد الأوراق التي أمامه على المكتب.

الشاعر: أنا هنا في غرفتي منذ أسبوع، منذ أن وصلني خطابًا رسميًا من وزارة التربية والتعليم يخبرونني فيه بفصلي عن العمل.

(يلقي القلم على مكتبه غاضبًا)

الشاعر: لم يشفع لي كوني شاعرًا .. محقق الشئون القانونية لم تعجبه إجابتي على أسئلتهِ أثناء التحقيقِ وخاصة حين أجبته عن سبب غيابي المتكرر من المدرسة بأني أسهر طوال الليل؛ كي أكتب أشعاري، هنا ابتسم المحقق ساخرًا وقال (يقلد صوت المحقق وهو يتحدث مُتهكمًا على رده): أتسهر لتكتب الشعر ولِمَ لا تكتبه بالنهار؟  لِمَ لا تستغل وقت الحصص الفارغة والفسحة في كتابة أشعارك؟

(يهب واقفًا)

الشاعر: جاهل هو كغيره بأمر الشعر والشعراء .. لا يعلم أن القصيدة هي التي تفرض على الشاعر وقت كتابتها.

(يضحك بقوة ويدور حول مكتبه)

الشاعر: عجيب أمر هؤلاء المحققين يعشقون الكذب، أتعلمون لقد طلب مني المحقق أن أكذب وأقول أن سبب غيابي عن العمل هو حدوث ظروف طارئة وقاسية جدًا خارج إرادتي .. لكني كنت مُصر على أن يكتب الحقيقة (يرفع رأسه في شموخ) لقد كنت طيلة الأسبوعين في معرض الكتاب أقول الشعر وأكتب الشعر وأشتري كتب الشعر.

 

(يتحرك ببطء ويصاحبه بقعة ضوء حمراء خافتة)

الشاعر: والآن أنا بلا عملٍ، عاطلٌ كما يقولون.

(يصل إلى منتصف المسرح، فيتوقف عن السير)

الشاعر: يجبُ أن أبحثَ عن عملٍ آخر، فالشعر ليس بإمكانه إطعام أطفالي، لن يجعلني أفي بمتطلبات البيت، فالشعر لن يوفر الدواء لأمي وأبي ولا أخي الذي ألزمه المرض البيت حتى هو صار بحاجة لعملي، أمي تندب حظها أناء الليل وأطراف النهار منذ أن تم إيقافي عن العمل تقول: أنجبت ولدين: الأول منعه المرض عن العمل والثاني منعه الشعر، اللعنة على هذا الزمن، زمن يتجاهل الشعراء، يضعهم في ذيل القائمة، رحم الله زمن عنترة والمتنبي كان الشعراء يتقدمون الصفوف.

 (يهز رأسه لأعلى وأسفل في أسى شديد)

الشاعر: كل من حولي يراهنون على فشلي، يقولون إني لا أريد العمل لأني لا أقوى عليه، يقولون الشعر أفسد عقلي، زوجتي تقول: أنت لا تصلح لعمل أي شيء في هذه الحياة، وأمي تصدق على كلامها (يبتسم) لأول مرة أمي وزوجتي يتفقان على شيء، للأسف يظنون أن الشاعر لا يستطيع أن يقدم شيئًا غير الشعر، لا يعلمون أن بإمكاني أن أقدم لهم الكثير والكثير.

(يتجه صوب المرآة ويدقق النظر إليها محاولًا رؤية نفسه بين زجاجها المكسور)

الشاعر: ماذا بإمكتني أن أفعل (ساخرًا) أظن تلك الملامح بحاجة إلى إعادة تدوير (يصمت هنيهة) إعادة تدوير، عمل لا بأس به، عمل يليق بشاعر مثلي لذا سَأَعْمَلُ على إعَادَةِ تَدْوِيرِ ذَاتِي.

(يمسك بأنفه الكبيرة)

الشاعر: إن أنفي تصلح أن تكون لكلب بولسي يساعد النقاد على معرفة ما يقصده الشعراء داخل قصائدهم المغلقة بالإضافة للسرقات الشعرية.

 (يشير إلى عينيه)

الشاعر: وقد أمنح إحدى عيني تلك لزوجتي؛ لتضعها على باب منزلنا كعينٍ سحرية؛ لترى مَنْ يطرق الباب فلا تفتح لمحصل المياه والكهرباء (يصمت هنيهة) وعيني الثانية سأعطيها أيضًا لزوجتي؛ لتراني بها مُكتملًا كما أرى نفسي في المرآة

(يتحسس شعره الطويل المنكوش)

الشاعر: وشعري هذا فقد أمنحه إلى تلميذي المريض بالسرطان الذي يخفي مرضه عن الجميع ويكاد تساقط شعره يشي على مرضه.

(يجذب أذنيه بقوة)

الشاعر: أما أذني تلك سأمنحها لأكبر حائط في بلدي ليس لشيءٍ إلا لأشكر ذلك العبقري صاحب مقولة “الحِيطان لها ودان” من منح شعراء مجازًا مجانيًا وحكمة توارثتها الأجيال.

(ينحني ويمسك بقدميه)

الشاعر: أما قدَمي سأمنحها لأبي الذي يصر على العمل رغم وصوله إلى سن المعاش، سأمنحها إليه ليذهب بها ويترك قدمه في البيت لتستريح.

 (يتأفف ويشوح بيده اليمنى ويسير عكس تجاه المرآة)

الشاعر: لا أظن مَنْ حولي سيتقبلون هذا العمل بسهولة، فبم سيجيب أطفالي حين يسألهم زملاؤهم ومعلموهم ماذا يعمل أبيكم؟ ماذا سيقولون؟! (مستهزئًا) أسيقولون أبي يعملُ على إعادة تدوير ذاته؟

(يتجه ناحية الصورة المعلقة على الحائط والتي تجمعه بطفليه، ويبتسم ابتسامة كبيرة)

الشاعر: إن صغاري هؤلاء هم انتصاري الوحيد فليس سواهما قادر على أن ينسف كل هزائمي  اليومية، وحدهم من يجعلوني أرى نفسي مُكتملًا في مرآتي، ولكن سرعان ما تباغتني الهزيمة حين يقتحما جيبي بعيونهم الصغيرة مُتطلعين لثمرة هزائمي اليومية والتي ما استصغروها يومًا، لحظتها يغلفون خجلي مني بفرط سعادتهم (يصلب طوله ويرفع رأسه متباهيًا) أشعر لحظتها بأَنَي أكبرُ ممن تَمَلَّكوننى طَوَالَ اليَوْم مِمَنْ دَاهَنتهم للحظات كَىْ أتمكن من تنشيف عرقي أو لالتقاط أنفاسي. (يضحك بصوتٍ عال) أحيانًا من فرط سعادتي ألقِى على أطفالي قَصيِدة عَجَزَ عَنْ فهمها المُثَقَّفُون  فيصفقان لي مبتسمين فأخجل من نظرات زوجتي التي تقطع المشهد، فمن حقها أن تشفق على هؤلاء الصغار من مثلي.

(تغادر الابتسامة وجهه ويهز رأسه لأعلى وأسفل في أسى)

الشاعر: زوجتي، دومًا تخرجني من عالمي الحالم إلى واقعها المرير، أتعلمون منذ أن تم إيقافي عن العمل وهي تلح علي أناء الليل وأطراف النهار أن أشترك في إحدى مسابقات الشعر، لا تمل من طلبها ولا من ردودي الثابتة (يتحدث بحدة وجدية شديدة)  “الشعر ماكتب لنتربح منه مالًا”

(يشوح بيديه دلالة على عدم قناعتها بما يقول)

الشاعر: ولكن يبدو أن إجابتي تلك ليست مقنعة بالنسبة لها، فهي تراني دومًا أبالغ في الأمر، وتقول: لو كان عنترة بيننا لما خاطر بروحه في بلاد النعمان من أجل النوق العصافير مهر عبلة فقط كان سيكتب أشعارًا كتلك التي تفوز في المسابقات.

(يأخذ نفسًا عميقًا)

الشاعر: أظن قد آن الأوان أن أغير قناعاتي بخصوص مقولة ” الشعر ما جعل لنتربح منه مالًا” فإن لم يقف الشعر بجواري ويؤازرني في محنتي تلك، فمن سيقف بجواري، وأنا لم أخلص لغيره في حياتي.

(يتحرك تجاه مكتبه ويجلس على كرسيه ويفتش في أوراقه)

الشاعر: سأرسل إحدى قصائدي لإحدى المسابقات.

 (يتوقف عن البحث)

الشاعر: لا، أشعاري لا تكتب من أجل المال، سأكتب لهم قصيدة تناسب مسابقتهم، قصيدة ربما أظفر منها بمال يكفي صغاري، ولكن كيف تكتب قصائد المسابقات تلك؟ هل يستجدي الشعراء فيها العطف من أعضاء لجنة التحكيم؟ (يصمت) سأقول لهم إني شاعر وأعاني، لا، لدي فكرة أفضل فلن أرفق صورة بطاقتي الشخصية كما يفعل غيري من الشعراء، سأكتفي بإرسال أخر إيصال أمانة يستحق السداد قبل إعلان نتيجة مسابقتهم بيومين.

يلقي بالأوراق التي على مكتبه كلها أرضًا ويبعثرها على خشبة المسرح ثم يتنفس بصعوبة شديدة جدًا ويمسك برأسه، ويتأرجح ثم يتجه ناحية الأريكة الموجودة في أحد أركان الغرفة، ويستلقي عليها ويغمض عيناه، فيسود الظلام على خشبة المسرح، ثم تعود الإضاءة فجأة لنجد الشاعر يقوم من نومه فزعًا، وأنفاسه تتصاعد بقوة، ويتلفت حوله، ويقول:

الشاعر: الحمد لله كان حلمًا بل كان كابوسًا.

(يقوم من مكانه ويتحرك في اتجاه الجمهور ويأخذ نفسًا عميقًا في محاولة منه لاستعادة توازنه النفسي)

الشاعر: لقد حلمت بأن غَدِي لا يسعني، أَخْبَرَنِي مسائي أن حمولة أحلامي فوق المسموح بها، لذا اضطررت أن أترك بعض أشيائي لغيري يعبرون بها أمامي.

(يتجه ناحية مكتبه ويلملم الأوراق الكثيرة المتناثرة على أرجاء المكتب، ثم يرفعها إلى أعلى)

الشاعر: فتلك مسودات قصائدي الجديدة أخذها مني ناقد ربما يستغلها يوم مناقشة ديواني؛ ليثبت للجميع أني صانع ماهر للقصائد وكوني موهوب هذا افتراء.

 (يفتح أحد أدراج المكتب ويخرج منها ورقة على يمينها صورة له وأسفل الصورة بصمة لإصبعه الكبير، نصف البصمة على الصورة ونصفها الأخر على الورقة، وعلى يسار الورقة صورة لزوجته، وأيضًا بصمة إصبعها نصفها على الورقة ونصفها على الصورة، يرفع الورقة لأعلى ويضعها أمام الجمهور)

الشاعر: وهذه قسيمة زواجي أخذتها محبوبتي القديمة استبدلت بصورة زوجتي صورتها الشخصية.

 (يضع قسيمة زواجه على المكتب، و يمسك بحقيبته، ويدخل يده داخل الحقيبة، ويحركها بقلق شديد وتوتر، وكأنه يبحث عن شيء ما، ثم يخرج كراسة كبير)

الشاعر: حتى كشكول تحضيري أخذه مدير مدرستي، أراه فرحًا بقراءة مسودات قصائدي ليثبت للجميع أني مستهتر.

 (يضع يده في جيبه ضاحكًا ويخرج هاتفه المحمول ساخرًا)

الشاعر: ساعي البريد أصر أن يأخذ رقم هاتفي المحمول أراه الآن يكتب رسائلي الشخصية وضعها في مظروف ليرسلها إلى أصحابها.

 (يمسك بمكنسة ويبدأ في كنس أرضية المسرح من كم الأوراق المبعثرة على أرضيته) 

الشاعر: أما عامل النظافة تجاهلني كعادته، فزبالتي ليس بها ما يفيد، وحده من يعلم أنه لا قيمة لكل ما حصل عليه الجميع، أراه الآن يجمع أشيائي التي سقطت منهم عن قصد.

 (يلملم الأوراق ويرصها على المكتب، ويممسك بقسيمة الزواج ويضعها هي ومسودات القصائد داخل الدرج ويغلقه ثم يضع المفتاح في جيبه، ثم يمسك كتاب الأعمال الكاملة لأمل دنقل ويدسه وسط الكتب ثم يخرجه ثانية وينظر إلى المكتبة بقوة محاولًا البحث عن مكان أكثر أمانًا يضعه داخله، فيخرج صف كتب كبير ويضع الكتاب تحته، وفي النهاية يمسك بالمكنسة ويضعها مكانها، ثم ينتبه على صوت موسيقى نشرة أخبار التاسعة، يعقبه صوت صخب في الخارج، فيقترب الشاعر من باب الغرفة، ويضع اذنه عليه، وينظر إلى الجمهور وهو يضع يده على فمه محذرًا إياهم من الكلام، وتبدو على وجهه علامات الدهشة)

الشاعر: إن نشرة أخبار التاسعة تعلن موتي شهيدًا، يقولون إن يد الغدر طالتني.

(يقاطع حديثه صوت صريخ أمه، فيهرول بسرعة ناحية الباب وينظر من العين السحرية، ثم يدير وجهه للجمهور)

الشاعر: أمي همت بارتداء السواد، قلبي ينخلع لصراخها، أبي قدمه لا تحمله، زوجتي تمسك ثيابي وتقبلها رغم أنها لم تقبلني منذ عام، أطفالي يبكون ليس لشيءٍ إلا لأن من حولهم يبكي، أخي يضرب الحائط برأسه كطفل صغير

 (يتحرك في المسرح ذهابًا وإيابًا ويبدو عليه التوتر)

الشاعر: كيف لم ينتبهوا إني ماغادرت حجرتي منذ أسبوع، يجب أن أخرج لإنهاء هذا الهراء.

(يتجه ناحية الباب بحماس شديد ليفتحه، ولكنه سرعان ما يتسمر مكانه ويقرب إذنه ثانية من الباب)

الشاعر: أتسمعون ما أسمع إن مذيع النشرة يقول إن رئيس الوزراء يعلن سفر إبي وأمي للحج على نفقة الدولة هذا العام، كما وعد بصرف معاشًا ثابتًا لأسرتي(يضحك بصوتٍ عال) حَتَّى مُدِير المدرسة الخاصة الَّذِي رفض عملى بها لسوءِ هيئتي يطلق اسمي على مدرسته مسبوقًا بلفقب شهيد (يقرب أذنه أكثر وأكثر من الباب) إن وزير الثقافة ينعيني، أسمعه الآن يترحم علي يقول إن ديواني كان بصدد الصدور وإنه لم يكن يعلم تأخره عن النشر طيلة العشرة أعوام، ليس هذا فحسب بل يقول مات الشعر بعدي.

(يتحرك إلى أن يصل إلى وسط المسرح، وتخفت الإضاءة تدريجيًا إلى أن يسود الظلام على المسرح إلا بقعة ضوء إضاءتها حمراء خافتة يتوسطها الشاعر)

الشاعر: يبدو أن للموت لذة يجهلها الأحياء.

(صوت مفتاح يغلق باب الغرفة من الخارج)

الشاعر: ماهذا الصوت؟ إنه صَوْتُ مِفْتَاح يُغلقُ بَابَ حُجْرَتِي، ترى من انتبه منهم لوجودي وفعلها.

النهاية

                                                                                                      تأليف / هاني قدري

01001572162

admin

فتحى الحصرى كاتب صحفى عمل بالعديد من المجلات الفنية العربية . الشبكة .ألوان . نادين . وصاحب مجلة همسة وناشر صاحب دار همسة للنشر ورئيس مهرجان همسة للآداب والفنون
زر الذهاب إلى الأعلى