خاص بمسابقة القصة القصيرة
الإسم : توفيق النكرو- المغرب
نافذة القمر
تحبــو الساعة فــي خشوع و ترنح نحــو المنتصف ..نحـو المجهــول .. موعـد ما يقرب.. الساعة تميل فــي خشوع نحــو المنتصف ..نحـو المجهــول دائما .. ينتابني إحساس غريب الليلة .. أمضــي خـارج البيت .. صوتُ الباب الحديدي يُكــسر صمت الليل لأعرف من أين ينبعث فأنا غارق وحيد في شروذي أستمتع بصحبة القمر و النجوم الساطعة لا يهمني أن أعرف حتى مصدره … شيئ عادي فأعرف مسبقا أنني في غابة .. أنتفُ واحدة من علبة السجائر وأضعُها بفمـي ثم أبزقها بقوة بعدما تذكرت أني أقلعت من التدخين ، فدُخـانها كسم يعانق النسيم في السماء يلوثه و يصبح هوائه مشحونا برائحة تشبه تلك التي بالمستنقع تزكم الأنوف و تسحق الرئتين … تقعُ عينــي على تلك النــافذة من جديد ، بستــار أزرق شفاف ووجــه أجهـل ملامحـهُ … ملائكي بثغر بسّام …
مــا كنتُ لألاحظ وجــود أنفاس تتربص بــي خلف النافذة لولا تـلك الورقـة الملفوفة تحت النافذة ، سقطت أمــامي تلك الليلة سقطة صريع .. ورقة صغيرة مخططة بقلم رصاص باهت … نظرتُ للأعلــى فاختفـى الوجه ..فتحتُ الورقـة لأجد فيهــا ” رفقا بقلبي ”
هجم علي السـؤال دفعـة واحدة كموجة أعالي البحار ، يحـرقُ أرض الفضول والسؤال الذي ينخر تفكيري من وراء الرسالة المبهمة ..؟
قرأتُ الورقـة .. نظـرتُ للنافذة .. أكملتُ نشوتي بالقمر و النجوم ومضيتْ ..أصبــح الموعد قــارا ، وكل ليلة بمجرد أن ينفجـر صوت البـاب حتى يتحرك الستـار الأزرق وتُبـرق العيـون خلفـهُ رغـم عتمـة الغـرفـة ..
عند الصباح أحاول عبثـا البحث عن ذاك الوجـه الذي يتربص بي ليلا فـي كل وجوه المــارة .. فلا أجـــده ..فذلك الوجه ليلي بامتياز كالنجوم يحرّم عليها النهار …
كعادتـي أختار ارتشـاف قهوتي بقرب النافذة .. ربمــا صباحــا أستطيعُ أن أحدد تضـاريسـهُ خلف النـافذة ، لكـن لا أنفاس تتحرك وكــأنه مجـردُ طيف يقتحمنـي سهــوا كل مســاء ويمضــي للســراب ..يحين موعد الورقة مرّة أخرى
“لماذا تنظر للنافذتي كثيرا فأنا لا أقربها نهارا فقط بالليل … لا أعرف لماذا فالليل أنيس العشاق … تصبح على قبلة ؟” رسـالة أخــرى من بين رسائل ملفوفـة هذه المرة على ملعقــة سقطت أمامي في ليلة أخــرى .. التقفتُهـا بابتسامـة ونظرتُ للنافذة .. ظلّـتْ العيـون مُـحنّطة في مكـانهـا كشيئ جامد .. لم تتحرك كالعـادة .. وكـأنها كانت تنتظــرُ جوابا بالنفــي منـي .. لم أحرك رأسي ودّعت الطيف ودخلــتْ ..
في اليوم الموالي حاربت رغبـة النظـر لتلك النـافذة … فهذا المساء .. لستُ في مزاج جيد يسمحُ لــي بمقارعـة تلك التهيآت و الأخد و الرد الرمزي .. ربمــا كان مجردُ شخص تافه يقتل الوقت يلـعبُ لعبـة الغُمــايضـة .. أمضــي صوب الباب .. صوت يلامس الأرض .. رسـالة أخــرى .. الليلة سأنهــي هذا العبثْ .. افتــحُ الرســالة .. ‘ لقد تأثرثُ كثيرا بما كتبته في الفايسبوك و لأنك كاتب متمرّس تعطي لكل كلمة سحرها أحببت أن أعترف لك بحبي و تقديري لك و للموهبتك فتحية عطرة مني إليك
الرســالة اليوم غير عاديــة لأنهــا تتحدثُ عن كتاباتي ، يعني أن هذا الوجــه موجود كذلك بصفحتي الفايسبوكية ويراقبُ خـربشاتي كما يراقبُ ارتشافي لقهوتي الليلية ..
عُدتُ للمنزل ، أخدتُ ورقـة وقلم وكتبتُ .. ” شكــرا لكلامك العذب و ذوقك الراقي و كلام آخر .. ” فاتبعتـه برقم هـاتفــي وضعتُ الورقـة بملعقة تماما كما يفعل الطيف ملأتها ببعض الحجــرْ لتثقل .. قفلتُ الباب ورائي بقـوة حتى يتم تحـرّيك الستار الأزرق .. ورميتُ بالملعقة هذه المرة في السطح …في الغذ رأيت أمام بيتهم ضجيج و ضوضاء لم أفهم شيئ …يقولون أن فتاة توفيت بسبب مرض العصر السرطان أو شيئ من هذا القبيل …وأنا أنظر للذلك المشهد المروع من نافذتنا ..نظرت للستار…فلم أرى سوى نافذة مُحكمة الإقفال…وصراخ و عويل و بكاء…فتحت هاتفي النقال فوجدت رسالة نصية مكتوبة ‘ هذه الليلة قررت أن أعترف لك بشيئ آخر غير حبي لك و للخربشاتك الفايسبوكية أنا من أطفال القمر….تصبح على خير “