ط
مسابقة القصة القصيرة

نور ..مسابقة القصة القصيرة بقل / سالى محمد من مصر

نور

———

كانت  نور تجلس بغرفتها كما تعودت تضع السماعات في أذنها تستمع لكتاب مسجل صوتياً
سمعت نداءاً بصوت تحبه فإبتسمت
تحسست طريقها للنافذة  وهي تبتسم وفتحتها وأوقفت الصوت من أذنها لتستمع في هذا التوقيت لهذا العصفور الذي طالما لم يخلف معها موعده ووعده معها .. يناديها كأنه على عهده معها منذ مدة
يقف على شباكها ويشدو لها في نفس الساعة تقريبا ومع نفس رائحة هواء الصباح البكر كأنه يحكي لها قصة لا يفهمها إلا هو وحده
ولكن يا ترى كيف يبدو شكل العصفور أصلا ً؟
ماشكله؟
ما ألوانه؟
لقد ولدت كفيفة لم تر النور مرة .. ورغم ذلك أسموها نور
سمعت من الخارج صوت أمها يحدث أختها الأصغر منها بعام واحد:
-(مها خدي أختك معاكي النهارده النادي تغير جو وتخرج … يا حبيبتي علطول محبوسه في أوضتها … نفسي أحس إنها بتستمتع ولو يوم من عمرها)

فردت مها:
-(حاضر بس إتعودنا إنها بتخرج معانا أنا وإنتي وبابا ….. المرة دي أنا خارجة مع صاحباتي …. ماعرفش بقى هتنبسط ولا لأ .. هي ما تعرفهمش  وأول مرة هشيل مسؤليتها لوحدي)
-(علشان كده عايزاها تخرج معاكي النهارده…. تحس إنها بنت زي كل البنات …. إنها مش أقل من أي بنت في سنها …. عايزاها تحس بجو البنات وخروجهم  وطباعهم)
قالت مها بعد تفكير:
-(عندك حق)

طالما كرهت نور تلك النبرة بالحسرة والشفقة من الناس
سمعت أصوات أقدام تقترب والباب يفتح
دخلت مها الغرفة وقالت:
-(صباح الخير يا نور …. يلا عندنا خروجة النهارده يا جميل للنادي)
-(مها بلاش …. هضايقك وأبوظ خروجتك مع صاحباتك …. مش هتستمتعي وأنا معاكي …. إستمتعي إنتي بوقتك النهارده)
فإقتربت منها أختها وقالت:
-(طيب تعالي النهارده وجربيني في الخروج يمكن تنبسطي …. لو ما عجبكيش خروجة أصحابي ما تكرريهاش يا ستي)
إبتسمت وهي تنظر تجاه الأرض
فقالت مها ضاحكة:
-(هغير هدوم النوم وأرجع أختارلك أجمل فستان ألبسهولك)
نزلت ممسكة يد أختها حتى فتحت لها باب السيارة
هي لاتعلم شكل السيارات ولا تستطيع تخيل هذا حتى
كل ما تعرفه هو أنها باب يفتح فتدخل منه لتجد مقعداً تجلس عليه ثم تشعر بهواء شديد يلامس وجهها كمؤشر أن هذا الشئ المسمى سيارة يطير بمقعدها من مكان لآخر بسرعة
كانت تتمنى لو تعرف شكل هذا الشئ وكيف يتحرك ولكن لا أحد يمتلك وقتاً وصبراً لوصف تلك التفاهات لها وهي أيضاً لم تعد تسأل لكي لا تثقل على أحد
وصلتا الى النادي
شمت رائحة زهور جميلة
شعرت بآشعة الشمس الدافئة
تخطو على أعشاب لينة تشعر بها تحت قدميها
سمعت صراخ أطفال بسعادة وصوت مياه
من الواضح أنها تمر بمكان به مسبح للترفيه
ولكن ماهو المسبح …؟؟؟ وكيف يسبح الإنسان اصلاً؟؟؟؟
كانت تسمع ضحكات الأطفال قهقهتهم وتبتسم حتى وصلتا لمنضدة تجلس عليها صديقات مها
أصوات كثيرة غريبة لا تعرف منهن أحداً
جلست بجانب أختها وهي تسمع همساً من إحدى الفتيات
-(هي نور عميه؟.. يا حرام أول مرة أشوفها … دي جميلة أوي(
ظلوا يتحدثون عن الألوان التي لاتعرف هي معناها وعن أسماء وقصص لبنات أخرى لا تعرفهم
-(واااااو …. بجد فظيع اللون ده عليكي ياهايدي)
-(ميرسي ياقمر .. إنتِ الجميلة)

 مالت نور علي مها
-(مين هايدي؟؟؟؟؟)
-(صاحبتي)
فسمعت صوتاً آخر يقول:
-(والبنطلون ده يجنن عالشيميز اللي إنتِ لابساه يا ناني .. جايباه منين؟ أنا دايخه على الموديل ده مش لاقياه)
-(لا ده براند من بره يا حُبي)
فمالت نور على أختها:
)- براند ده شكله إيه يا مها؟(
-(قصدها ماركة عالمية يا نور)
فعادت تحاول الإستماع للبنات لربما تستطع الإختلاط في حوارهم
-(شفتوا ميادة إتخطبت لمين؟)
-(مين مين؟)
-(للولد إللي شفناه معاها في الكلية … هي ما قالتش لحد ….. مخبيه الهانم … خايفه تتحسد …. بس أنا عرفت بقى  بطريقتي)
-(ههههه على إيه مش حلو أصلاً … أومال لو ماكنش تخين)
-(وإنتِ يا ماجي هاتسافري لندن والا خلاص كنسلتي)
-(تؤتؤ …. دادي عنده شغل وهروح تركيا معاه …. هحجز شاليه هناك بيشوف البسفور يجنن)
فقالت نور بصوت منخفض:
-(مها إيه البسفور ده؟؟؟)
سمعت تنهيده ملل من مها ولم ترد عليها هذة المرة فنظرت نور للأرض:
-(تيجوا ناخد كام واحدة سيلفي بقى للفيس وإنستجرام)
شعرت بحركه حولها وسمعت أصوات سحب الكراسي وأصواتهم يبتعدون وأختها معهم
لحظة هدوء … طالت لدقائق من الهدوء …. وهي وحيدة
من ماجي التي ستسافر لتركيا؟؟؟؟ وميادة التي لم تعلن خطبتها؟؟؟؟؟ وهايدي ذات اللون الجميل؟؟؟؟ وناني صاحبة البنطلون البراند من الخارج؟؟؟؟
كانت حزينة أكثر
شعرت حقا بعجزها
ربما مع والديها الأمر مختلف فهي مع أناس تعرفهم وتشعر بالألفة معهم
إنها تشعر كم هي مختلفة عن البنات الأخريات وأنها حقا ليست مثلهم وبينها وبينهم مسافة
إنها لا تستطيع الإندماج أبداً معهم .. لا تفهم الألوان ولا الموضة ولا حتى لغتهم فهي حتى لا تعرف ما هي “السلفي” التي يأخذونها الآن لزوم أشياء أخرى لم تفهمها أيضاً
تري هل هي نوع من المشروبات أو الماكولات!!!!!
قالت لنفسها:
-(لا لا لن أسأل مها ستغضب من أسئلتي…. لقد ملت مني)
سمعت صوتاً تعرفه جيدا
نفس العصفور صديقها
معقول
إنها الآن بعيدة عن المنزل
ربما كل العصافير لهم نفس الصوت
تكرر النداء
حاسة السمع لدى الكفيف أقوى بمراحل من المبصر
فقامت خلف الصوت
مها مشغولة في أخذ سلفي .. ربما هو شئ عليه زحام أو طابور إنتظار
مشت في الحديقة مادة ذراعيها أمامها وهي تتحسس خطاها بأقدامها وصوت العصفور يحركها .. يطير فوق رأسها يسبقها بخطوة منتظمة لا يبتعد أو يقترب مع حركتها
إنه يسوقها لمكان ما إذن … وهي تستجيب لمرشدها … صديقها الوحيد
إصتدمت بشئ ما على الأرض فسقطت فوقه
كان ما سقطت فوقه نور هو شخص يجلس مفترشاً للحشائش
فقالت بخجل:
-(آسفه .. آسفه ….. جداً)
فقال بصراخ وغضب:
-(إييييه ….. عميه إنتِ؟؟…. والا مش شايفاني يعني)
_(أيوه …… أنا آسفه ….. أنا فعلا عميه …. أنا آسفه (

تغيرت نبرته بعد لحظة صمت لنبرة آسفة خجولة:

-(أنا اللي آسف والله … ماقصدش أجرحك … إسمك إيه؟(

-(نور…..)
_(وأنا شادي)
مد يده ليساعدها على النهوض والإعتدال في الجلسة على الحشائش وقال لها:
_(نور إنتي هنا لوحدك؟(
-( لا معايا أختي وأصحابها بس راحوا يجيبوا حاجات .. وكنت لوحدي فقمت أتمشى …. وأنت(
_(لا أنا لوىحدي … دايما لوحدي)
-(إحساس مزعج إني أفضل دايما محتاجة لحد وما أقدرش أبقى لوحدي … لأني عميه ما أقدرش أشوف حاجة ولا أقدرش أتخيل حاجة ولا حتى أعرف شكلي …. دايما محتاجة حد معايا يحميني ويرشدني  ….. وأهو لما مشيت خطوات لوحدي كنت هأذيك ….. عايشة دايما في الظلام …. بخاف حتى أسأل علشان ما أضايقش حد بأسئلتي الكتير …. ما أعرفش الأبيض من الأسود ….. ما أعرفش النهار من الليل عايشة مسجونة في الظلام)
-(بالعكس إنتِ عايشة حرة …. مش مقيدة بحدود المشهد إللي هتفرضه عيونك على عقلك …… خيالك حر حرية مطلقة
مثلاً لو أنا قلتلك السماء زرقاء وجميلة إخترعي لون وسميه أزرق ولوني بيه السماء وإتخيليها
يمكن الأزرق الحقيقي ماكنش هيعجبك أصلاً و أزرقك أجمل وعلى ذوقك …. فاهماني
إنتي مش مقيدة بأي قيد .. عندك إحساس قوي ودي نعمة فقدها كتير من البشر وفي حاجات الأحسن ما تشوفيهاش وتفضلي تتخيليها صدقيني مش كل إللي هتشوفيه جميل أحيانا بيكون بشع جداً …. إستمتعي بخيالك وحريتك وظلامك)
-(اممممم فلسفة جميلة لإقناعي بالظلام .. حاسة إني هقولك لو لم أكن كفيفة لوددت أن أكون كفيفة (
ضحك ثم نام على ظهره على الحشائش ووضع ذراعيه تحت رأسه ونظر للسماء وقال:
-(لكل حاجة ما بنحبهاش فلسفة تانية تخلينا نحبها …. إيه رأيك نطبق فلسفتي عملي ونشوف النتيجه!(
-(إزاي؟)
-(هغمض عيني وأقولك مواصفات المكان إللي إحنا فيه وإنتِ إتخيلي بمنتهى الحرية وزودي على وصفي وأوصفيلي….
وإللي هتوصفيه إنتِ هتخيله وأنا مغمض…. لحد ما نوصل وإحنا مغمضين لصورة مشتركة وأقولك بصراحة أحلى من الواقع والا لأ)

قالت بفرحة:
-(إتفقنا طبعا …. بس لو سألت عن شكل حاجة مش هتزهق مني؟)
-(وعد … لأ … إسألي عن أي حاجة)
-(طيب يلا إبدأ)
غمض عيونه وأخذ نفساً وتنهد ثم قال:
-(شوفي يا ستي …. إحنا في آخر النادي تقريباً مكان هادي بعيد عن الناس والدوشة .. الأرض خضراء مفروشة بالحشائش …. مدي إيدك على الأرض هتحسي بطولها وشكلها)

كانت ماتزال تجلس أرضا فتحسست بيدها الأرض بجانبها وأكمل وهو مستمر بإغماض عينيه:
-(أشعة الشمس الدافئة تغمرنا بخيوط ذهبية عايم جواها نقط بتلمع زي بودرة الذهب نازلة من بين غصون الشجر الخضراء زي خيوط من نور إرفعي إيدك لفوق وحسي بالشمس ودفاها وجمالها)
فتح عيناً واحدة ونظر إليها فرآها تبتسم وتمد يدها لأعلى وتشعر بآشعة الشمس تغمرها فأغمض عينيه مرة أخرى وأكمل:
-(في مجموعة ورد قريبة مننا أوي …. خدي نفس عميق وحسي بريحتهم …. هااا)
-(الله ….. شميت ريحتهم فعلاً …. إنت هايل يا شادي (
فمد يده بجانبه وإقتطف وردة ووضعها داخل كفها فإبتسمت أكثر:
-(في فراشة طايرة فوق الورد حالاً)

-(شادي … بسمع كلمة فراشة كتير بس كل إللي أعرفه إنها موجودة عند الزهور …. ما أعرفش شكلها أو حتى دي طائر صغير والا مجرد حشرة وبخاف أسأل حد يقول عليا غبية أو يضحك عليا)
-(لا طبعا مش غبيه …… أنا عرفتها علشان شفتها فلازم حد يوصفها بالتفصيل علشان تتخيليها …. نور دي حشرة بس جميلة أوي ليها جناحين ملونين زي ورقتين الورد لما بتفردهم بتختفي كحشرة وبتبقى كإنها ورقتين ورد سابحين في الهوا فوق الورد بشكل جميل أوي)

قاطعته:
-(أجنحتها زهري في موڤ وأطرافها أحمر وأصفر كأنهم إترسمو بفرشاة فنان رقيقة بس الأزرق طاغي عليها .. أنا إتخيلتها كده حالاً)
-(برافو يا نور … أنا شفتها زي ما وصفتيها تمام هي في الحقيقة ما كنتش ملونة على فكرة كانت بيضاء)
-(شادي في صوت قوي … وصوت مية … إيه ده؟؟؟)
-(على فكرة … إحنا قريبين من النيل وفي لانش عدى حالاً فعلاً)

فقالت بعد إحتراف العبة:

-(يبقى نضيف للمشهد النيل الأزرق وأشعة الشمس على سطح الميه زي اللؤلؤ العايم بتنعكس وكأنها شموس صغيرة بتسبح)

-(إنتِ خلتيني أشوف فعلاً إللي إنتِ بتوصفيه …. وصدقيني بنوصل لصورة أحلى من الحقيقة بخيالك)

فقالت بفرحة طفل:
-(أنا أول مرة أقدر أتخيل بالشكل ده أنا فرحانة أوووي)
فكرت للحظة وأكملت:
-(ممكن أطلب طلب غريب بس عايزه أستغل إن في حد قادر يوصفلي حلو ومش زهقان مني .. ها ممكن أطلب؟)

-(هههههه طبعا أطلبي ده إحنا عشرة عشر دقائق أهو)
_(ههههههه أوصفلي شكلي …. أول مرة أطلب ده من حد)
-(مممم إنتِ خمرية شعرك ناعم طويل أسود وفي خصل هربانة منه بشكل جميل مع نسيم الهواء .. لابسة فستان أبيض طويل قطن … ورموشك كثيفة مدارية عيونك المغمضة .. متوسطة الطول وبشرتك زي الأطفال شفايفك مدوره …. إبتسامتك جميلة أوي بتظهر معاها نغزتين على خدودك …. خدودك دلوقتِ حمرا زي وردتين وواضح جداً إنك مكسوفة بس أنا مش بعاكس على فكرة أنا بوصف وإنتِ إللي جميلة بقى مش مشكلتي أنا)
فضحكت ونظرت للجهة الأخرى وهي تخفي وجهها بخجل عنه وقالت:
-(أنا مبسوطه أوي إني قابلتك شكرا ليك … أول مرة أحس إني إنسانة قادرة تشوف وتتخيل وحد حاسس بيا بيعاملني إني إنسانة طبيعية مش مثيرة للشفقة …. إدتني من وقتك ومن نظرك ومن خيالك .. ربنا يديم نعمة النظر عليك ياشادي وماتحسش بالعجز إللي بحس بيه أبداً)

سمعته يتنهد وهو يقول:
-(عجز …. ياااااه …. ثلاث حروف …. بس معناهم وحش وبيجرح أوي …. بكره العجز ….. بكره إن حد يسلب من حد الحياة والمبرر كلمة من 3 حروف …..”عجز”)
-(إنت إنسان عندك رحمة وجميل أوي)
-(جميل !!!!(
فجأه سمعت صراخ طفل بجانبهم برعب

 -(يا ماماااااااااااا)

قفزت لا إرادياً من الأرض بعد صرخة الطفل ووقفت وهي تبحث بيدها يميناً ويساراً بخوف في الفراغ
-(شادي في إيه؟؟ شادي إنت فين؟؟؟؟ إيه إللي حصل)

حتى أمسكته فتعلقت في ذراعه خوفاً كطفلة تتشبث بوالدها فهدأها ولكن بصوت متوتر مرعوب
-(مفيش … مفيش حاجة …. إهدي يا نور ….. طفل شاف حاجة ….. حاجة …. و …. ووخاف منها ….. إنتِ عارفة الأطفال بقى …. أنا …. أنا همشي من هنا بسرعة في ناس مقربين على صوت الطفل …. أنا آسف لازم أمشي مع السلامة … مع السلامة)

إستوقفته مستعطفة وهي تصرخ:
-(خدني معاك ماتسيبنيش أرجوك …. شادي … ياشادي)
وقف لحظة تفكير سريعة ثم جذبها من يدها وهو يركض فإبتسمت وجرت في يده .. قال ونفسه يتقطع من الركض:
-(طيب …. تعالي هوديكي مكان أهدى)
أمسكت في كفه وهي تركض معه وتسمع صوت ماء النيل يقترب أكثر  وبكاء الطفل وهو يتحدث بكلمات غير مفهومه يبتعد كانت تشعر لأول مرة بالحرية
بأنها تجد نفسها ….. تجد شادي
تشعر بالأمان المطلق ويدها في يد هذا الشاب الذي بالكاد تعرف إسمه .. وتتحدث إليه منذ أقل من ساعة
ولكنها تعرف روحه وكأنها عاشت معه من قبل عمراً في زمن ومكان آخران

من هذا الذي قابلته للمرة الأولى فأصبحت لا تريد أن تبعد عنه
…. تشعر أنها وجدته بعد ضياع سنين طويلة …. لا تشعر معه بغربة أو أنه شخص غريب …. بل تشعر بأنها تود أن تعاتبه كيف تركها طوال تلك السنوات بدونه
كان قلبها ينبض بالسعادة تريد أن تنصهر يدها داخل كفه الى الأبد…..
هذا الذي إحتواها في دقائق بمنتهى الحنان والرقة والإنسانية
شعرت معه بما لم تشعر به أبداً طوال عمرها
ربما هي بالنسبة إليه مجرد فتاة كفيفة يشعر تجاهها بالشفقة
ولكنها تعلقت به وشعرت معه بتلك الدقة الجميلة التي خرجت من قلبها لأول مرة بإسمه”شادي”
كان إحساسها بأشعة الشمس يختفي تدريجياً وتشعر بالبرودة  ولكنهما ما زالا في مكان مفتوح
فقالت بعد أن إستقرا على مقعد خشبي
-(إحنا فين يا شادي؟ لسه بدري على الليل …. بس حاسه إن مفيش شمس)
-(هااااه ….. إحنا في مكان عالنيل جوه النادي فيه كراسي خشب لونها بني بس مكسره ….. الأرض طوب مرصوص وشوية كراكيب ومراجيح مكسره مركونة في آخر النادي …. خليط من زرقة النيل وخضار الزرع والورد المتبعتر أدامي  عالشمال بس الشمس غابت فعلاً فجأة وسحاب كثيف معدي …. الجو إتغير فجأة)

قطع كلامه قائلاً بحدة وغضب:
-(نور …. إزاي جيتِ معايا للمكان المهجور ده …. مش يمكن أنا شخص مؤذي؟ ….. أءذيكِ أو أخطفك ….. مايمكن خرجت بيكِ من النادي!!!…. غلط …. إللي عملتيه غلط …. ماتبعديش مع شخص ما تعرفيهوش إنتِ بتعرضي نفسك للخطر)
إبتسمت وقالت بثقة وهي تحتضن كفه بين يديها:
-(إنت خايف عليا من نفسك …. شادي أنا عميه وما أملكش إلا الإحساس …. وإحساسي بيقولي إنك مش مؤذي أبداً ومش كذاب …. أنا عمري ما حسيت إني فعلاً عايشة ومبسوطة وإنسانة إلا الدقائق إللي فاتو معاك حتى لو هتئذيني….   ما بقاش يهمني …. ما أنا عيشت طول عمري بتئذي من الناس  أنا أصلاً حياتي كنت بكرهها …. أنا أعرفك من وقت بسيط بس حاسه بأمان وإحتواء معاك … حاسه إنك حد فعلاً عارفاه أوي وعايزه أبقى معاك وبس وده إللي عملته فعلاً)

نظر لعيونها المغمضة ومسح دمعة ترقرقت من عينه:
-(هتصدقيني لو قلتلك أنا كمان ….. أنا كمان أول مرة أحس …. أحس إني فعلاً بشر … مجرد من أي شرور أو حقد  … من أي  خوف من الناس أو كره ليهم ….. ياااااه بقالي كتير ما حستش بآدميتي وإني إنسان سعيد …. كنت متخيل الإحساس ده مش هحسه تاني … إنتِ فكرتيني فجأة إني أصلاً إنسان)

فقالت وهي تضم بين حاجبيها:
-(ليه كل الحزن ده في كلامك!!!!….)
كان صوته قد إختنق بالبكاء المكتوم وهو يقول:
-(مفيش ….. مفيش يا نور أنا همشي وهوصلك لأقرب مكان توصلي منه لأختك …. فرصة سعيدة أوي وإنسي إسمي وكل إللي حصل وأرجوكِ ما تجيبيش سيرتي لحد …)
صمتت وهي تشعر أن شيئاً ما قد حدث سيتسبب بخلع قلبها  ثم قالت ببكاء وهو يسحبها للعودة:
-(إتضايقت مني!!!! …… أنا آسفه …. أنا فعلاً بقيت كائن لزج مزعج للجميع .. قاعده معاك وبتكلم كتير وبروح معاك في أي مكان وأنا المفروض شخص غريب عنك بس فعلا ماحستش إني ثقيلة عليك إلا حالاً أنا آسفه)
فتوقف عن المشي وإستدار لها وقال وهو يمسح على شعرها بحنان قلما شعرت به:
-(يا خبر إنتِ تقيلة!!!…. ده إنتِ نسمة ربيع هبت فجأة في حياتي …. إنتِ دقائق من السعادة نورت آدميتي ….. نور في حاجات ما ينفعش أفهمهالك بس إنتِ ملاك ربنا باعتهولي في لحظة يأس … أنا كنت بفكر أنتحر لحد لحظة ماقبلتك ووقعتي عليا ….. ما أقدرش أشرح أكتر للأسف)

-(طيب خليني معاك علشان خاطري ….. مها وأصحابها بيحسسوني بعجزي وإني كفيفة وببقى حزينة وزهقانة معاهم ….. أرجوك لو مش مضايقاك فعلاً خليني معاك …. واضح إن مها نسيت أصلا إني كنت معاها ومش هتفتكر إلا لو ماما سألت عليا أو حبت هي ترجع البيت … أنا دايما عالهامش .. على هامش الجميع …. دايما أنا العميه المهملة .. كومبارس الحياة … معاك بقيت فجأة بطلة القصة …. معاك بشوف وبتخيل … معاك بحس وبيتحس بيا … معاك أنا إنسانة)
كانت قد بكت مع جملتها الأخيرة فلم يكن منه الا أن إحتضنها ووضعت رأسها على صدره فقال وهو يقبل شعرها:

_(وأنا لأول مرة معاكِ إنسان)
فجأة شعرت بقطرات مياه تغمرها بكثافة فقال شادي وهو يمسك يدها:
-(نور تعالي بسرعة الدنيا بتمطر أوي(

ركضا تحت المطر وهي تجرب هذا الإحساس بالمغامرة والإنطلاق والإكتمال مع شادي ومع ركضهم كانت خطواتهم تبعثر المياه من الأرض
كانت تشعر بفرحة في خطواتها كطفل يلهو لأول مرة في المطر
حتى أنها لم تشعر بالبرد …… ورغم سماعها صوت المياه تنزف من السماء .. ثم سمعت صوت باب يفتح ويغلق:
-(هههههههه كنت سيبتنا نلعب شوية .. المطر جميل يا شادي .. أول مرة أحس بيه كده لأني مابخرجش إلا نادراً وفي العربية)
فقال وهي تسمع صوت دواليب تفتح وتغلق:
-(بس دي سيول يا نور وخفت عليكِ تتعبي خصوصا فستانك قطن خفيف …… تعالي حطي الجاكت ده على كتفك علشان فستانك مبلول …… وهفتحلك دفايه حالاً علشان ما تتعبيش لحد ما تنشفي والمطر يقف)
أجلسها على أريكة وثيرة وهو يجفف لها شعرها بمنشفة فقالت:
-(هو إحنا فين؟؟؟)

فقال متردداً وكأنه إكتشف فجأة أن هناك مشكلة:
-(في كشك خشبي على النيل هنا في النادي … ما تخافيش إحنا جوه النادي لسه بس أنا آسف إني خدتك بدون تفكير أو إذن لبيتي بس والله كان هدفي علشان أحميكي من المطر مش أكتر أنا آسف أنا ما فكرتش وأنا بجري لهنا)

فكرت للحظات وقالت:
-(قولتلك حاسه معاك بأمان غريب إنت مستحيل هتئذيني …… بس …. هو إنت عايش في النادي!!!!؟ بيتك في النادي إزاي؟ مش فاهمه!!!!)
-(نور أنا تقريباً عايش هنا فعلاً …. بس أرجوكِ ده سر خطير ….. أنا ما أعرفش إزاي جبتك لهنا ….. ااااااه أنا عملت مصيبة بإني جيبتك هنا … مصيبة ليكي ولنفسي …. أرجوكِ ما تحكيش حاجة عن البيت ده لمخلوق …. أوعديني … أنا إيه إللي حصلي ما بقتش بفكر)
شعرت بدفئ يملأ المكان فعلمت أنه قد أشعل المدفأة .. قالت له:
-(طيب إحكي قصتك .. وسرك مش هيطلع صدقني)
فصمت فإستطردت هي عندما طال صمته:
-(أصل محدش بيعيش في النادي أو ليه بيت في النادي وكلامك بصراحة قلقني عليك مش منك)
فقال أخيراً وقد بدا على صوته التوتر:
-(نور أنا قصتي عجيبة ….. أنا مش إنسان جاهل …. أنا متعلم ومثقف مليش أصدقاء غير الكتب .. بشتغل عن طريق النت مترجم لأكثر من شركة عندي هنا كمبيوتر خاص فيه إنترنت …. تعالي معايا وشوفي كمية الكتب إللي عندي أضخم مكتبة في أصغر كشك في أغرب بيت …. لأسوء شخص)
أمسك بيدها وإقتربا من المكتبة داخل الكشك الصغير وتحسست بيدها الكتب
-(شادي أرجوك فهمني إنت بقيت غامض أوي فجأة)
فكر دقائق ثم قال بتوتر:
-(نور إنتِ عرفتي سر محدش يعرفه أبداً ….زي ما إنتِ وثقتي فيا لدرجة غير منطقية أنا كمان  هثق فيكِ وأقولك سري ….. تسمعي عن المنطقة المسكونة إللي في النادي إللي الكل بيخاف يقربلها؟؟؟)
فقالت بتردد وخوف:
-(أنا باجي قليل مع بابا وماما وطبعا بفضل قاعدة عالكرسي زي قطعة الديكور لحد ما بمشي بس سمعت من مها مره فعلاً إن النادي فيه منطقة بيطلع فيها عفريت ومحدش بيقرب منها لا العمال ولا الأعضاء وإن أكتر من حد شافه مرات وبيأكدوا وجوده …. تقريبا واحد ميت محروق هنا في النادي أو جني ساكن المنطقة دي ما أعرفش سمعت قصص كتير مختلفه عن العفريت(
فقال وهو يمسك يدها:
-(طيب هعرفك قصته بقى …… أهو أنا العفريت ده يا ستي …. وده بقى بيتي المتواضع …. وأهلا بيكي في المنطقة المسكونة)

*******************************************
_( عايزه أختي إتصرف حضرتك أنا خايفة عليها)
كانت مها منفعلة جداً وباكية في غرفة مدير النادي الذي أجابها بحده:
_(أنا بلغت على كل البوابات وأكدوا إنها ما خرجتش يعني جوه النادي لسه وأكيد هنلاقيها وبعدين الغلطة غلطتك إزاي تسيبي بنت كفيفة لوحدها)
_(أنا روحت أتصور مع أصحابي …. ولما بدأ المطر حبيت أرجعلها مالقيتهاش)

فقال مطمئنا وهو يرفع سماعة الهاتف أمامه ليبدأ محاولة أخرى لإيجادها:
_(إتطمني ..هنلاقيــــ……)

 قاطعه دخول سكرتيره متوتراً:
_(يافندم النادي مقلوب والناس عاملين قلق)

_(ليه خير!!!!!!!)

فقال بتوتر أشد:
_(العفريت …. العفريت ظهر لطفل صغير النهارده دخل للمنطقة المسكونة يلعب بكورته)

فقفز من مقعده وقال بتوتر:
_(فين الطفل ده .. شاف إيه بالضبط؟؟)
_(هو بره مع والده هدخله لحضرتك)
دخل طفل عيناه متورمتان من البكاء ومعه والده فقال الطفل:
_(شفت العفريت كان في الجنينه وخد بنت وجري)
فقال المدير بحدة:
_(خد بنت!!!…. يا إبني بطل كذب وقول الحقيقة العفريت عمره ما خطف حد من الأعضاء .. من زمان بيظهر ومابيخطفش حد ماتطلعش إشاعات تخوف الناس)
_(والله كان معاه بنت لابسه فستان أبيض وشدها من إيدها وجري ناحية النيل)
فقالت مها وهي تقفز من مكانها
– (أبيض!!! شعرها أسود طويل!!!!… كانت البنت دي صح؟)

وأخرجت صورة نور من هاتفها وناولت الطفل الهاتف فأجاب بفرحة وكأنه إنتصر:
_(هي دي …. هي البنت دي)
فنظرت مها للمدير بخوف:
فنظر لهم المدير مطمئنا وقال:
_(أختك هترجع ومفيش عفريت تاني أوعدكم … أستاذن هعمل مشوار ضروري وأرجع فوراً مش هتأخر)

وخرج مسرعاً من مكتبه

**************
في الكشك الخشبي سحبت نور يدها من يد شادي بعد جملته وإبتعدت خطوات فكادت تسقط فإقترب منها وأمسكها وهو يقول:
_(نور إنتِ خفتِ مني؟؟؟)
_(إنت مين يا شادي؟ إنت الإنسان الرقيق الجميل الحنون والا عفريت أنا مش فاهمه)
أمسك بيدها وجلس بجانبها وبدأ يحكي
-(أنا كنت ولد عادي عنده ١٥ سنه وحياته طبيعية لحد اليوم الملعون ….. حصلت حادثة كبيرة كنت مع أمي في العربية وإتقلبت بينا …… وماتت أمي ………. وأنا حالتي كانت صعبة
وسببت الحادثه تهتك في عظام الوجه وبعدها كمان حروق شديدة في جسمي ورأسي لأن العربية كانت مشتعلة … تم إستئصال أجزاء من الفك وعظام الجمجمة وأجزاء من الجلد بعد علاج الحروق إللي سابت تشوه في وشي كمان .. يعني التشوه بقى خارجي في الشعر والجلد وداخلي في عظام الوجه)
فمدت نور يدها تجاه وجهه وهو يتحدث فأبعد وجهه وأمسك يدها قبل أن تلمسه ليمنعها وقال لها:
_(نور بلاش تلمسيني …. أنا بلا جفون طبيعية …. بلا شعر …. نور أنا مشوه لدرجة كبيرة …. بلا عظام طبيعية .. بلاش تتخيلي شكلي أرجوكِ)

كان يتكلم وصوته يتقطع بالبكاء فقالت له:
-(شادي وإيه قصة العفريت و بيتك إللي في النادي)
-(إكتشفت إني مرعب لكل الناس حتى لوالدي … محدش كان بيقدر يشوفني الناس كلها بتشمئز من تشوهي
جدي وجدتي وعماتي وخالاتي …. بقيت كائن مخيف محدش بيشوفني غير لازم يصرخ برعب
والدي حب يتزوج
وكان لازم يخفي وجودي لأن أكتر من عروسة هربت منه لما شافتني علشان ماتتكررش رؤيتها ليا
ففكر يجيبني النادي هنا ويخبيني بعيد عن الناس في كشك قديم كان بيستخدم للتخزين وأنا حولته بيت وفيه مكتبة وقررت أذاكر وأمتحن بلجان خاصة
حبسني سنه تقريبا وأشاع بين العائلة إني هربت وهو مش لاقيني وتزوج وعنده حاليا ٣ أبناء هما دول أولاده أودام الناس
وبكده خلص مني للأبد وعرفت عن طريق النت إنه من كام سنة إستخرج لي شهادة وفاة كمان وورث فلوس أمي عني
كان بيفتح الكشك في السر يحطلي أكل وميه زي الحيوانات مش أكتر
عارفه إحساس إني إتحولت لحيوان أو وحش …. من طفل ذكي إجتماعي ناجح ….. إحساس أصعب من الموت نفسه)
مدت نور يدها مرة أخرى تحاول لمس وجهه فمنعها بيده وهي تقول:
-(وبعدين حصل إيه؟؟؟)
-(خرجت مرة بعد سنة كسرت الباب .. كنت هموت من الحبس وخرجت شميت نسيم الهواء بعيد عن الحوائط الخشب الضيقة والرطوبة وشافتني سيدة  فضلت تصرخ وتقول عفريت وجريت إستخبيت تاني في الكوخ
قصة العفريت عجبت والدي علشان محدش يكتشف وجودي وبدأ يأكد الفكرة بوجود منطقة مسكونة وعفريت وينشر قصص بين الأعضاء علشان محدش يشوفني ويعرفني وإتحبست سنة كمان لحد ما نجحت في إني أخرج مرة تانية .. شافني طفل صرخ والإشاعة إتاكدت بأن في عفريت بيظهر كل فترة  ومبقاش حد بيقرب من المنطقة بالتالي فرصة إكتشافي إنعدمت وهو بقى في أمان أكبر
وعلى الحال ده بقالي عشر سنين وأنا وحش محبوس …. مسخ …. الناس بيقولوا عليا العفريت ….. بقى عمري ٢٥ سنة وبتمني الموت في كل لحظة لأني فعلاً ليا شهادة وفاة فاضلي قبر يرضى يحتويني
إمتحنت وذاكرت وأخدت بكالوريوس وإشتغلت عن طريق النت مترجم ووالدي بيقبض الفلوس عن شغلي …. لحد النهارده الصبح قدرت أهرب بعد سنتين من الحبس هنا
قررت أعيش آخر يوم من عمري وأنتحر لأني كنت تعبت من حياتي كعفريت أو حيوان محبوس مخيف
يا نور أنا بقرأ كتب وأكلم الناس عن طريق النت بدون وجه .. عشر سنين عايش بدون واقع أو حياة)
فأكملت هي:
-(وقابلتني ومخفتش منك لأني شفت روحك مش وشك ….. شفت جمالك …. شفت إنسانيتك وطيبتك ولمست قلبك …. تخيلتك ملاك)
فقال باكيا:
-(نور أنا مصدر رعب لكل الناس … الا إنتِ …. من عشر سنين إنتِ أول إنسان يكلمني ويحسسني إني بني آدم)
فأمسكت بيده ورفعت أنامله لفمها لتقبلها وتقول:
-(أنا حاسه إني بشوف أكتر من كل الناس دلوقتي ….. يااااااه أول مرة أحب العما …… العما ساعدني أشوفك … كانت عيني هتخفي جمالك وكان يمكن أخاف من ملاك زيك …. أنا بحبك)
فقال متوتراً:
-(إيه إللي بتقوليه ده!!!(

-(شادي إللي بينا مش ساعه أو مقابلة صدفة … إللي بينا قدر جمعنا …. إللي بينا خلاني أحس إني إتخلقت عميه عشانك ….. إنت قدري وأنا قدرك)

مدت يدها تجاه وجهه للمرة الثالثة فقال لها ممسكاً يدها:
-(نور أرجوكِ ماتلمسيش وشي ماتتخيليش شكلي أرجوكي
خليني مجرد خيال جميل (

فقالت له:
-)هووشششششش …. إنت مش خيال إنت حقيقة …. لمس وشك مش هيغير عندي إنك أجمل إنسان قابلته .. سيبني ألمسك مش هخاف وهتفضل شادي أجمل إنسان عرفته وشفته بقلبي)
ترك يدها ويده ترتعش خوفا من أن يشعر بخوفها منه إن لمست وجهه .. نظر إليها ونزلت الدموع من عينيه وهو يتابع ردة فعل وجهها  وهي تتلمس وجهه المكرمش الخالي من العظام والشعر في بعض المناطق من رأسه بأناملها الصغيرة فمسحت دموعه بيدها:
قبل يدها وهي تنزل على فمه وهي مازالت مبتسمة قال لها:
_(يااااااه يا نور بحبك … أول مرة أحس إني إنسان …. أول مرة أحس إني مش حيوان ولا عفريت بجد بحبك …. أنا طاير من الفرحة بأنك مش خايفه مني)
فأسندت رأسها على صدره
فمسح على شعرها وهو يبكي وهي تقول:
_(أنا إللي حاسه بفرحة لأني لاقيتك …. أنا لمستك وإتخيلت ملامحك كويس من كلامك ولمسي ليك ما غيرش إحساسي بيك …. أنا مش متخيلاك دلوقتي بشكل وهمي أنا عارفه حقيقة ملامحك
إللي بينا مش منطقي ومش طبيعي إللي بينا حب بدأ من بداية الكون بس لقيته النهارده …. لقيت نفسي بيك)

فقال لها محذرا:
-(هتتكسفي مني ….. هتقدميني للناس إزاي)
-(هههههه أنا عميه … والناس دول أنا مش شايفاهم أصلاً شايفاك إنت وبس … هنخرج وهنفتخر ببعض …. كفاية إنت في عيني إزاي … هتخرج من هنا وهنعيش .. مش من حق حد حتى لو كان والدك يسلبك حياتك وممكن تصنع قناع للخروج بين الناس علشان ماتسببش ذعر أو موقف يضايقك و شغلك من الترجمة وبالكميات دي يجيب دخل مادي كبير ممكن تعمل بيه عمليات تجميل كمان لنفسك وهتخرج وتعيش شبابك وحياتك .. إثبت إنك حي وإلغي شهادة الوفاة دي)

قاطعها صوت فتح الباب وصوت رجل دخل يقول بصراخ:
-(ماشاء الله ….. خرجت وخوفت طفل وعرضتني إني أتكشف وخطفت بنت وواخدها في حضنك كمان وحكيتلها قصتنا …. بتحب حضرتك!!!! إيه مابتبصش في مراية)
فقام مفزوعاً:
-(بابا …. أنا ما خطفتش حد وما خوفتش حد …… أنا هعيش مش هتحبس من النهارده وهحب .. أيوه أنا بحب نور)

-(وأنا كمدير للنادي هخرج البنت دي إزاي للناس وتحكي قصتك للناس وإني بنيت سكن جوه النادي لإبني وإني سنين مخوف الناس من عفريت هو أصلاً إبني …. ويمكن أتسجن بالتزوير لأني طلعتلك شهادة وفاة كمان وورثت ميراثك من أمك من سنة … البنت دي لازم تموت هنا علشان سرنا ما يطلعش وآخر مرة تفكر تخرج من الكشك والا هقتلك إنت المرة الجاية)
فقال شادي بصراخ وهو يقترب منها وهي تتمسك بظهره
-(بابا البنت دي بحبها وبتحبني ….. مفيش قوة هتلمسها بأذى وهنكمل حياتنا سوا .. وأنا إللي هحميها)

فرد بصراخ:
-(وأنا مش ههد حياتي علشان طيش واحد مشوه مجنون وواحدة عميه)

فرد بحده وهو يخبئها خلف ظهره وهي ترتعش خوفا:
-(البنت العميه دي شافتني …. الوحيدة إللي شافتني بجد وحسيت منها إللي ما حستهوش منك ولا من كل البشر ….. مش هتئذيها يا بابا  مش هسمحلك)

فقال مهدداً:
-(لو ما بعدتش عنها هقتلكوا إنتوا الإتنين)
مشي شادي وهو يمسك بنور وأزاح والده من على الباب وهو يقول:
-(هخرج يا بابا .. هخرج للدنيا … هخرج وهعيش مع نور …. مش هتحبس وتستغلني تاني … مش هبقى عفريت …. وهطالب بحقي في ميراث أمي وهثبت إني عايش .. هعيش حر مش هتحبس ….. أنا من النهارده إنسان حر …. ومش من حقك تسلبني حياتي(

كان يتكلم وهو يخرج من الباب بالفعل يمشي في الحديقة مع ظلام الليل الذي حل وبرد الشتاء ممسكا يد نور وصرخ بأعلى صوته:

_(يانااااس ….. تعالوا …… أنا العفريت …. أنا حي … تعالوا كلكوا شوفوا عفريت النادي …… أنا أهو أدامكوا …. أنا إنسان)

 كانت نور ممسك بيده وسمعت صوت إصطدام معدني خلفها يأتي من الكشك وتلاه صوت فرقعة قوية وصرخة من شادي فصرخت هي الأخرى فالصوت هو صوت رصاصة إستقرت بجسد شادي وعاد الصوت المعدني للرنين إستعداداً لقذف الرصاصة الثانية فشعرت بشادي يحيطها بجسده في جزء من الثانية ويحتضنها بقوة رغم أنينه ليتلقى الرصاصة الثانية والتي كانت من نصيبها في جسده أيضاً
شعرت بسائل دافئ لزج يكسو يديها وفستانها وشادي يسقط بين ذراعيها وتتراخى ساقه تحته فنزلت وهي تحيطه بذراعيها معه أرضاً ومع أصوات الناس تقترب منهم وصوت مها الذي ميزته جيداً وهي تنادي عليها
جلست نور على ركبتيها بجانب شادي وهي تصرخ وتبكي
-(شادي ما تسيبنيش أرجوك … شادي ما تسيبنيش …..محتاجالك … أنا ما صدقت لقيتك …. وحياتي عندك ما تسيبنيش …. ما تسيبنيش)

فقال وهو يجاهد لإخراج كلماته:
-(إنتِ حررتيني …. نور إنتِ فعلاً حررتيني بعد سنين  عذاب … كفاية إني هموت بعد ما قابلتك وعرفتك … كفاية إني هموت في حضنك …. كنت الصبح بتمنى الموت بس ما تخيلتش إني هموت النهارده وأنا سعيد كده وسامع دقات قلبك إللي كلها حنان وحب وشايف دموعك علشاني أنا ….. أنا بحبك اوي)

ظلت نور تصرخ وهي تبكي ولم تعد تشعر بدقات قلبه:
-(شادي خليك معايا … أرجوك … أرجوك)
كان الناس قد تجمعوا حول الكشك ومنعوا المدير من الهرب
ومازالت نور على الأرض بفستانها الأبيض الملطخ بالدماء تستعطف شادي ألا يتركها وحيدة مرة أخرى بهذا العالم القاسي المخيف ولكنه لم يجب …. للأبد
ورغم الليل والظلام
سمعت صوت أنين عصفور تعرفه جيدا …..

admin

فتحى الحصرى كاتب صحفى عمل بالعديد من المجلات الفنية العربية . الشبكة .ألوان . نادين . وصاحب مجلة همسة وناشر صاحب دار همسة للنشر ورئيس مهرجان همسة للآداب والفنون

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى