هنا غزة قصص قصيرة جداً..
بقلم : محمود أحمد على .. عضو نقابة اتحاد كتاب مصر
.(1) الحفار الوحيد..
الحفار الوحيد داخل مدينة (غزة) رغم موت سائقه الوحيد، ورغم أن جوفه لم يعد بداخله نقطة بنزين واحدة، ورغم عجلات (الكاوتش)
لم تعد تصلح للسير؛ إلا أنه لم يزل يعمل ليل نهار فى رفع الأنقاض عن الأحياء والمصابين والضحايا.
(2) زغاريد لن تتوقف لأم فلسطينية..
أمس..
فور أن أنجبتني أمي حملتني بين ذراعيها، ولم تزل تزغرد دون توقف.
اليوم..
تحملني أمي فوق كتفها، وهى تتقدم صفوف مشيعي، ولم تزل تزغرد دون توقف.
(3)
مفارقة..
رن هاتفه المحمول.
بصوت يملؤه السرور أخبرته زوجته أنها أنجبت ولدًا جميلاً يشبهه إلى حد كبير.
فرحته جعلته يترك عمله دون استئذان.
فى طريقة إلى المستشفى ظل يفكر فى حيرة شديدة:
– عندما أصل إلى المستشفي هل أقبل زوجتي أولاً..؟! أم أقبل طفلي الأول الذى انتظرت قدومه لسنوات طويلة..؟!
لم يزل يفكر ويفكر دون أن يصل إلى حل.
فجأة توقف.
توقف دون إرادته.
لم يزل ينظر فى حزن وألم إلى ( مستشفي فلسطين) الذى دُك بصواريخ الصهاينة.
(4) قصيدة..
فور أن انتهت من إلقاء قصيدتها.
جلست بجوار الناقد الشهير.
مبتسمة راحت تقول :
– أأعجبتك قصيدتي عن غزة..؟!!
فى لهفة وشوق راح يقول :
– نعم لقد أعجبتني جدًا .. جدًا لم أر أجمل منها، بل وكنتُ أتمنى منكِ أن تردديها حتى ينتهي وقت الندوة.
قالها الناقد الشهير وهو يبتلع ريقه، وعيناه لم تزل تصور ملابسها الضيقة القصيرة .
(5) سنابلهم..
فى الصباح..
قذفت طائرات العدو جميع الأراضي المزروعة بالقمح؛ بقصد أن يموت الفلسطينيون جوعا
فى المساء..
أصحاب المزارع راحوا يتفقدون سنابلهم المحترقة تماما..
ذرفت أعينهم الدموع بغزارة.
فى الصباح..
أصحاب المزارع اكتشفوا أن دموعهم انبتت سنابل جديدة.
(6) كلبُ حراسة..
كُنا ننام فى اطمئنان، فالكلب الذي اختاره أبي بعناية فائقة يقف أمام دارنا لحراستنا.
طائرات الصهاينة قذفت بيتنا.
هو الوحيد الذى نجا من الموت.
رغم موتنا جميعًا؛ إلا أنه لم يزل يقوم على حراسة بيتنا الذى ضاعت معالمه، وكلما سمع صوت طائرات العدو تحلق فوق بيتنا، كان
ينبح فى غضب.
ينبح فى غضب، وهو يدور فى صلابة من أمام ومن خلف علم فلسطين الذى زرعه أبي بجوار مجلسه.
(7) صواريخ وطائرات أطفال غزة..
أمس..
المدرسة الفلسطينية التي قُصفت بصواريخ الصهاينة، وأسفر القصف عن استشهاد جميع الأطفال الذين تم دفنهم بملابسهم وحقائبهم
المدرسية فى مقابر جماعية.
اليوم..
عندما عاودت الطائرات فى محاولة منها لقصف مدرسة أخري، إذ بطائرات ورقية وأقلامهم الرصاص التى تشبه الصواريخ تخرج من
مقابر الأطفال؛ لتخيف الطائرات، وتضطرها للانسحاب سريعًا ظنًا منهم أنها حقيقة.
(8) أجنة الأسيرات..
(1)
نجح الصهاينة فى اختطاف عدد كبير جدًا من النساء الفلسطينيات الحوامل.
بعد الكشف وعمل التحاليل والاشعة المطلوبة، من يجدونها حاملاً فى أنثي على الفور يقتلونها وجنينها، حتى أبقوا على كل النساء
اللاتي يحملن ذكورًا.
البقية الباقية من النساء لم يزلن فى رعاية وراحة تامة، لقد أرادوا أن يأخذوا الأطفال عندما تحين لحظة والدتهم
ليزدادوا عددًا وعدة.
(2)
كلما حانت لحظة ولادة واحدة منهن يدخل الأطباء عليها لإخراج الجنين ومن ثمِ التخلص منها.
دومًا لم يجدوا الأم..
حتى هذه اللحظة يبحثون كيف هربت، ولن يتوصلوا.
لقد خرج الجنين فى موعده ليُخلص أمه من الأسر.
(9) حقوق إنسان دولية.
داخل إحدي المستشفيات المصرية كان الطفل يُعالج من إصابته البالغة.
إحدى الجمعيات الحقوقية الدولية جاءت لزيارة المرضي.
كان هو أول من استمعوا إليه.
استفتح حديثه بالبكاء الشديد.
ظل يحكي باكيًا عن المجازر البشعة التى فعلها ويفعلها الصهاينة فى قطاع غزة.
الحقيقة تقال أنهم ظلوا يستمعون إليه فى إنصات تام.
فور أن توقف الطفل عن سرد ما يحدث فى غزة، على الفور تسابقوا مبتسمين لأخذ الصور معه.
(10) أهلنا فى غزة..
كلما سمعت أو رأت أمي هذا الإعلان التلفزيوني المستمر، بالتبرع لأهلنا فى غزة التى يعاني أطفالها من برد الشتاء، على الفور
تسرع لتحتضن بشدة شاشة تليفزيوننا الأبيض والأسود وتظل تبكي، ظنًا منها أنها بذلك تقوم بتدفئة أطفال غزة.