والأرض ان غضبتْ
——————–
الصباح : فارسٌ , ترجّل من جمالهِ , يلهثُ بانفاس الخائفين , ويحَهُ : عبرَ نهراً عذ باً بوسع
الكون , دون ارتشاف قطرة ماء !
غضبُ الارضِ اورثه انكساراً , لا تجبرهُ لغات الماء جميعا .
الليل : مَن ذا الذي يُشير بعين واحدة الى سطوته المرعبة البارحة ؟ إذنْ
ستقذفه الآلامُ طيًّ بئرٍ ظالمة مظلمة اغلقها العطشُ منذ عهد يوسفَ .
الثواني أطول من ذاكرة شهرزاد , خلال ثقبها الصغير حدّ ثقب ابرة ناعمة ,
مرّت قوافل قرون محمّلة بالخوف , القلق , الترقب , تلك بضاعة ما جاءت لتكون كاسدة
لحظة قالتْ الارض ما قالت برقصتها , ومن لم يرقص رقصة الموت معها , سيموت
بردأ او عطشا — ثنائة الرحيل -وحتمية اليأس .
والطفلُ : على مقربة من بيوت كانت بيوتا , متلفّع بالبرد — انتصف كيانه نصفين
يهتزّان على بعضيهما , قميصُهُ: اشبعته الريح الماجنة شتماً فاحشاً , لا يُليق بطفولة
شامية تشرب من اخضرار الخصب ما تشرب من بهاء ,
كيفَ ؟ متى ينطق —؟ احساسه في فمه , سقط من ذاكرته ,
النطق تجمّد في شفتيه المرتجفتين ,
الكلمات لا تجرؤ ان تتلصص َ عل اللسان !
الاشارات : لغة القدماء بعثرتها الريح , وألبستها غربة تمتدّ من ركام البنايات الى
تلك الجثامين المحمولة على اذرع الاباة .
بيدٍ , ترا ءتْ هلالا غدرتْ غيمة وقحة ببعضه اشار إليها ,
أمّه , ألقتْ معطفها الثمين , أطعمتْ نارا تعيش بالرمق الاخير , بين موت يسجّلها
على قيد الرماد , وحياة , تمنح ولدها الوحيد لذاذة اللهب ,
في منعطف الجوع يتدفّأُ بعذاب , تلوح الوجوه العابرة من موقده الفقير , أرغفةً
ساخنة . سراب الطعام ينادم سراب الماء بعيون اطبقت على البرد بحنو .
الارض اجترتْ طعامها والنار ما زالت جائعة لملابس أمّه .
أمّه : قبيل ان تلقي المعطف , تمدّ يدها اليمنى , تستلُّ صورة زواجها .
الزوج : تحت ركام الحديد وبناء فقد هيبته بروح رياضية , وفي الصورة , ابتسامته
مشت على ملامحه كما النهر بين حقول السنابل , مفتخرا بنصره
على منافسيه عليها . ذاك تناقض نعثر به في مهزلة الحياة .
ما زال الطفل يرتجف , وما زالت تلقي ثيابها , النار يعاني قلبها انخفاض اللهيب
ما أبقيته يا ولدي من خام يكفي لستر ٍ لا بُدّ منه , قالتها ,تعلم ان البرد
والدخان يجعلان مرضها الرئوي اسدا جائعا هصوراٌ , يرى الاشياء بعين معدته .
الطفل ألقى برأسه في حضنها , هي تنحني عليه كأنها تبسّملُ في اذنيه .
غريبٌ , ثمّ غريب امرُ الارض , اوحتْ لجسدها ان : عد لمثواك الاول , ويا روحها
اخرجي من سجنك الى حيث , يشتاقك امل جديد .