ط
مقالات بقلم القراء

والجمال جمالان…. قراءة في فلسفة الجمال.يقلم الأستاذ / عادل القليعي

عادل القليعي يكتب.

والجمال جمالان….

قراءة في فلسفة الجمال.

نعم أكاد من فرط الجمال أذوب، وكل جميل من فرط الجمال جميل، هيا لنرى كيف نذوب من مشاهدة ومعاينة الجمال.

في البداية الجمال جمالان:

جمال حسي، وجمال معنوي، وأضيف إليهما ثالثا، جمال مفارق ترانستندالي متعالي، يجتمع معه الجمالين الحسي والمعني.

فما هو الجمال الحسي، الجمال الحسي هو الذي تسعد به الحواس فتسعد به العين وتلتذ عندما ترى منظرا من الطبيعة الخلابة، فيظل البصر محدقا في هذه المنظر الطبيعي صامتا يناغيه ويداعبه ببصره متغزلا فيه، كمن يرى غروب الشمس في قوس قزح، أو انعكاسات أشعة الشمس وقت شروقها مختلسة النظرات من خلف التلال والهضاب مشرقة تطل على الكون بطلعتها الباهية ملقية بأشعتها على صفحات الأنهار والبحار، فما تجد نفسك إلا متأملا في هذا الإبداع الكوني في ظاهرة متكررة يوميا فما منك إلا أن تقف مسبحا منزها لمن أبدعها بهذا التناغم والتناسق والهرمونية، أو أنك تشاهد الشعب المرجانية بألوانها المختلفة التي تجمع كل ألوان الطيف ، أو حينما تسمع أذنك خرير الماء في جداوله، وتسمع هزيز الريح يجعل النخيل تتراقص متمايلة طربا قائلة سمعت في صوتك الجميل، ما قالت الريح للنخيل، تشعر وقتها أنك تحلق في فضاء رحب مسبحا بحمد الذي أحسن كل شيئ خلقه، مسبحا بإبداع المبدع منقيا أذنك مما أصابها من صمم نتيجة تراكم التلوثات السمعية من مكبرات صوت لشرازم القوم الذي جعلتهم آلات المادية البئيسة جعلتهم يتصدرون المشهد بما يطلقون عليهم مطربين، وأقولها بأعلى صوتي، ليسوا مطربين وإنما هم مطرمين.

بون شاسع بينهم وبين أهل المغنى والطرب الحقيقي، أين هؤلاء من أم كلثوم، ووهاب، وحليم وسعاد محمد وفريد، أين هؤلاء من محمد عبده بلبل الجزيرة العربية، وصباح فخري والسلطان وسوف، أين هؤلاء من قيثارة الغناء وأنشودة السلام فيروز.

أين هؤلاء من النقشبندي وطوبار وعمران والحصرى، أين هؤلاء من بلبل الصعيد ياسين التهامي.

استميح هؤلاء وهؤلاء عذرا فليس ثم مقارنة بينكم وبين هولاء المطرمين الذين أصابونا بالتلوث السمعي بغث الكلام وأرذله الذين يخرج من أفواههم، وما يخرج إلا نكدا.

هذه بعض النماذج للجمال الحسي الذي حينما تتذوقه الذواقة يقدسون ويحمدون الجميل الجليل الذي وهب لهذه الموجودات جمالها، سبحانك ربنا ما أعظمك، سبحانك ربنا ما أجملك، سبحانك ربنا ما خلقت هذا باطلا، لم تخلق هذه الأشياء عبثا وإنما لحكمة هي إظهار وإبراز عظمتك وجلالك وبهائك، وقمة الجمال الحسي جمال خلق المخلوقات، أنظروا بعين الجمال لكل جميل أنظروا إلي الجياد في تناغمها وانسجام ملامح عضلاتها، أنظروا إلى الجبال بألوانها، جدد بيض، وغرابيب سود.

أنظروا إلى جمال الإنسان الذي خلقه فسواه فعدله في أي صورة ما شاء ركبه، أنظروا إلى تكوين المرأة، وتكوين الرجال، لوحة فنية لكل منهما مستقلة بذاتها، تشعر براحة تغمرك كلك.

أما الجمال المعنوي، فهو جمال الروح وطيب النفس ورقة العاطفة، ورقة المشاعر والأحاسيس، والوجدان، ورقة المحبة والمودة والوصال، أبدا تحن إليكم الأرواح، ووصالكم ريحانها والراح، فيها راحة وسكينة وطمأنية للقلوب التي صفت فعانقت الأرواح، وعانقت السماء وصارت إلى رب الملك و الملكوت سابحة في بحور من الأنوار، نور على نور، زج النور في النور فصار إتحاد وبقاء بعد فناء عن كل عناء.

ما أجمل جمال الأرواح فهي جنود مجندة ما تعارف منها أئتلف وما تنافر منها أختلف.

ما أروع جمال النفوس الزكية التقية النقية الشفافة التي تقود صاحبها إلى النجاة إلى الرضا الذي من خلاله تتحقق السعادة للإنسان.

ما أجمل جمال القلوب المطمئنة بذكر الله، ألا بذكر الله تطمئن القلوب، المطمئنة بذكر المحبوب الذي انعكست محبته على كل المحبين فمن حبه انبثق كل الحب، حب الإله. تعصي الإله وأنت تظهر حبه، هذا لعمري فى القياس بديع، لو كان حبك صادقا لأطعته، إن المحب لمن يحب مطيع.

حب النبي والأنبياء جميعا الذي حبهم فرض عين على كل من يؤمن بهم.

أما الصنف الثالث من الجمال، الذي يجمع الجمالين في فواحة واحدة فينثر شذاها عبيرا يملأ الأكوان، الجمال المفارق، جمال العشاق الذين نحلت أجسادهم وسالت على الخدود دموعهم فباتت أنهارا تجرى يرتوي منها أهل المحبة، عبر عن حالهم عمر الخيام في رباعياته وابن الفارض في أشعاره والبسطامي في دواوينه ورابعة التي قالت، أحبك حبين، حب الهوى، وحبا لأنك أهل لذاك، فأما الذي هو حب الهوى فشغلك بذكرك عمن سواك.

هذا الجمال المفارق هو جمال التحقق والتحقيق، جمال المعارف الربانية والحدوسات القلبية والومضات النورانية، جمال المصباح والصبح والإشراق في المشكاة، والمصباح في زجاجة، والزجاجة كأنها كوكب دري، يوقد من شجرة مباركة مصادر النور في هذه الشجرة اجتمعت ففاضت جمالا على العشاق المريدين المحبين، فبعد أن كانوا طالبين، صاروا مطلوبين، بعد أن كانوا مريدين أصبحوا مرادين.

جمال المحبة المتمثل في قوله تعالى (وألقيت عليك محبة مني)، محبة أمنت سيدنا موسى من فرعون وطغيانه، أمنته من الصاعقة باستقرار محبته تعالى في قلبه.

جمال المفارقة في محبة الله لمريم عليها السلام في قوله تعالى (وهزي إليك بجزع النخلة تساقط عليك رطبا جنيا)، وكذلك في نطق طفلها فى المهد.( فأشارت إليه ، قالوا كيف نكلم من كان فى المهد صبيا، قال إني عبد الله)

جمال محبة وضعها الله في قلب محمد صل الله عليه وسلم فثبت يقين الإيمان في قلبه في قوله تعالى (لا تحزن إن الله معنا)

جمال محبة النار، هل علمتم أن النار تحب، نعم تحب إبراهيم فاحتضنته بردا وسلاما بقدرة ربها ومحبوبها الأعظم، محبة السكين والكبش لاسماعيل وتوقفها عن الذبح وفداء الكبش له بأمر ربهما.

جمال محبة قلوب العارفين التى لها عيون، والتي ترى ما لا يراه الناظرون.

فرط جمال محبة آل بيت النبي وعترته، ما أن يأتي ذكرهم ترى العيون تفيض بالدموع شوقا إلى زيارتهم وإلى رؤياهم.

هذا هو الجمال المفارق ومحبته المتعالية التي تسمو على هفوات النفس وتسمو على زلات شواغل الحواس، محبة الأولياء، الأتقياء الأصفياء.

هؤلاء الذين طلبوا محبته واجتهدوا وتحققوا قولا وفعلا، جملة وتفصيلا، جسدا وروحا فذابوا من فرط مشاهدة الأنوار الربانية فلم يستطعوا البوح لكن حالهم ظهر عليهم ولم يخفى على أحد.

نعم يا سادتي وسيداتي، نعم نكاد من فرط الجمال نذوب.

أستاذ ورئيس قسم الفلسفة بآداب حلوان.

admin

فتحى الحصرى كاتب صحفى عمل بالعديد من المجلات الفنية العربية . الشبكة .ألوان . نادين . وصاحب مجلة همسة وناشر صاحب دار همسة للنشر ورئيس مهرجان همسة للآداب والفنون

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى