ط
مقالات بقلم القراء

والحكاية إسمها شيرين .. مقال بقلم / شيرين حسيب

انا مواليد السبعينات اكتر حقبة ملونه في تاريخ مصر…. موجوده في اسرة متنورة متدينه… ولو ان مكنش في ايامها حاجه اسمها متدينه..

كان الدين يمارس بشكل اعتيادي.. اصحي من النوم للذهاب للمدرسة الاقي بابا بيقرأ جزء القرآن اللي عليه بعد ما رجع من صلاة الفجر.. وماما كمان خلصت القرآيه بعد ماصلت وبدأت تجهزنا للمدرسة… انا كمان بحب ربنا وبدور عليه دايماً… بعلق سور القرآن فوق سريري وبخاف يزعل مني.. رغم ان معرفوش اوي يعني…

الدين… في بيوتنا تلقائي… ويعني المعاملات

اخلاقنا مع جيرانا… البيوت المفتوحه بس مش مجروحه… حتي اني كنت بغض نظري وانا بطلع السلم.. فاكره طنط عليّة وهي بتسأل ماما (هي شيرين مش بتسلم علينا ليه وهي طالعه)…و السبب عشان مجرحش حريتهم… رغم انهم ستات.

الدين… علاقتنا الطيبة جداً بعمو حلمي صاحب بابا المسيحي… مسمي ابنه اسامه (اسم اسلامي ده علي فكرة) ولما كنا عنده ويجي معاد الصلاة طنط إيزيس تفرش ملايه نظيفة لبابا عشان يصلي عليها وهي لطيفة جداً وبتقوله (لسه مطلعاها من الدولاب)

عمو حلمي عزمنا في الكنيسه علي فرح اسامه.. وعرفنا علي واحد من قرايبه… قال انه اسلم بس لسه محافظ علي علاقته بيهم وبيودهم.. كانوا سعداء بيه وهو سعيد بيهم (هو الوحيد اللي كان بيرقص علي فكرة)

حياتنا سعيدة ملونه بألوان الحياة أخلاق المجتمع كانت منضبطة وحركته متناغمه بصوت وايقاع العصر..

حنان بتغني للشمس الجريئه..ومحلات ومبي مكسره الدنيا.. ومرواح النادي كل اسبوع وتعليم السباحه وأنشطة المدرسة من موسيقي لحفلات.. مرورا بحميد الشاعري.. اللي بستناه كل سنه في نفس المعاد… وكل يوم اسأل…

شريطه نزل… طب هينزل امتي ؟

الحياه ماشيه عبادة ومعاملات انسانيه وجزء ترفيهي كلنا متفقين و موافقين عليه

الكذب والغش والتدخل في شئون الناس كان جريمة.. والغيبة والنميمة مكنوش يناسبونا وكانوا عندي اكبر الكبائر..

وعدت الايام وبدخل الجامعة وبلاقي ناس فارشين الارض بكتب (المسيح الدجال) (الحجاب قبل الحساب) (عذاب القبر)… وغيرها كتير.. ولما بدخل جوه بلاقي الاخوان مسيطرين علي النشاط الطلابي كله وعلي وعي الطلبه بالكامل… الا قليل بيحاول النجاة…

هما كمان كانوا بيحاولوا يتقربوا من الطلبة و يستقطبوهم ويمرروا سمومهم بالتخفي وراء السماحه والتدين والمساعدة

وياسلام لو بنت دخلت الجامع تصلي هتبقي هدفهم وخصوصاً لو لمسوا فيها ضعف او احتياج.

“آمال” دخلت ومخرجتش تاني… اصلها بقت شيخة الجامع..

شويه بشويه لاقتني بصدقهم وبيجلنا شرايط “وجدي غنيم ” ونسمع ونبدأ نصدق مافيها…

رويداً… رويداً.. المجتمع اتشح بالسواد..

العبايات السوداء في كل مكان وكأنها الزي الرسمي للمصريين…

دخل قلبي وقتها الخوف الشديد… خوف قادر علي منعي من النوم… دقات قلبي كمن مُقدِم علي حدث جلل دائماً وابداً…

بستني من الجمعه للجمعه من كل اسبوع حتي اتشح انا ايضاً بالسواد وأروح الجامع اصلي الجمعه… كان دعائي دائماً (يارب اموت وانا في طريقي للجامع)

وقتها روحت للدكتور النفسي عشان الخوف اللي مالي قلبي… اداني ادوية مهدئه ودي كان تأثيرها صعب اوي عليا… بتِحجب قدرة الانسان علي التواصل مع الحياه.. غياب الاتزان، الرغبه الدائمه في النوم.. وعدم القدره علي التفكير والكلام والحركه … طبعا وقفتها….وبعدين روحت لدجال من بتوع الشعوذه و الحجاب… الراجل وللحقيقة اول ماشافني قالي انت قلبك فيه خوف كبييير… وعملي حجاب لزوم الشفاء واداني اوراق تانيه كده ادوبها في المايه واشربها… وطبعا لاقيت نفسي متحسنتش ورايحه للكفر… كنت بستجمع شجاعتي وانا بفك الحجاب ده واشوف جواه ايه وبحرقه بأيدي… روحت لدكتور نفسي تاني… وده قالي اشغلي وقتك كله واتعلمي حاجه جديده.. اجهدي نفسك وجسمك وعقلك عشان يبطل تفكير وخوف… وعملت كده…الخوف وقف شوية بس ماسابنيش تاني بالعكس قلب حياتي.. وكان لازم اعمل حاجه عشان اتخلص من مخاوفي..

استسلمت

صدقت كلامهم… صدقت ان ربنا جبار غاضب دائماً… ولو ان قدم ف الجنة وقدم ف النار لا أأمن مكر الله… وان من مات ولم تحدثه نفسه بالجهاد فقد مات علي الجاهلية… كل ما اصدق في الكلام ده، كل ما الصوره تزداد سواد وتضاد..

ليه رغم ان بيتنا ملتزم بالدين والاخلاق، ليه الخوف كده بيزيد؟ ليه ياربي انا مش متأمنه وانا بحبك طول العمر؟

السواد حجب كل شيئ… صدقت واتمنيت إن المسيحيين الكفار تنشق الارض وتبلعهم… ويحصل ايه يعني لو مش موجودين.. حتي الدنيا تبقي احلي لو اعداء الله دول مش موجودين في الدنيا…

طب وعمو حلمي… نسيت عمو حلمي ومراته الجميله واولاده اللي كان بيقولي(قولي لاخوكي اسامه يعملك كذا او يجيبلك كذا)

وبدأت اتحول لانسانه شريرة بالتدريج.. وانا اللي كنت بخاف علي طوب الارض…

وهنا وصلنا لسيطرة كاملة من الاخوان والسلفيين حتي برامجهم بقي ليها قنوات بتنزل في الرسيفر اول القنوات…

وبدل ما الأفراح الناس تتزف على الاغاني .. بقت اسماء الله الحسني… (انا كمان اتزفيت عليها) … وبدل ماكنا بنعيد ع المسحيين اخواتنا بقينا نحرم معايدتهم… وبعد ماكنا بنحتفل بشم النسيم بقينا نخاف نخرج يومها… (معروفه دي طبعا لان المسلمين مالهمش غير عيدين) …

تبرير الكراهيه بقي اسهل علي اللسان بمقولة ( اكرهك في الله)

الخوض في اعراض الناس بقي مسموح ومحبذ (لانهم فنانيين وهما اللي عرضوا نفسهم علينا…. ولانها مش محجبه…. ولانه ديوث… ولانهم كفار… ولانه مابيصليش… ولانه زنديق.. ولانها فتنه ولازم تفضل جوه البيت )

ولا تكفير المسحيين طبعاً (علي رأي اسمه ايه دا… هو كافر بيا وانا كافر بيه) بس المفارقه انهم ما كفروش حد.. انت بس اللي بتكفر..

وغيره وغيره من امراض الاخلاق اللي كانت كل يوم تُبعث في مجتمع تهيأ تمام لتقبل كل التدين الشكلي ده … طول ما الحجاب بيغطي الشعر.. وطول ما الناس بتصلي وبتقفل الشارع… طول ما الميكرفونات ماليه الجوامع… احنا كده ف قلب الدين …

ومن سخرية القدر بنا، نجاحهم في الانتخابات وان يكون منهم اول رئيس مدني “ال ايه منتخب”

وبدأنا نشوف اخلاق دينهم اللي اتمكنوا من المصريين بسببه… وفي ظل كل هذا السواد…

ظهر في الافق

من ادعوه بالمنقذ … اكثر من امنني وازال عني خوف سنيين.. اعاد لي انسانيتي الحبيسه.. ورد إلي شيرين الضائعه مني

دعانا الي التفكير وقرأة القرآن بطريقه طوليه… وان المسيحيين اصحاب البلد الأوائل وانهم مش اعداء الله وان القرآن تحدث عنهم بكل المودة والحب…

حرر صورة الإله من رؤية ضيقة لبراح الكون كله… رجع صالحني علي كل قيمي الأنسانيه.. فك أسر عقلي وارجع إيماني بقيم الحق والخير والعدل والجمال…

وقف منفرداً يدافع عن دين الله الحق.. دين الحب والسلام والأنسانيه ومسالمة جميع البشر بأختلاف ديانتهم ومذاهبهم…

الانسان وفقط الانسان المخلوق صنيعة الخالق مع تصحيح كثير من مفاهيم القرآن حتي سهل علي معرفة الله ورسوله

علمني ان الايمان يلزمه اعمال العقل.. تدريب العقل… اطلاق العقل في النقد والنقض….

علمني اذا كنت بحب الله لازم ادور عليه

مسيبش حد يأخذني في اي طريق لأن دين الله لا يحتاج الي اعمي العقل ولكن يحتاج الي بصير القلب

علمني ان لازم قرأة جديدة للكتاب الرائع القرآن قرأة متبصره.

علمني ان دين بلا اخلاق ليس بدين الله..

هنا ادركت اني لم اعرف الله ابداً… ازاي بالبساطة دي احكم علي ناس ان ياريت لو مش موجودين… ومين اصلاً اداني الحق ان احكم واتحكم مين يعيش ومين يموت…

ازاي نسيت نفسي اني مجرد عبد من عباد الله لا املك لنفسي نفع ولا ضر ودخلت في حكم الله…

توالي حسابي لنفسي ليوقظني من غيبتي… لماذا تحولت لآلة تردد الدين الجديد… دين المظاهر والجوهر الفاسد… ازاي بصلي لربي بقلب تملؤه الكراهيه وهو من قال (إلا من اتي الله بقلب سليم)

ازاي رغم ختمات القرآن والتسابيح والعياط والخوف ده كله دايما حاسه ان فيه حاجه غلط…

وبدأت رغبتي في معرفة الله تزيد.. والقرب اصبح بطعم العقل… شوفت النور

ادركت ان السعادة في تمني الخير للغير مهما كان الغير ده وان مش مهمتي ابداً اعرف اذا الانسان ده مقبول ولا مطرود من رحمة الله

ادركت ان التدين الشكلي كله مظاهر ورياء… وبسببه بنعيش كل الاخلاق المنهي عنها من رب العباد…

ليس الغش بدين… ليس الكذب بدين… ليس الطعن في الناس بدين… ليس الكره بدين… ليس التدخل في شئون الناس بدين… ليس الحكم علي دين الناس بدين..

خرجت من هذا الدين الضيق لبراح الله ونوره ورحمته وعطفه…. الدين عندي بقي زي زمان الاخلاق..

وزي ما قال الرسول “انما بعثت لأتمم مكارم الاخلاق”

اما العبادات فأحنا بنحبها وهنأديها وعمرنا ما فرطنا فيها

جوه الرحله دي وانا ماشيه بقطار الزمن بشوف الوان السبعينات… لسواد التسعينات.. وضباب الألفينات.. فتحت شباك الحياة و تخلصت من دين المظاهر .. حبيت كل خلق الله من تاني ورجعت رحمتي وايماني بيهم مهما كان دينهم او مذهبهم وانا دلوقت بتمني اكون ياربي (بقلب سليم)

وخلااااااص ودّعت الخوف طول مانا ماشية علي ارض إلهي الرحيم الحكيم و مستظلة بسماء إلهي الودود اللطيف مفيش خوف تاني..

حمدلله علي السلامه.. وصلتي يا شيرين من الشك لليقين

admin

فتحى الحصرى كاتب صحفى عمل بالعديد من المجلات الفنية العربية . الشبكة .ألوان . نادين . وصاحب مجلة همسة وناشر صاحب دار همسة للنشر ورئيس مهرجان همسة للآداب والفنون
زر الذهاب إلى الأعلى