ط
كتاب المجله

وجه . قصة قصيرة بقلم الكاتب / هيثم الجافي

وجـــــــــــــــــــــــــــــــــــه

نفس الرحلة كل يوم ..

نفس عربة المترو ..

الوجوه الآلية الكادحة تتشابه جميعها ..

حتى الأفكار ، لم يعد في ذهنه مكان لفكرة جديدة ..

أو أمل آخر ..

ينزل من بيته بحلوان ، ويستقل المترو حتى محطة السادات ..

دائما ما يراهن نفسه على الوقت الذي يستغرقه المترو حتى يصل الى مكان عمله ، عمله الذي حصل عليه بشق الأنفس ..

يتذكر كلمات عمه ، وهو يكاد يتضرع للكبار :

– اعتبره ابنك يا باشا ، لا يجد عملا حتى الآن وقد اقترب من الثلاثين ، عايزين نشوفله حاجة ، ربنا يخليك لينا يا فندم !!

عشرات المكالمات والزيارات ..

وفي النهاية ، بضعة جنيهات !!

رغم مرور سنوات عديدة – وهو يعمل في هذه المصلحة – لا يعلم ما هو عمله بالضبط !!

حتى أسم المصلحة ، هل هو : الشركة العالمية للتوريدات والمقاولات المحدودة ؟ أم الشركة المحدودة للتوريدات والمقاولات العالمية ؟

هذا اليوم ، كان يوما مختلفا تماما ..

لقد قرر أن يتحدث اليها .!!

قرر أن يتحدث اليها ، بعد مرور أكثر من عام على رؤيتها لأول مرة !!

هي التي غيرت حياته ..

وجهها هو من جعل لحياته معنى ..

أدوية أمه المريضة ، والتي لا يكفي مرتبه ومعاش والده على تكلفتها ..

طلبات أخته وأخيه التي لا تنتهي ..

كل هذا يهون بعد نظرة إليها ..

عندما يراها ينسى الادوية والطلبات ..

هذا الوجه الملائكي الساحر ..

العيون السوداء ، يلمع بهما بريق الحياة ..

كل الحياة ..

معها ينسى الماضي ، والحاضر ، والمستقبل ..

قبل ان ينام كل ليلة ، يحاول ان يتذكر أية تفاصيل أخرى بخلاف وجهها ..

ملابسها ، صوتها .. ولكنه لا يستطيع !!

دائما هو وجهها فقط ..

بالتأكيد هي تبادله نفس المشاعر ..

نظراتها تقول هذا ، وأكثر !!

لا تلتفت الى الدعابات السمجة من الشباب الذين يحاولون التقرب إليها ..

دائما ما تركب نفس العربة يوميا ، لكي تراه ..

هو ايضا يقاتل ليركب نفس العربة يوميا ، كي يراها ..

هو موعد بدون أتفاق مسبق ..

اليوم ، يجب أن تعلم من هي في حياته ..

بدونها ، هو جسد بلا روح ..

ولكنها لم تأتي هذا اليوم ..

ولا اليوم الذي بعده ..

وبعده ..

وبعده ..

وبعده ..

جلس حزينا في نفس العربة ، وهو ينتظر ظهورها ..

ينتظر الشمس التي غربت للأبد ..

ينظر إلى الناس والموجودات ، بعينان لا تريان ..

لا يسمع الحوار الذي يدور بين الشابين اللذين يجلسان بالقرب منه :

– فين صورة البت الحلوة اللي كانت مرسومة هنا ؟

– مش عارف ، شكلهم كدة مسحوها !!

– خسارة ، اللي راسمها كان فنان ..

( تمت )

هيثم الجافي

admin

فتحى الحصرى كاتب صحفى عمل بالعديد من المجلات الفنية العربية . الشبكة .ألوان . نادين . وصاحب مجلة همسة وناشر صاحب دار همسة للنشر ورئيس مهرجان همسة للآداب والفنون

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى