ط
تحقيقات وتقارير

ورحل روسى الذى غير وجه الكرة العالمية فى 1982

نقلا عن /أحمد فاروق ..ياللا كوره
ـــــــــــــــــــــــــــ

الخامس من يوليو عام 1982، يوم ليس كغيره في تاريخ كرة القدم، يوم تغير فيه وجه الساحرة المستديرة، وكتب فصل النهاية في عالم “الخيال” الكروي، لتصبح الواقعية الإيطالية منذ ذلك الحين أيقونة سعى الملايين لتكرار تجربتها.

من كان يتخيل أن جيل البرازيل الذي ضم زيكو، سوكراتيس، فالكاو وإيدر وغيرهم من أعضاء جيل أسطوري عزف أجمل الألحان في ملاعب كرة القدم، سيودع مونديال إسبانيا من الدور الثاني، وسيُحرم من معانقة الكأس الذهبية؟ من كان يتصور أن الجيل الذي أشرف المدير الفني الموهوب تيلي سانتانا على أدق تفاصيله، وأمتع به العالم أجمع، ستنتهي مغامرته المونديالية بتلك الطريقة المؤلمة؟

“ذلك اليوم لم يغير فقط الكرة البرازيلية، لقد غير كرة القدم في العالم الأجمع” هكذا وصف إيدر نجم المنتخب البرازيلي واقعة خسارة السليساو أمام المنتخب الإيطالي في الدور الثاني لكأس العالم 1982، وأكمل: “جميع الصحف الإسبانية قالت إن كأس العالم انتهى في ذلك اليوم”.

الإعلامي البرازيلي جوكا فوري عبر عن آلام عاشها كما عاشها ملايين البرازيليين في نهاية مشوار السليساو بمونديال إسبانيا، عندما استدعى عنوانًا بإحدى الصحف الإسبانية، لم ينس كلماته بعد مرور عشرات السنين، قال: “من المستحيل أن تفهم هذا العالم، خرجت البرازيل!”

لكن باولو روسي المهاجم الإيطالي النحيف الذي تكفل بوأد أحلام البرازيل في تلك الليلة، كان يفهم جيدًا هذا العالم، وكان يدرك أنه وحده قادر على صناعة المستحيل، وترك علامة لن تُنسى إلى الأبد في سجلات كرة القدم.

قبل عامين من ذلك التاريخ، تورط روسي في فضيحة “توتونيرو” التي هزت الكرة الإيطالية مطلع الثمانينيات، وأسقطت إيه سي ميلان ولاتسيو إلى الدرجة الثانية، بعد ثبوت حدوث تلاعب في نتائج مباريات مسابقتي الدرجتين الأولى والثانية الإيطاليتين، وتلقى مهاجم بيروجيا البالغ من العمر 24 عامًا عقوبة بحرمانه من ممارسة الأنشطة الكروية لثلاث سنوات، تقلصت إلى سنتين بعد الاستئناف.

وصف باولو روسي حاله خلال تلك الفترة بأنه كان منعزلًا محطمًا، لكنه لم يستسلم، وانتظر لحظة العودة، ورغم عقوبة الإيقاف، قرر نادي يوفنتوس التعاقد مع روسي عام 1981، ليلحق بثلاث مباريات فقط في نهاية موسم 1981/1982، ويسجل هدفًا وحيدًا.

ربما كان أحد أكثر القرارات شجاعة في تاريخ كرة القدم، هو قرار إنزو بيرزوت المدير الفني للمنتخب الإيطالي، باستدعاء باولو روسي للانضمام للقائمة الإيطالية المتوجهة للأراضي الإسبانية لخوض منافسات كأس العالم 1982، قرار أدهش الكثيرين، ونال انتقادات صارخة في الكثير من الصحف الإيطالية، لكن على ما يبدو كان بيرزوت يدرك جيدًا ما يفعله.

“شبح يركض بلا هدف في أرض الملعب” هكذا وصف الإعلام الإيطالي باولو روسي، بعد مستويات ضعيفة قدمها خلال الدور الأول، الذي ضاعف الضغوطات على المدرب المخضرم، بعدما فشل الأتزوري في تحقيق فوز وحيد خلال مواجهات المجموعة الأولى، التي ضمت منتخبات بولندا، الكاميرون وبيرو.

افتتح المنتخب الإيطالي مشواره بالتعادل بدون أهداف مع نظيره البولندي، قبل تعادل جديد مع بيرو بهدف لكل منتخب، وهي النتيجة التي تكررت أمام الكاميرون في ختام منافسات المجموعة، ليتأهل المنتخب المتوج بكأس العالم مرتين قبل ذلك التاريخ مستفيدًا من تسجيله هدفين مقابل هدف واحد سجله المنتخب الأفريقي الذي لم يخسر أيضًا خلال الدور ذاته.

في المقابل كان المنتخب البرازيلي يصول ويجول في المجموعة السادسة، حقق ثلاثة انتصارات على الاتحاد السوفيتي، إسكتلندا ونيوزيلندا، قدم مستويات مذهلة بكل ما تعنيه الكلمة، وسجل نجومه 10 أهداف في تلك المباريات، ليصبح تتويجه مسألة وقت لا أكثر في نظر معظم متابعي البطولة.

احتفل لاعبو البرازيل عندما بلغهم أن مجموعتهم في الدور الثاني ستضم المنتخب الإيطالي الهزيل، فوزهم في تلك المباراة كان محسومًا في وجهة نظرهم، لذلك صبوا تركيزهم على مواجهة المنتخب الأرجنتيني حامل اللقب، بقيادة نجمه الشاب الموهوب دييجو أرماندو مارادونا.

حقق الأتزوري فوزًا مفاجئًا على المنتخب الأرجنتيني في المجموعة التي ضمت ثلاثة منتخبات، لكن المنتخب البرازيلي قدم مواجهة استعراضية جديدة في القمة اللاتينية، انتهت بفوزه بثلاثة أهداف مقابل هدف، ليصبح التعادل أمام إيطاليا كافيًا للتأهل للدور نصف النهائي، والتقدم خطوة جديدة نحو اللقب المنشود.

أربع مباريات متتالية لم يسجل خلالها المهاجم الأساسي للمنتخب الإيطالي أي أهداف، من يضع آماله عليه لعبور أقوى منتخب في كأس العالم؟ بل منتخب صنفه كثيرون كأبرز الأجيال التي قدمت متعة كروية في تاريخ كرة القدم.

خمس دقائق فقط كانت كافية للإجابة على ذلك السؤال، باولو روسي يسجل الهدف الأول تحت أنظار 44 ألف متفرج في ستاد ساريا بمدينة برشلونة، بعدما استقبل كرة عرضية من أنتونيو كابريني، وضعها بأريحية كبيرة في الشباك البرازيلية.

لكن تلك الآمال صدمها مشهد ساحر بعد سبع دقائق فقط، عندما قدم زيكو تمريرة مذهلة إلى سوكراتيس، الذي وضع كرة بدهاء في الزاوية الضيقة لمرمى دينو زوف.

أمام مثل تلك الإمكانيات، لا تحتاج سوى مهاجم يجيد استغلال الأخطاء، ولا يفرط في هدايا لن تتكرر، هذا ما فعله روسي في الدقيقة الخامسة والعشرين، عندما اقتنص تمريرة خاطئة من تونينيو سيريزو، وانطلق كالسهم نحو المرمى البرازيلي، مسجلًا الهدف الثاني، لينتهي الشوط الأول بتقدم لم يكن في حسبان أشد الإيطاليين تفاؤلًا في ذلك اليوم.

مجددًا برزت المهارة البرازيلية، بعدما سجل فالكاو هدفًا من تسديدة رائعة في الدقيقة الثامنة والستين، لتعود المباراة إلى النتيجة التي تؤهل السليساو للمربع الذهبي، وازدادت المهمة صعوبة على الإيطاليين، أمام منتخب لم يكتف بتلك النتيجة، وانقض محاولًا أن يجهز على خصمه بالضربة القاضية.

لكن الضربة الحقيقية كانت في انتظار البرازيليين، الذين نالوا عقابًا لم ولم تنساه جماهيرهم إلى الأبد، بعدما أخطأ دفاع السليساو في تشتيت كرة عرضية بعد ركلة ركنية إيطالية، لتتهيأ أمام أليساندرو ألتوبيللي الذي حاول التسديد، لكن تسديدته ذهبت ضعيفة، وهو ما كان محظوظًا به، حيث تهادت أمام الداهية روسي، الذي تواجد في المكان المناسب، وسجل الهدف الثالث بعد 69 دقيقة من هدفه الأول، وسط دهشة لاعبي البرازيل وجماهيرهم.

انتهت المواجهة بتأهل أسطوري للإيطاليين، وبـ “هاتريك” خلده التاريخ، بعدما كتبت الواقعية الإيطالية نهاية فلسفة الأحلام في عالم كرة القدم.

“لو فاز المنتخب البرازيلي بالطريقة التي لعبنا بها، أعتقد كانت الكثير من المنتخبات ستحاول اللعب بتلك الطريقة، لكن ما حدث، هو فوز المنتخب الإيطالي بطريقته الواقعية، لذلك كررت الكثير من المنتخبات الطريقة الإيطالية” هكذا عبر الظهير البرازيلي جونيور، عن تسبب تلك المواجهة على وجه التحديد، في تغيير شكل كرة القدم.

تواصل انفجار روسي المونديالي، فسجل هدفين قاد بهما منتخب بلاده للفوز على بولندا في الدور نصف النهائي، قبل أن يفتتح أهداف الأتزوري في شباك ألمانيا الغربية، أمام تسعين ألف متفرج في ستاد “سانتياجو برنابيو” بالعاصمة الإسبانية مدريد، خلال المواجهة التي انتهت بفوز إيطاليا بثلاثة أهداف مقابل هدف، ومعانقة الكأس المونديالية للمرة الثالثة في التاريخ، وتُوج روسي بجائزتي الهداف وأفضل لاعب، في سيناريو أسطوري جعله أيقونة حجزت مكانًا خاصًا في تاريخ كأس العالم.

منتشيًا بالتتويج التاريخي، عاد روسي بوجه جديد لصفوف يوفنتوس، وواصل إنجازاته بالتتويج بالكرة الذهبية كأفضل لاعبي العالم عام 1982، قبل ثلاث سنوات جديدة لعبها بقميص “البيانكونيري” وأنهى مشواره الكروي بموسمين بقميصي إيه سي ميلان وهيلاس فيرونا.

استيقظ العالم اليوم الخميس على نبأ رحيل روسي، عن عمر لم يتجاوز 64 عامًا، تاركًا خلفه مسيرة درامية، وموقعة أسطورية، جعلته اسمًا لن يُنسى في تاريخ الكرة الإيطالية، وفي سجلات المستديرة بالعالم أجمع.

admin

فتحى الحصرى كاتب صحفى عمل بالعديد من المجلات الفنية العربية . الشبكة .ألوان . نادين . وصاحب مجلة همسة وناشر صاحب دار همسة للنشر ورئيس مهرجان همسة للآداب والفنون

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى