ط
الشعر والأدب

وَجــــــعُ الرَّصيـــــف “بلوزداد” للشاعر الجزائرى / جهاد زهرى

جهاد زهرى الحُبُّ كذبَتُنا الصَّادِقَةُ -قالَ درويش- قلتُ -نعم وإلَّا كيفَ سأفَسّرُ الآنَ ما يَحدُثُ ،كيفَ أفَسّرُ غَرَقي في كلّ اليأسِ المُحيطِ بي من كلّ زاوِيَةٍ ،وكأنَّهُ يحاصِرُني ،أحاوِلُ ببَصري جاهدًا تفسيرَ الوجوهِ الشَّاحبَةِ المارَّة من أمامي ،كأنَّ الجَميعَ يسافِرُ في اللَّاجدوى ،الكلّ يبحَثُ عن شيئ فقَدَهُ يومًا ما ،هكَذا أتصَوَّرُ الأمرَ…على الاقلّ …. أتحاشى النَّظَرَ الى الرَّصيفِ العاري الَّا من جُرحِهِ الموغِلِ في روحي ،كأنَّني وحدي من أسمَعُ صراخَهُ وأنينَهُ ،وحدي من يُحِسّ بيتمِهِ ،أرجِعُ الى الوجوهِ الباهتَة في اللَّاشيء ،أحاوِلُ أن أعثُر على عزائي بينَهَا ،لا يَكتَرثُ للرَّصيفِ أحدٌ ،لا يكترثُ لي أحدٌ …لا أحَد ! حتَّى اللّغَةُ الَّتي طالمَا عزَّيتُ بِها نفسي ،تَحجُمُ أبجديّتُها عن البوحِ ،أحاوِلُ أن أخرجَ الحَشرجاتِ من مَخبئها فتأبى الاَّ أن تنبَثِقَ داخِلي وأكتُمَها مكابرًا،تُضرِمُ النَّار في كلّ خيباتي المُخبَّأةِ قديمها وجديدها ،الحقيقية منها ،المازوشيَّة كذلِكَ ،تؤجّجُ مصرعي تزيدُهُ اشتعالًا ،وكأنّي أستشرِفُ أمرًا جللاً سيحصُلُ ،لكنَّ الأسئلَةَ الكثيرَةَ حجبَت الرّؤيَةَ الواضِحَةَ التي كانت لتكونَ .. أتساءلُ هل حقَّا ما أراهُ؟ ،أقصِدُ هل شاحبَةٌ هي الوُجوهُ الَّتي امامي أم أنَّني الشَّاحِبُ الوَحيدُ ،لماذا الكلّ لا يبالي بهذا الرَّصيفِ ،هل قاسيَةٌ القلوبُ الى هذا الحَدّ أم أنَّني عاطفيّ زيادَةً عن اللزوم ،لابُدَّ أنَّني الدَّاكنُ الغريبُ الوَحيدُ هنا في المكان وإلا ما كل هذا فجأةً ،أصَدّقُ كلَّ ما استشرفتُهُ ،كنتُ أعلمُ أنَّني على حقّ فيما ظننتهُ ،لم يبَشّر شيء بأنَّ لا شيء سيحدُثُ ، ها أنا كمنْ يُدخَلُ البَحر عُنوَةً أحسّ بالبرودَةِ الصَّماء العاجِزَةِ تجتاحُ جَسَدي ،أدخُلُ الدَّهشَةَ الأولى لكن بطُعمٍ آخر ، أدخلُ دهاليزَ الصّدفَةِ لم أجَهّز نفسي لأمرٍ كَهذا ها أنت تقفينَ أمامي ،مثبَّتَة على الرَّصيفِ بالدَّهشَةِ الأولى نَفسِها ،بالإرتباكِ الأوَّل ،أذكُرهُ جيّدًا ،كما أعلمُ أيضًا أنَّكِ لم تنسيْ أبَدًا كلَّ ما سبَقَ من الأسطورَةِ القديمَةِ ،يهتَزّ قلبي ،تختفي معالِمُ كلّ شيءٍ ، أطلِقُ العنانَ لعينَيَّ تلتهمانِ كلَّ قطعَةٍ من جسَدِك الَّذي لا يقوى على حَملِ نَفسِهِ،اريدُ أن أحمِلَهُ عَنكِ ،أريدُ أن أوقِفَ اللَّحظَةَ الكاسِحَةَ ،وتوَدّينَ أن يخلو الرَّصيفُ من المارَّةِ أن نبقى كلانا فقط ،توَدّينَ قولَ الكثيرِ ….أعلَمُ كأنَّكِ مُثَبَّتَةٌ ،كأشجار هذا الشَّارعِ “بلوزداد” وقدِ أنشَبت جُذورَها في الأرضِ ،ليس بالأمر السَّهل اقتلاعُها ،لا أقوى على شيءٍ ،أنا أيضًا أحاولُ العبور من اللَّحظَةِ بسلامٍ ،هيهاتَ أينَ السَّلام ،هل تعرفينهُ ،لا أظنّ أنَّك تفعلينَ . أحاولُ أن أبحثَ عنّي فيكِ ،عن كثبٍ أحاولُ ذلكَ ،لكنّي كمن خرَّ من السَّماء لتتلقَّفَهُ الظّنونُ ،لا شيءَ كما كانَ سابِقًا ،تهُبّ الريحُ ،يثور الغبارُ ،حتَّى الغبارُ لئيمٌ ،ينقَشِعُ بعدَ حينٍ ،لا أجِدُكِ ،ذهبتِ معَهُ لا أدري الى أين ،تعودُ الوجوهُ مرَّةً أخرى ،لكنَّها ليست شاحبَةً كما اعتقَدتُ ،فأنا وحدي الشَّبَحُ هناكَ ،ثمَّ الرَّصيفُ المَجروح ! بقلمِ جهاد .زهري /قسنطينة 09/09/2014

admin

فتحى الحصرى كاتب صحفى عمل بالعديد من المجلات الفنية العربية . الشبكة .ألوان . نادين . وصاحب مجلة همسة وناشر صاحب دار همسة للنشر ورئيس مهرجان همسة للآداب والفنون

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى