شاعر أعرفه جاءني في الحلم (الرؤيا) وهو يلبس عباءة تشبه عباءتي لونًا وشكلاً وتفصيلاً، ناداني “يا كوكبًا” – كعادته في اليقظة- مشيرًا بقوله هذا إلى البيت المعروف لأبي الحسن التهاميّ: “يا كوكبًا ما كان أقصر عمره…” … فاختبأت في زاوية من زوايا مكتبي،… دخل غرفة المكتب ووضع أمامي ديوانه المخطوط قائلاً: أريد من فضلك أن تصحّحي هذا الديوان قبل أن أحوّله الى الطباعة… فاستثقلت الحِمل قائلة في نفسي: أنّى لي الوقت الكافي لتصحيح هذا الديوان الضخم وهو يعادل 60 ديوانًا؟!
ولكنّي أجبته: بـ”نعم”، إن شاء الله…! فخرج، ثم عاد ووقف في باب غرفة المكتب وهو ينشدني هذه القصيدة يخاطبني بصيغة المذّكر:
يا كوكبًا ما شاءَ يوماً يطلعُ
وإذا طرقنا بابَه لا يسمعُ
ومتى سألناه الجوابَ تكرُّماً
خرج الصدى يطوي المدى لا يرجِعُ
وإذا أطلّ بطلعةٍ شعريّةٍ
ضاءتْ بمطلعهِ الجهاتُ الأربعُ!
يا جارحًا قلبَ الظلامِ بنوره
أنّى نُداوي القلبَ حين يُقطَّعُ؟!
رفقًا بنا ما نحن إلا أنجمٌ
والكوكبُ الدّرّيُ ما نَتوقّعُ
هو في ارتفاع الشمسِ بل أخلاقهُ
أعلى من الخلقِ الرفيعِ وأروَعُ
يا كوكبًا يكسُو النجوم رداءَهُ
هلاّ رأيتَ النورَ يومًا يُخْلَعُ؟!
ما لي أراك مودّعًا في كلّ حيـ
ـنٍ، جئْتَ في عِزِّ اللقاء تَودّعُ؟!
بيديكَ نبعُ الحبِّ يجري أبحرًا
والحزنُ يجري أشْطُرًا والأدمعُ؟!
فَلِمَ التوشّح بالكآبةِ والأسى
والفجرُ في كلّ المواقعِ يلْمَعُ؟!
أغَرِقتَ في بحر العذابِ مؤبّدًا
تجني لَآلي الشعر منه وتزرعُ؟!
وتَحوكُ منْ ألمِ القلوبِ قصائدًا
ولديكَ في كلّ القصائد مطلعُ؟!
يا كوكبًا لمْ تَثْنِه ظُلَمُ االليا
لي… كلّما اشتدّت عليهِ يسطَعُ!
أرخى الظلامُ على الضياءِ حجابهُ
لا النجم نامَ ولا الضياءُ يُقَنَّعُ
لا ذنبَ عندك غير أنّك ظالمٌ
ولكَ الأشعة في الغياهبِ تشفعُ
إن كنتَ طيفًا أو تكنْ شبحاً فإنـ
ـنَ الموتَ في الأشباح دومًا أسرعُ
فاخرجْ إلى الأضواءِ مُتْ في نورها
إنَّ الحياةَ من المواجعِ تنبعُ
لا تتركنْ للموتِ فيك منافذًا
ما الموتُ إلا ما تعاني الأضلعُ
وما إن استيقظت حتى سارعت الى قلم وأوراق بجانبي – وقبل أن أضيء المصباح- كتبتُ ما حفظته من القصيدة قبل أن أنساه، إذ من عادتي أن أنسى التفاصيل فور رؤيتي للضوء…
هذا ما كان… فلمن تكون القصيدة؟؟!
لي أم له؟!