ط
مسابقة القصة القصيرة

قصة : درع الوطن . مسابقة القصة القصيرة بقلم / عبير عزيم محمد . المغرب

الاسم عبير عزيم محمد

البلد المغرب

عنوان القصة درع الوطن

حساب الفايس abir azim

باغتها في المطبخ وهي تعد له فنجان قهوته كالمعتاد، ابتسم في وجهها ابتسامة تحمل بشائر الحب والأمل، وطبع على جبينها قبلة جعلتها تحس أنها تملك الدنيا بأكملها.

لم يكن لها في الدنيا سواه، فقد كانت تعشقه إلى حد الهوس وتخشى عليه من كل شيء حتى من نسمات الهواء.

كان يحبها حبا بلا حدود فهي توأم روحه والمالكة لفؤاده.

مرت السنون وتغيرت أسارير وجهها الذي كان يخفي وراءه ثقل الحجج الماضية وهي تواجه زمهرير الزمن القاسي، تحاول التملص من ذكريات تلك الحقبة البائسة المحفورة بين طيات ذاكرتها.

لعل الفرح سيطرق بابها في هذه اللحظات بعد أن ضل طريقه إلى قلبها، لعل شمعة حياتها ستضيء من جديد بعدما تسللت العواصف إليها فأطفأت بريقها.

هو ليس فنجانا واحدا، هما فنجانان اثنان

فنجان لها والآخر لرفيق دربها رضوان فلذة كبدها وفارس أحلامها.

على الأريكة يجلسان يرتشفان كوبيهما ويستمتعان بمذاق القهوة اللذيد، يتأملان بعضهما في غبطة وسرور، فبعد سنوات عجاف فاضت السعادة في هذا المنزل الصغير وتبددت الغيوم واندملت الجراح.

فرحة التخرج تغمر الأرجاء وأحلام الأم الطيبة ترفرف كالعصافير؛ فتارة تريده طبيبا وأخرى تتمناه مهندسا، بل وتطلق العنان لأمانيها فتراه رائد فضاء.

يحل الليل وكالعادة ينام في حضنها فتغمره بقبلاتها وهي تداعب خصلات شعره القصير، يستسلم رضوان لنوم هادئ بينما يجافي السبات عيونها، فتتسلل خلسة وتغادر غرفته دون ضجيج ثم تتوجه إلى سريرها لتستلقي على ظهرها وتسبح في بحيرة أفكارها.

ها هو الصباح قد دق طبول الوجود، فتعد وجبة الفطور وتذهب لتوقظ ابنها المدلل فتجد باب غرفتة الخشبي مفتوحا، تندفع إلى الداخل من دون استئذان. لا أحد في الغرفة سوى الصمت، وخرير الوحشة يداعب الأرجاء.

ترى أين رضوان؟!

ربما خرج للتبضع وإحضار مايلزم لإعداد وجبة من أجل الإحتفال بثمار غرسهما ونتاج مجهود السنين، أو ربما ذهب للتسجيل في كلية الطب ليصنع لها المفاجأة!

جزيئات الوحشة تعود من جديد والصمت يخاطبها فتحس بشيء غريب يسري دبيبه في وجدانها.

إنه الخوف يتسلل رويدا رويدا إلى أنفاسها.

سافرت ببصرها في زوايا الغرفة فإذا بها تبصر هناك على مكتبته الصغيرة ورقة، وليس من عادته أن يشتت أوراقه، لكن يبدو أنه خرج على عجل فنسي أن يضعها في رف من رفوف مكتبته او ربما هي شهادة تخرجه نسي أن يدسها في جيب معطفه قبل الخروج.

بسرعة وضعت نظاراتها كي تتمكن من كشف فحوى الورقة.

– يا مالكة الفؤاد

سمعت نداء الجهاد فلبيته طوعا لا كرها، فأنا ابن البطل الصنديد الذي لا يهاب الموت، والتي سالت دماؤه لتروي تراب بلاده.

على خطى أبي سأسير حتى نهاية الدرب، فإما نصر وإما شهادة.

– يا توأم الروح

بوسعي أن أواجه هم الدنيا بأكملها لكني عاجز على محاكاة دموعك الغالية، لذا آثرت الرحيل فجأة دون وداعك، أعرف يا أمي أنك ستعارضين قراري، وتقاومين رغبتي، ستغضبين، وتصرخين، وتبكين، لكنك في الأخير ستقتنعين.

أمي

-من أين ذاك الغصن؟

– من تلك الشجرة.

– وابن من هذا الشبل؟

-ابن ذاك الأسد.

هل تذكرين هذه العبارات التي طالما رددتها على مسامعي، واستقرت بوجداني، أنت من علمتني حب الوطن، وجعلتني أهيم في غرامه. روح الوطنية تغلغلت في جوارحي ونار الغيرة على بلادي اشتعلت في فؤادي فبت العاشق الولهان لترابها.

أحس يا أماه أنني خلقت للدفاع عن بلادي، فأنا بها أكون ومن دونها لا أكون.

هي سر سعادتي ومبعث فرحتي.

أتعلمين يا رفيقة دربي، أنني كلما تذكرت أبي أحسست بالفخر وارتفعت هامتي إلى عنان السماء، وسرت بداخلي روح الصمود الذي أبدا لن يموت.

قد خطوت أولى خطواتي نحو الهدف المنشود،

لسوف أواصل السير ولن أكل، أو أمل. لا جوع يهزمني، ولا تعب يقهرني، سأكون من حماة هذا البلد سأفديه بالغالي، والنفيس، بروحي ودمي. سألثم حبات الحصى الثمينة، وسأداعب الرمال الذهبية، سأستظل بأغصان الزيتون، ولسوف أستنشق رائحة حبات الليمون. إن شعرت بالبرد فإن شمس بلادي هي الدفء، وإذا عطشت وجفت حنجرتي فسيروي النهر العذب الزلال ظمئي أو البحيرة ذات الماء السلسبيل … وإذا مرضت يا أمي وارتفعت حرارتي فلسوف تمطر سماء وطني وتدوايني بقطراتها الشافية، وإن جن الليل يا أميرتي وبسط السواد رواقه على الدنيا فلن يفزعني الظلام ولن أهاب الأشباح، فطفلك رجل لا يخشى الصعاب، يمتطي صهوة الشجاعة الأزلية ويحمل سيف العز والسؤدد السرمدي.

ألا تعلمين أن طيفك اللطيف على الدوام يرافقني!

لا تخافي علي يا أمي، فلن تذيبني حرارة الصحاري، لن تبتلعني دروب الطرقات الملتوية، ولن أتيه في الغابة فتأكلني الضباع.

اطمئني ففي حضن الوطن الأمان.

إن اشتقت إلي يا أمي وغالبك الحنين، فصورتي على الجدار، عانقيها، قبليها، بلليها بدموعك .

ملابسي في الصوان، اشتمي رائحتها الندية كما كنت تفعلين، وإن طال الفراق، وأضناك الانتظار، فعيشي على الذكريات الجميلة.

تذكريني وأنا طفل ألهو بقط الجيران، فتنهريني خوفا علي من مخالبه.

تذكري ذاك الكأس الذي سقط ذات يوم من يدي فجرح سبابتي فأسرعت وعالجت أصابعي الخمسة.

تذكري تلك القبلة الحارة التي كنت دائما تطبعينها على جبيني، وحكاية ذاك الجندي الشجاع التي كنت ترددينها دوما على مسامعي.

قبلي لعبتي التي صنعتها لي بمناسبة عاشوراء، واعزفي على قيثارتي أعزوفة الوطن الحبيب، وافخري بأني صرت بطل مغوارا، عانقت بذلتي الخضراء بكل حب ووفاء.

قد وضعت -يا أمي- قبعة الإخلاص والاحترام على رأسي ثم نظرت إلى السماء. حملت القرآن الكريم فزادني نوراً وضياءً، ها أنا ذا سأقف بالمرصاد لكل معتد أثيم، لكل عدو غاشم سولت له نفسه الاعتداء على وطننا الحبيب.

لاتقلقي ياوالدتي بشأني فخطاي على درب الوفاء وبشائر المجد والنصر على محياي بادية، وتذكري بأنني لست وحدي، فإلى جانبي أوفياء، يوفون بعهدهم الذي قطعوه على أنفسهم من أجل تراب الوطن الغالي

هم رمز النقاء

عنواني وإياهم طيبة وصفاء قد عزمنا على الجهاد،

 

Abir قام بالإرسال اليوم، الساعة 10:46 ص

على الكفاح في صف واحد. ولن نتنازل أبدا يا أمي عن شبر واحد، عن قطعةواحدة،

عن حبة رمل، ولن نبخل بدماءنا.

وإن مت يا أمي، فلا تسمحي للحزن أن يخترق أحشاءك ويخنق أنفاسك فيخطف منك لذة الفخر بوليد كفاحك ونتاج مجهود السنين. لا تبكي يا حبيبتي وادفني آلامك بين هذه السطور، انفضي غبار الأحزان وكفكفي دموعك وارفعي أكفك لرب السماء، واطلبي لي الرحمة في الصباح والمساء، وتذكري أن من قتل في سبيل الله من الأحياء. فإن لم يقدر لنا اللقاء في الدنيا ففي جنة الخلد موعدنا يا أماه.

حبيبك رضوان.

admin

فتحى الحصرى كاتب صحفى عمل بالعديد من المجلات الفنية العربية . الشبكة .ألوان . نادين . وصاحب مجلة همسة وناشر صاحب دار همسة للنشر ورئيس مهرجان همسة للآداب والفنون
زر الذهاب إلى الأعلى