ط
الشعر والأدب

قدر مستعجل .قصة قصيرة بقلم الكاتبة / رشيدة محداد .المغرب

قصة قصيرة *قدر مستعجل*

بإحدى ليالي شتاء قاسية، كانت “مريم” تجوب البيت بحثا عن شيء تسلي به نفسها بعد أن أنهت قراءة روايتها “Je reviens te chercher” للروائي الفرنسي Guillaume Musso .
لا شيء يذيب ذاك الجليد، ولا شيء يتحرك بالبيت السويسري.. !
وحدها كانت تجوب البيت، تراقب قمم الثلوج الشامخة خلف زجاج تعلوه مسحة من الضباب تكاد تحجب قمم الجبال البيضاء.
أي حماقة هذه التي جعلتها تدس أحلامها بحقيبة وداع مستعجل نحو بلد لا تعرف عنه إلا أسماء ساعات الإغراء الثمينة !
كيف قبلت أن ترمي مفتاح أحلامها، ببحر الأبيض المتوسط، وتستبدله بساعات سويسرية، تعلم أنها ستصدأ رطوبة، وتتجمد عقاربها برودة !
جلست على حافة سريرها، تسترجع قصة تذكرتها السريعة مع القدر السويسري الذي غلفه ساعي بريد طرق حظها فكان كمن يطرق أبواب الحي و أسوار المدينة. حين قفزت فرحة بحزمة رسائله المطلة من وراء البحار.
تعددت الرسائل وتعددت اللغات..تعددت النوايا والقلوب والأجناس.. فتاهت وسط حزمة مشاعر رماها ساع بوجهها صباحا..كما قشة حظ مكدس عليها اقتناص قدرها داخلها..
كانت تهوى “المراسلة”وتبادل الأفكار والأراء، فعرضت اسمها وعنوانها بجريدة، علّ فارسها يمتطي رسالة مستعجلة..
على السرير، وعلى عجل، وزعت الرسائل تلتهم العناوين، والخطوط تفتح هذه وتغلق أخرى، لتتسمر عيناها أمام رسالة ظرفها أبيض، على ظهرها طابع سويسري .
بلهفة فتحتها ففاح منها عطر وكأنه عبق الجلنار! وصورة شاب وسيم، وكأنه حلم من زمن “البندقية” عليها تلقفه وإلا ضاع بأول رحلة يانصيب..
كان جميلا وحروفه أجمل، وحيدا يبحث عن حب يشاطره قلبا خلا من الشقر وعشق عربية !
تنهدت مريم، وتوجهت نحو المطبخ، أعدت شرابا ساخنا من “الينسون” لتهدئة أعصابها، ووققفت قبالة النافذة تراقب هدوء الثلوج وجمودها….فيتسربل عبرها شريط ذكرياتها.
اليوم هي بمدينة سويسرية، قابعة وسط الجمود تترقب عودة زوجها سامي ..”البرت بول” الذي أعلن إسلامه قبل زواجهما كشرط أساسي قبل عقد القران…وغيره الى اسم عربي..
حب ابتدأ من عروس المغرب طنجة، لتسكن أميرة بعينيه، وملكة بصدره الدافئ، وتحط الرحال بشفتيه حارسا ليليا لقلبه..! حب كان يكفي لتطير معه حيث الجليد وموضة الوقت المغري…تزفها رسائل الحب عروسا بدون حناء..

وضعت قطعة سكر بفنجان “الينسون”، ودأبت تتأملها وهي تغرق كخيالها المتأرجح بين مدينة طنجة و”لوكارنو” السويسرية.
وصول مريم و”البرت” (سامي) إلى لوكارنو، لم يكن بالخبر الجميل كما يبدو ..وخصوصا عند صديقه المقرب “ستيفان”، الذي استقبلهما استقبالا فاترا باردا.
مرت سنتان على تواجدها بسويسرا وكأنها بجنات عدن، حاول سامي خلالها أن يسعدها ويهبها من الحياة نعيمها. رغم عمله بمصنع الأجبان بالعاصمة “جنيف”، كان يتردد على البيت نهاية كل أسبوع، يقومان بجولات لبحيرات سويسرا، مرورا على جبال الألب الشامخة…
يومان كانا كافيان لتجديد روتين الأسبوع، ليعود بعد ذلك سامي إلى عمله بجنيف .
اقتربت نهاية الأسبوع، ارتدت مريم أجمل مابخزانتها..هو يحب البساطة، لذا اختارت فستانها الأبيض ذو الرتوش الزرقاء، وتعطرت بعطر الجوري الخفيف الذي يحبه، وانتظرت…
قبل ان ترفع رأسها مستنجدة بالوقت، تناهى إلى سمعها طرقا خفيفا على الباب، فتساءلت لم يطرق وهو يحمل معه مفاتيح البيت؟ ..سارعت تفتحه غير آبهة فلربما نسي المفاتيح ! وبلغته “الرومانشية” التي لم تفهم منها غير “إسلام” طالعتها هيئة “ستيفان” وتلك النظرة الفاترة !
كانت مريم تحملق فيه ببلادة ،تحاول أن تتبين معاني لغته ، التي اشتدت وطأتها مع اندفاعه المريب ! تمنت لحظتها لو درست هذه اللغة الرابعة بعد الألمانية، والفرنسية والإيطالية التي يتكلم بها السويسريون !
لم تستفق من سرعة الموقف، إلا على ردة فعل سامي الذي وصل بعده بوقت وجيز، لم يحاول فيه الاستفسار عن الوضع، فسارع لخزانتها يجمع أغراضها داخل حقيبة جلدية صغيرة، يلوح بها في الهواء..يرميها من نافذة البيت و يشير إليها بالالتحاق بها !
حاولت مريم أن توضح الأمور، لكن يد سامي كانت قد سلمتها الى قدرها المجهول بالشارع السويسري، في ذهول تام !
ارتشفت جرعات متتالية من الينسون وكأنها تحاول ان تتجرع كل الآلام دفعة واحدة..
“طنجة” ..كيف لحي التقاليد أن يستوعب حكايتها…وكيف تعود ..!!

من بعيد سمعت صوتا خافتا ينادي ويقطع حبل أفكارها، فاسرعت الخطى نحوه..
العجوز ! لقد حان وقت تغيير حفاظاتها وترتيب سريرها للنوم ! أطبقت عينيها تحاول أن تقنع نفسها، أن انتظاره بات ضربا من المستحيل

admin

فتحى الحصرى كاتب صحفى عمل بالعديد من المجلات الفنية العربية . الشبكة .ألوان . نادين . وصاحب مجلة همسة وناشر صاحب دار همسة للنشر ورئيس مهرجان همسة للآداب والفنون

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى