فسيلة الشهيد .مسابقة القصة القصيرة بقلم / اسماعيل ابراهيم آل رجب-العراق

فسيلة الشهيد…
إنتزَعوها من احضان النار ، خلعوهاعن جذع امها المحترق ، ثمّ قذفوا بها داخنة ، على حِيرة الطريق ، خطوات اللامبالاة للمارين بقربها ، تتباعد حينا ، وتتقارب اخرى ، الوقت يمرٌّ على عطشها ، هي تكاد تكون مبتذلة ، في ناموس الفوائد ، لانّها لم تزل صبيّة لاتهب الرطب …
…على الضفة الاخرى ، لنهر الفرات ، النهر الذي تذرفه عيون الجبال ، حفر ابي قبرا له ، اوصاني بعد الموت ، ان اعبر بجثّته النهر ، وقت احتفال النوارس ، بطلوع الشمس ، ابي الذي يتفاعل كالطفل مع فسيلة النخل ،يهبها المودة والحب ، انتشل الفسيلة اثناء مروره على الطريق ، اسرع بها الى حوض الماء في منزله ، تركها في الماء لفترة ، حتى اطمأنّ انها ارتوت ، وتشبّعت جذورها الماء ، ربط الفسيلة على رأسه ، بعد ان وضع لفافة ثوبه تحتها ، ثمّ عبر بها النهر سباحة ، ليشتلها في الضفة الاخرى ، عند رأس حفرة القبر الذي حفره…
ستة عشر خريفا مضت ، في كل خريف تموت نورسة ، ويأتي بديلا عنها غراب ، ستة عشرغرابا ينعق على ضفتي الفرات ، وهو يرنو الى الجثث الطافية ، المتعاقبة في تشويه وجه الماء …
قبر ابي الفارغ ، سرقه ذات زمن ، قنّاص امريكي ، ليجعله موضعا للتصويب …
الموت يجوب الطرق النيسمية ، بين البساتين ، يتلصص خلف جذوع النخيل ، يتفحّص الوجوه ، يحمل سجلات ، باسماء الاشخاص واسماء امهاتهم ، يبحث في الآجال ، عن اللحظة التي يخترق فيها الرصاص ، رأس احدهم ، لكي يشطب على اسمه ، ( انتهت حياته ) ، حصاد الرؤوس لايتوقّف ، ولايحتاج الى مواسم ، لانها متوفرة على الدوام ، لخصوبة تربتها ، وتكيّفها مع تحولات الطقس…
في ليلة ، كان القمر يعزف نشيد الوطن ، ورايته ترفرفها الرياح في الآفاق ، ربطنا انا وأبي على قلبينا ، صمود الأوّلين ، ولبسنا دروع بسالتهم ، حملنا سلاح التضحية ومضينا ، من اجل ان نعيد للأطفال بسمتهم ، وقهقهاتهم وهم يلعبون …
في ساعة الصفر ، بدأ هجومنا ، ضمن فصيل الحمزة ، على مواضع العدو ، امتلأ جو المكان ، بصوت القذائف الصاروخية ، الرصاص المتطاير ، شظايا الجمر المتناثرة … ولمّا ساد الصمت ، وتطهّرت الارض ، من دنس الاعداء المأجورين ، خطوت بضع خطوات ، ابحث عن القبر ، الذي حفره أبي لنفسه ، فوجدته قد امتلأ رٌطبا.