ط
مسابقة القصة القصيرة

قصة : أضواء . مسابقة القصة القصيرة ..بقلم / حسن رجب الفخراني . مصر

الاسم: حسن رجب محمد ابراهيم
اسم الشهرة: حسن رجب الفخراني
تاريخ الميلاد: 30/5/1974
العنوان : مصر – سوهاج قرية بلصفورة
تليفون وواتس 01155117170
ايميل / [email protected]
الفيس: https://www.facebook.com/profile.php?id=100010858273361
فئة : القصة القصيرة

أضواء
بالرغم من مرور ساعات علي مغادرته عيادة الطبيبة الا ان كلماتها المقتضبة لا تزال تصك أذنيه وكأنها أحجار ثقيلة تضغط في عنف وبلا شفقة علي صدره.
ترمقه زوجته من بعيد في كمد , تخشي الدنو منه أو مجرد التفكير في سؤاله عما أخبرته به الطبيبة .
تحتضن أبنتها الصغيرة في صمت عميق ,تندفع علي حين غرة منها دموعها ملتهبة.
لا زال بعض من أضواء الشارع يحاول ان يتسلل خفية ليسكن فوق الوجوه التي سكنها الهم .
الصرير المنبعث من الباب الخشبي المتهالك, يحاكي في رتابته دقات بندول ساعة ,وهو بين الحين والاخر يعلن عن تأكل هذا الذي طعن في العمر وقد القيت أحشائه وحواشيه أمام النوافذ العارية وصدأ مفاصله وانكسارها لم يعد من الامكان اخفائه.
يحاول الفرار ولو مؤقتا من تلك الكلمات, يشله الفشل ,الاخفاق طالما كان رفيقه المخلص.
: تحتاج أولا لسكن غير الذي انتم فيه الان…..
القتها ببساطة وكأنما تطلب منه شراء ملابس جديدة للصغيرة .
خرج من العيادة ويكاد لا يري موطأ لخطواته المرتعشة .
التقت عيناه بعيني الصغيرة , وهي تكاد تبدأ غفوتها القليلة, فطالع فيهما ابتسامة بلا مغزي ولكنها كانت خنجر تمزقه به .
دنت منه زوجته وربتت علي كتفه في شفقة وأمامه وضعت بعض الطعام البسيط قائلة
: لأجلها كل هذا , فانت منذ الصباح لم تذق شيئا .
في حركة الية امتدت يده للطعام والقمه فيه ,الذي أحتاج كثيرا من الصبر والاقناع حتي وافق علي مرور القليل منه.
احلام الوجع لا تترك الضعيف برهة واحدة ,تطارده اينما ذهب واينما حل , وربما في منامه أكثر من يقظته.
باب الورشة التي يعمل بها أصبح كانه جلمود من الصخر , يحاول رفعه فيخفق ويتفصد العرق من جبهته وبعض قطرات القهر من احداقه.
يدنو منه صاحب العمل وبسهولة يرفعه , ثم يحضر له مقعدا , لا زال نهر الفكر يعصف به وتلك الكلمات وكأنها سوط من التقريع ,لا تنفك تجلده , وتطلق ضحكاتها الهازئة , وتكشف عجزه علي الملأ.
حل الغروب وهو لا زال رهين مقعده وتفكيره.
ان تلك الشقة الدميمة القميئة , التي لا تري نور النهار الا من بين شقوقها وكأنها مسام ورق الشجر هي الوحيدة التي انتشلته من النوم في خيمة مهترئة علي نواصي الدروب .
هل هو الحظ العاثر , أم ربما غضب الأيام عليه , بلا جريرة أقترفها أو اثما معلق بجيده ,
لا يهم , تكفيه شمسه الصغيرة التي وكانت منبع الحزن الدفين الذي لا ينجلي من سمائه , الا انها هي الريحانة الوحيدة في حياته و هي الخيط الذي يربطه بتلك الدنيا.
: يبدو عليك الاجهاد , اذهب انت , واعتبره يوم عمل .
افض لزوجته ما خشيت ان تسأله عنه ..
في ايام قلائل ترك هذا البدروم العفن , الذي كانوا يطلقون عليه جزافا اسم شقة ومن القاع سكنوا في القمة , قمة تلك العمارة الشاهقة ,غرفة ضيقة وبجانبها مرحاض , قلما يصله أصلا المياه , المهم انها تطالع الشمس منذ شروقها الي الغروب والهواء علي هذا الارتفاع يكون علي جانب كبير من النقاء , بعيدا عن القاع الرطب الذي اصبح مرتعا خصبا لشتي الامراض المستوطنة , أو حتي التي تجئ تلقي التحية علي الكادحين من أهل القاع ثم تولي أدبارها .
صبيحة كل يوم تحملها الام برفق شديد وترقدها فوق بطانية ممزق احد جوانبها وتجلس بجانبها تراقبها في وله وفي حزن ثم ترفع راسها للسماء وترسل رسالة .
نظرت اليه ثم قالت
: العلاج مكلف والدواء باهظ الثمن .
شعر بتلك الكلمات وكأنها تنتزعه من حيث يقطن وتلقي به بين أحضان أسفلت الشارع
: أنا أكاد أملك قوت يومي .
:عليك أذن وعلي العلاج علي نفقة الدولة .
يحملها وكما أعتاد دائما بحرص زائد جدا , يخشي ان يقترب منها أحد أو شيئا مهما يكن .
هاله ما رائه حين وضع قدمه في هذا المكان الذي تعلوه لافتة باهتة بحروف تكاد تقرأ (الكومسيون الطبي العام) , كثيرا مثله وربما هناك من يحمل علي عاتقه أضعاف ما يحمله هو من كمد ووجع وحزن .
لا أحد يكترث بهذه الحشود الغفيرة من البشر, جميعهم لديه ذات الأمل الملقي علي الأرض وهم لا زالوا في انتظار عطية القدر وهبة السادة المسئولين حين يتم استدعاء احدهم كي يقدم طلبه وينتظر دوره في الكشف الطبي.
اسفل ظلال شجرة جفت أغصانها منذ مدة ليست بعيدة وقد عقم جذعها ونضب عطائها استلقي ومعه الكثير من الهاربين علي شاكلته من قيظ الشمس الحارق .
: ابنتك تم الكشف عليها وفحصها جديا , انتظر القرار.
ليلا حين كان جالسا مع أصحابه علي المقهى في نهاية الحارة التي كان يسكنها سابقا , أخفق في كتم ما يعتمل في نفسه من شجن .
مال عليه صديقه المقرب وهمس في اذنه
: لن تجد مرفأ لسفينتك الحائرة الا في المجتمع المدني .
رد عليه وتلك الكلمات ربما يسمعها للمرة الاولي قائلا في عجب
:لا أعي ما تقول .
استطرد الصديق قائلا بلهجة العالم ببواطن الأمور
: هي أماكن خيرية قوامها ما تجمعه من تبرعات من أهل الخير الذين وهبوا تلك القنوات عطاياهم ثقة فيهم كي ينفقوها في مساراتها .
لم يترك واحدة قد سمع بها او شاهد اعلان لها علي التلفاز الا وقصدها .
اخيرا سوف يجد قُبلة حقيقية للإنسانية .
: مع الاسف ابنتك لا تستحق المساعدة.
: لما ؟
: ابنتك علتها ليست للدرجة التي تلمس قلوب الناس .
حملها كما اعتاد دائما , خلفه هذا الصرح العتيق الذي لا يكف اناء الليل أو أطراف النهار عن بث اعلاناته عبر الشاشات ومن فوق الصحف – التي قلما تقرأ – عما يقدمه من مساعدات انسانية وانه لا يأبه بأية صعوبات في سبيل مد يد العون لمن لا يد .
غلبته ضحكة – ربما انتظرها كثيرا ان تأتي يوما – ساخرة من هذا العبث , والذي هو ومن علي شاكلته من يدفعوا ثمنه , اما هؤلاء فهم لا يعدوا كونهم شرذمة من اللصوص , , ادعياء الرفق بالفقراء ليلا وهم يذبحونهم نهارا , من يهبوا أهل الحاجة كسرة خبز من أجل الحصول علي عضوا من اعضائه مقابلها.
داعب ابنته في سعادة ورضا .
غادر هذا المكان ولاذ بغيره , لكن في كل مرة يلاقي ذات الوجه بنفس الملامح البلاستيكية والعيون ذات المقل الحمراء كالدم .
والأفئدة الموتى.
تبسمت الصغيرة ثم قالت لوالدها ببراءة طفولية
: أبي , هل سوف أموت قريبا
كانت أضواء الشارع تخفت
أحيانا تتلألأ

admin

فتحى الحصرى كاتب صحفى عمل بالعديد من المجلات الفنية العربية . الشبكة .ألوان . نادين . وصاحب مجلة همسة وناشر صاحب دار همسة للنشر ورئيس مهرجان همسة للآداب والفنون

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى