ط
مسابقة القصة القصيرة

قصة : عزيز .. مسابقة القصة القصيرة بقلم / إيمان الزيات .مصر

مشاركتي في مهرجان همسة فرع القصة القصيرة
إيمان أحمد عبده
إيمان الزيات
أديبة وناقدة – عضو اتحاد كتاب مصر

قصة (عزيز)

” يا عزيز عينى.. “

صرخت بها أم صديقي “عزيز” صرخة انشقت لها قلوب الجالسين بذهول في سرادق العزاء .. جذبتني من وجومي للحظة حبستُ خلالها أنفاسي لأمنحها فرصة نزح ألمها ثم تركني صمتها لوجومي من جديد بعدما سقطت مقطوعة الصوت منهكة.

لماذا لا أستطيع البكاء..؟!

ليس لدي من هو أغلى من عزيز لأبكيه ..

كل الجالسين مشفقين على مُصابي في صديقي الوحيد؛ فلماذا أجلس في عزائه بعينين صحراويتين..؟!

صوت جرس الدراجة الذي تباعد فى الزقاق الضيق يذكرني بالمرة الأولى التى عرفته فيها، تذكرت كيف نزل “عزيز” من فوق دراجته واثبا نحوي كفهد ليخلصني من يد الفتى “ضاحى” الذي كان جاثماً على صدري كجبل، يكيل لوجهى اللكمات، فحمله عني وكومه على الأرض بعرقلة صغيرة.

لم يكن “عزيز” قوياً، لكنه كان سريع البديهة ويملك قلب أسد لا يهاب؛ فدائما ما كان يهزم خصمه بحركة ذكية تذهل الجميع، وتحيطه بنظرات الإعجاب هو وكل من يسير معه.

من يومها وهو لا يدخر جهدا لحمايتي، صار “عزيز” يحمي وجهي .. وظهري .. وأسراري بل وأحيانا يتطوع ليحمل أوزاري كاملة .. فيمسك بأعقاب السجائر من يدي مدعياً انها تخصه حين يمر والدي مبكرا عن موعد عودته.

غير ضاجر ولا متبرم من نصائحه وتقريعه له .. وتهديده بأن يمنعنى من اللعب معه كي لا تفسد أخلاقي مثلما فسد .. ولم تخجله يوما سوى نظرة الاحتقار التى كانت تطفو على عيني والدى كلما رآه بعدها.

كثيرا ما كنت أسأل نفسي لماذا يفعل “عزيز” ما يفعله معي دائما..؟!

والإجابة في كل مرة تكون واحدة ..

(لأن ضعفي مثير للشفقة)

لكنني لم أكن أبدو أمام الجميع هكذا وأنا معه.

الآن أشعر أن ظهري عارياً بدونه .. وأن أسراري حائرة لا تدري إلى أين تذهب ومن سيأويها بعده..؟

الآن في عزاه اختنق تماما كاليوم الذى جثا فيه “ضاحي” على صدرى ولا أجد من يحمله عنى .. عادت نظرات الشفقة تحاصرنى كلما نظر الجميع تجاهي.

(لأنه حيث الغيرة هناك حيث كل شىء ردىء .. حيث الشرير يفتخر بشهوات نفسه والخاطف يجدف)

أتمتم بالجملة التى لم يفهمها “عزيز” حين قرأها أمامي بصوت مرتفع وبدافع الفضول يوما ما .. من الورقة الملفوف بها طعامه، ولم أفهمها أنا أيضا لكنها مست بداخلى شيئا أجهله وأخافه في ذات الوقت .. شيئا جعلنى مازلت أحتفظ بتلك الورقة التى اصفرت مع الوقت بعدما أسقطها خلفه والتقطتُها من الأرض دون أن يدري.

حين وقفت على باب السرادق انظر نحوها .. تجاهلتنى بنت الجيران التى تزوجها “عزيز” فشعرت بأنها تبصق في وجهى بتجاهلها الذي لم تملك غيره من اليوم الذي حاولتُ تقبيلها فيه دون أن يعلم .. كانت تتألم كلما ربَّت “عزيز” على كتفي وقال لها أننى لست صديقه فحسب بل أخاه أيضا.

الآن أبكي .. تفجرت ينابيع عيوني أخيرا .. ولكن هل أبكيك يا “عزيز ” أم أبكي على نفسي؟!

نعم سأفتقد شهامتك التى أظلتنى كثيرا ..

لكنك كنت شهما أكثر مما ينبغي.

الآن أريد أن أعيدك للحياة بشدة وللحظة كي تقف في وسط سرادق العزاء وتكسر خرسك هذا ثم تصرخ في وجهي وتكون شجاعا معى، فتقول حقيقة لم تُقرها روحك يوماً وأخفاها حبك لي بعيدا عن ذكائك الذى لم تستخدمه ضدي أبدا ..

قل أني جبان، وأنى خائن ..

لا أعرف لماذا قتلتك يا “عزيز” قبل أن تنطقها في وجهى!

لا أعرف لماذا قتلتك وأنت تنظر لي بوداعة!!

admin

فتحى الحصرى كاتب صحفى عمل بالعديد من المجلات الفنية العربية . الشبكة .ألوان . نادين . وصاحب مجلة همسة وناشر صاحب دار همسة للنشر ورئيس مهرجان همسة للآداب والفنون

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى