ط
مسابقة القصة القصيرة

كافيتريا . مسابقة القصة القصيرة . بقلم/ نادية بوخلاط . الجزائر

مجال / القصة القصيرة
عنوان القصة القصيرة/ كافيتيريا
الاسم و اللقب/ نادية بوخلاط / وهران/ الجزائر
رقم الجوال/ 00213552624891/00213796904781
ايميل/ [email protected]
 
كافيتيريا
 
جلست في مساحة من فضاء تلك الكافيتيريا التي تتوسط المدينة تطالع مجلة فرنسية بغير اهتمام وكأن الزمن المار و المحترق بسويعات العجلة لم يكن يعنيها ،تزاحم سيل من الأفكار من حولها و بدت غير ٱبهة بأنها في تلك اللحظات كانت المحكمة قد فصلت في قضيتها و وافق القاضي على طلاقها.
الطلاق كلمة لها اكثر من معنى في مجتمع منافق متفسخ ،يعيش بين ترسبات دينية و بين نفاق و كذب ،يحاول أن يكون غربي التطلعات و شرقي الأحكام على المرأة تحديدا .
»اطلاق حرية و انعتاق ! « ، هكذا أفضت إلى نفسها وهي لا تدري كيف ستصارح أباها الذي رفض مرافقتها الى المحكمة ،كانت منيرة تعلم بأن نحيب والدتها سيكون مدويا وهي تسمع خبر طلاقها
المطلقة قنبلة موقوتة ،العزباء قنبلة موقوتة فقط لأن الفضيحة تأتي من البنات دوما ،كانت تدري بأن الحياة ستتغير من حولها ،نظرة المجتمع ،نظرة الأهل ،ونظرة اخوتها الذكور لكن الٱن أضحيت حرة باحت إلى نفسها بشيئ من الفخر ،تركت المكان دون أن تطلب شيئ ،سارت في الشارع برأس مرفوع يحاكي عنان السماء ،الٱن انا حرة من سيطرة رجل أراد كسر انوثتي فكسرته بكبريائي !
لاتمشي مطأطاة الرأس يا بنيتي قالت لها والدة صديقتها ،فالحرية تدق بأيادي مضرجة وتأخذ ولا تعطى ،الحرية من رجل عاند لاذلالك لسنوات ،رضيتي أن تكوني له زوجه و هو أراد أن تكوني له عبدة مطيعة، آه فخورة بك لأنك كسرتي الاغلال من أجل الفوز بعزة نفسك، لا يهمك من يقول عنك مطلقة و فوزك الاكبر حين تعثرين على رجل غيره وليس على ذكر ،فالرجال في زماننا باتوا كالمرجان يجب الغوص في الاعماق للعثورعليهم.
سارت في الشارع و هي لا تشعر بالازدحام من حولها واصوات الباعة وابواق السيارات التي تصم الٱذان ،وفكرت في ما ستفعله ،لقد كانت محظوظة لأنها لم تقدم استقالتها و حافظت على منصبها كطبيبة في إحدى القرى الصغيرة ،فكرة الهجرة كانت تراودها في مجتمع بات الكل يرغب فيه المغادرة ،لقد ضاقت في نظرها الآفاق والدنيا بما رحبت رغم انها كانت فرحة لانها اصبحت حرة طليقة لكن كانت تلك الهواجس تعود بها الى تلك المخاوف الكامنة في سويداء قلبها و فكرها المشتت بين رغبة الانطلاق و تساؤلات الغد الذي بدا لها اسودا .
من المؤكد ان اخوتها لن ينظروا اليها بذات الحب و الحنان الذي ألفته منهم ، قادتها قدماها مرغمة الى بيتها في اعالي العاصمة ،مر كثير من الوقت من حولها دون ان تشعر بذلك ، بينما هي تسير في الطريق غير منتبهة صادفت صديقة طفولتها “سعيدة” كانت تحمل طفلا رضيعا بين ذراعيها ، “سعيدة” غادرت الحي منذ أمد بعيد و لم تكن حينها قد تزوجت ، فرحت برؤيتها ، كانت السنوات قد فعلت فعلتها و غيرت الكثير من ملامح “سعيدة” و التي لم تعد تشبه الصورة التي احتفظت بها في ذاكرتها .
سألتها عن احوالها فكان الجواب سيل من الشكوى و الألم و قليل من الامل ، سعيدة كانت متعبة من ثقل المسؤولية ومن زوجها السكير الذي كان لا يكاد يميز بين الليل و النهار.
سألتها سعيدة عن أحوالها ، فردت “منيرة” بأنها حصلت على ورقة الحرية ، الطلاق انعتاق علقت “سعيدة” بنبرة مشبوبة باليأس و الحزن و أضافت :
“سأراك لاحقا ، خذي رقمي لنبقى على اتصال ، انت محظوظة صدقيني…..”
واصلت “منيرة” السير باءتجاه بيت أسرتها ، لم تكن تحذوها الرغبة لركوب الحافلة و لا الميترو ، كانت تريد السير و تمنت لو ان النهار يطول اكثر ، لقد رفض والدها و اخوتها بل حتى امها مرافقتها للمحكمة ، برغم انهم تركوا لها حرية القرار لكن لم يكونوا موافقين ان هي اختارت قبول الانفصال عن زوجها و حسسوها بأن المرأة بلا زوج هي امرأة مبتورة منقوصة السيادة و لو كانت تحمل أعلى الشهادات و تتبوء أرقى المناصب.
عندما بلغت بيتها العائلي شعرت بقلبها يخفق بقوة ، هل كان ذاك خوف منهم أم من ردة فعلهم؟ ، في الحقيقة لم تكن تعلم حقيقة ذلك الشعور الغريب الذي انتابها في تلك اللحظة بالذات و هي تخرج المفتاح من حقيبة يدها الأرجوانية و تديره في القفل بيد مرتجفة .
“منيرة” لم تعرف الخوف يوما حتى من زوجها الذي اختارته عن قناعة و تغير في وقت وجيز حتى أنها أضحت تعيش معه أسوء كوابيسها ، اهانته المستمرة لها ، تهديدها بالطلاق عقب كل خلاف ، ورفضه القاطع بأن تنجب له طفلا ، خدعها حين أخفى عنها أمر زواجه من أخرى و كرهته أكثر حين بات يمارس ارهابا نفسيا عليها أحرق أعصابها
حين دخلت الى الصالون كانت العائلة كلها مجتمعة و كأنهم ينتظرون حدثا جللا ، كانوا يتبادلون النظرات في صمت و ريبة فيما بينهم ، لتبادر والدتها بسؤالها ماذا حدث؟، كان سؤالها جافا على غير العادة لمست من نبرته خوفا و كراهة قبل أن تعرف الاجابة .
“لقد انفصلنا ….، لقد تم الطلاق بيننا بالتراضي”
“هل هذا يعني انك رضيتي بقرار الطلاق؟ !” ، صاحت والدتها منتحبة
الطلاق ليس نهاية العالم يا أمي قالت و هي تحاول ان تخفف عنها وقع الصدمة
“الطلاق فضيحة” ردت والدتها و كذلك فعل اخوتها ، الذين صاحوا في وجهها بصوت واحد و صرخوا منددين ” نرفض ان تعيش بيننا مطلقة !! “
لم تصدق ما سمعته منهم و خيل اليها أنها بين غرباء ، تعرت امامها اقنعتهم و نفاقهم ، لم يواسيها أحد و لم يحاول ان يداوي جراح خيبتها احد أيضا، حتى والدها الذي انهار على الاريكة و كأن السماء بكل ثقلها سقطت عليه ، ظل صامتا يمتص غضبه بتدخين سيجارة أمسكها بين اصابعه بتوتر .
كانت نظراتهم باردة و رصاصية حادة رمقوها بسهام حقدهم الذي تعرى أمامهم في لحظة ما كانت تظن أنهم سيتخلون عنها في زمن احتياجها اليهم ، ما ظنت أنهم سيتركونها حين غدر بها من ظنته انيسا لها في وحدتها و من اعتقدت جزافا بأنه سيضحي بأي شيئ في سبيل سعادتها ، فالأب من كد و كابر ليراها تكبر أمامه و تصير طبيبة ، كيف نسي بأنها ابنته الوحيدة التي عاش يترجى الخالق أن يراها ناجحة فقط لأنها قررت الانفصال عن زوج عمد الى تدميرها و فعل كل شيئ من أجل ان يكسر كبرياءها لأنها كانت ناجحة حيث فشل هو أن يكون
“الرجل أشد ما يكره أن يرى نجاحك ،و أنا كنت ناجحة “، صرخت بتلك الكلمات في وجوه هؤلاء الجبناء من أفراد عائلتها ، عائلة قررت التخلي عنها في مساحة زمن خوفا من كلام الناس ربما
عرت وجوههم الواجمة الواحد تلو الآخر و هي تخاطبهم بنفس اجتاحها الغضب و اليأس قائلة :
” أدرك بأنكم تستحون مني الآن بعد أن حصلت على الطلاق ، أدرك بأنني صرت تلك المنبوذة مجتمعيا ، و اعرف أيضا انكم ستذهبون الى زوجي و تترجونه ليعيدني الى عصمته ، لكنني لن افعل ، القرار لم يعد بيدكم الآن !”
ألقت بنظراتها المتعبة في محيط ذلك البيت و كأنها تريد أن تحتفظ ببعض جزءياته في ذاكرتها المرهقة ، ولجت غرفتها فتحت الخزانة على مصراعيها ، فتشت عن بعض أغراضها ، جهزت حقيبة سفرها و سحبتها وراءها مودعة اهلها بذات البرودة التي استقبلت بها ، غادرت بيتا عاشت فيه شطرا من طفولتها و شبابها ، و عانق أحزانها و نجاحاتها و اولى خطواتها ، فتحت الباب و انطلقت باءتجاه مجهول لا تعرف تفاصيله و لا احداثيات قدر قد ينصفها أو يقضي عليها و يتحالف ضدها.
سارت في الشارع و الرياح تخطف دموعها المنهمرة ،كان المطر وشيكا ، اتجهت الى المحطة ، حجزت تذكرة و انتظرت مجيئ القطار الذي كانت صافرته تصل الى مسامعها من بعيد .
بينما هي شاردة الذهن و راسها مثقل بالتفكير ، صعدت العربة بحثت عن مكان منزوي بعيدا عن الناس ، وضعت حقيبتها و أسندت راسها الى النافذة و تدثرت بمعطفها واستسلمت لنوم عميق و هي لا تدري الى أين ستسافر و تحط بها سفينة الاقدار ، و ليس معها سوى حقيبة نقود ، جواز سفر ، و بعض المصوغات و ورقة طلاق و كثير من الاحلام التي كانت تريدها أن تزهر قبل أوانها لتثبت للجميع بأن الطلاق ليس نهاية الحياة بل بدايتها لأن أول الغيث قطرة و اول النجاح خطوة .
 
 
 
بقلم / نادية بوخلاط

admin

فتحى الحصرى كاتب صحفى عمل بالعديد من المجلات الفنية العربية . الشبكة .ألوان . نادين . وصاحب مجلة همسة وناشر صاحب دار همسة للنشر ورئيس مهرجان همسة للآداب والفنون

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى