ط
مسابقة القصة القصيرة

قصة (زقزقة العصافير) مسابقة القصة القصيرة بقلم / منى حسين .مصر

زقزقة العصافير

                                                                   دكتورة / منى حسين  ..مصر

كلما أخلو لنفسي أتذكرك، كأنك جزء منى، أتوه عنك فقط لأدوار أعيشها، لكني لا أنساك، فأنا دائما أحادثك، وأسترجع رقيق كلماتك، تثير عقلي وتحاوره، لكني ألتقطها وأجيب، وأضحك وأكاد مع كل كلمة أعلنها أنى أحبك، عيني وبسمتي تعلنها أني أحب، دائمًا معي وفي ذاكرتي.

حين أصحو أتسابق مع نفسي لأعلن أن اليوم لا يبدأ عندي إلا بذكرك، فأرسل لك أجمل وردة مصحوبة ب “صباح الخير”.

 وأختلس الدقائق لأهاتفك وأسمع صوتك، وأختلق الموضوعات كي يطول حديثي معك، ونتطرق لكل الموضوعات، فقط حتى أسمع صوتك وأطمئن عليك لأطول وقت ممكن، فقد أصبحت من أهم عاداتي كأنك لا تفارق قلبي أو عقلي، بل وتصاحب دقات قلبي وهمسات عقلي.

أناشدك وأدعو الله أن يجمعنا معًا، حتى لا نفترق، كي تهدأ نبضات قلبي وبدلًا من أن تنبض بحثًا عنك، تنبض لتعانقك، وتهتف بإسمك،

 أرسم كل يوم ملامح حياتي معك، لا أستطيع أن أتخيل كيف سنفترش نفس الفراش، وكيف ستكون وسادتي ذراعك، والنغمات المصاحبة لنومي هي دقات قلبك، والهواء الذي أتنفسه مر بصدرك، ولتكتمل لوحتي بأن بشرتي بها بقايا من لمساتك، كيف سأجرؤ على الاغتسال والتخلّي عن بصماتك التي على وجهي وجسمي.

أظن أنني لن أبرح صدرك؛ فاشتياقي لك لن يروي بين ليلة وضحاها، لا يكفيني ما تبقّى من عمري ليعوضني بعدك عني، أحتاج فوق عمري أعمارًا، أعانقك فيها، وأستسلم بين يديك حبيبة أثلجَ صدرها حبيب يروي ظمأ حبها، ويروي أزهار حياتها التي كادت تذبل وحيدة دونك.

اليوم أعلنها أنه يتسابق مع الزمن ويخطو خطواته سريعًا ليعد مسكننا الذي سنلتقي فيه بلا فراق إلى الأبد.

ما أجمل ساعات الرضا بيننا حين نتحاور ونتفق، حين نتعانق ونلتقي على شوق، كلما أتخيل أننا سنكون معًا أشعر أنني في طريقي إلى الجنة.

 حبيبان، آمال تحققت وحياة رُسمت بلا شقاق أو تعب، رحلة انتهت ورحلة تبدأ، إنها مكافأة القدر، فقد حُرمت هذا الشعور طيلة حياتي، فقد أفنيت حياتي في خدمة والدتي ووالدي، واعتنيت بهما ورعيتهما، ورحلا وهما يدعوان لي، بأن يعوضني الله عن عمري الفائت، وعن كل ما قدمته لهما.

فأنا ابنتهما الوحيدة، وأملهم ومستقبلهم وزهرتهم التي ظلّا يرويانها بكل ما لديهما من عمر وجهد ومال وصحة، فلم أبخل بكل ما لديّ، ووهبت حياتي لهما، إلى أن تركاني وحيدة، أعاني الحرمان والوحدة، وأعيش معهما ذكرى وأدوار، وأفتقد رعايتي لهما ونصائحهما وحنوهما عليّ.

إلى أن جاء حبيبي ليحنو على ويضمني لصدره ويحتويني، ويعوضني عمّا فات من عمري، أحسست أنه أعادني للحياة بعد أن تأكدت من أني فارقتها إلى الأبد بفراق والدي.

اليوم أتنفّس، قلبي ينبض ويحيا ويفرح، وترتسم البسمة على شفتي، وعيناي عاد ضوؤها ببريقه ينادي حبيبي، ويوجّهني وجهته لاحتياج لن يلبيه غيره، فهو من يستحقني؛ فحياته كانت مثلي، ضحّى بالكثير، واليوم كافأَنا القدر بأن جمعنا معًا، علّها مكافأة نهاية الخدمة أو مسابقة فُزنا بها.

بعد أيام سنكون معًا، ومشاعرنا هي التي توجهنا، ونحن نستجيب لها فقد فقدنا صدورًا كنا نتجه إليها وقت حزننا وفرحنا، وكأننا ألقينا معها كل همومنا واليوم قد عوّضنا الله ببعض.

فقد هجرت كل مَن حولي لا صديقة ولا صديق، وكل من حولي زملاء وقت عمل، إن انتهى وقت عملنا تباعدنا إلى أن نلتقي في يوم عمل آخر، مع بعض المجاملات الاجتماعية والإنسانية، وأعود لوحدتي مرة أخرى.

 اليوم جاء دور الأمل بوجود حبيبي ليخرجني من ظلمة أحياها، هو فارس أحلامي الذي سيحملني على حصانه الأبيض وينطلق بي إلى جنتنا التي تعاونّا في انتقائها وفي تجهيزها بكل الحب والرضا إنها تنتظرنا وها نحن قادمان.

وجاء يوم الزفاف وألبسوني ثوبي الأبيض، وكنت كفراشة تفرد جناحيها لتطير إلى صدر حبيبها، وتلقي برأسها عليه ليعيد لها الأمان والحنان، ليشعرني لذة الحياة التي حُرمت منها، وقد أعدّوني لحبيبي والعيون حولي تتساءل، عروس في مثل هذا السن وعريس يشبهها؟!

لكنه الحب الذي أزال من فوق ملامحي علامات الحزن والشقاء، فمنذ أن عقدنا قراننا، والكل يحسدنا على حبنا، ويستكثرونه علينا، أسمّي وأكبّر في نفسي، إنهم لا يعرفون شيئًا عمّا عانيناه سنوات عمرنا الفائتة، وقلبي يتمتم بكل التمائم حتى يحفظنا الله من عيونهم، إنها نهاية المطاف.

أغمضت عيني، ما هذه الأصوات إنها العصافير تزقزق وتنقر زجاج شرفتي لقد طلع النهار لماذا أيقظتموني أيتها العصافير؟ كنت على وشك فتح باب الحياة ودخولها إنها بُشرى خير، فهي تعزف لتُحيي بقلبي الأمل، ربما أجده في يوم من الأيام.

admin

فتحى الحصرى كاتب صحفى عمل بالعديد من المجلات الفنية العربية . الشبكة .ألوان . نادين . وصاحب مجلة همسة وناشر صاحب دار همسة للنشر ورئيس مهرجان همسة للآداب والفنون

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى