ط
مسابقة القصة القصيرة

مرغريتا.. مسابقة القصة القصيرة بقلم / بن زخروفة محمد من الجزائر

مرغريتا
1 ـ

كانت نظراتي تترد كثيرا على صورة الموناليزا المعلقة على الحائط الجانبي لمكتبي المتواضع ، لم تكن هذه الصورة قبل هذه اللحظة تعني لي شيئا ، وقبل أن أشيع حب مارغريتا إلى مثواه الأخير ، كانت تلك الذكريات السعيدة تشكل جاذبية قوية نحوها لما كانت مارغريتا تقصد مكتبي باستمرار وتسألني عن الصورة ذات الوجهين التي تملأ نظراتها الحادة زوايا المكتب فكان ردي : لأنها تذكرني بك أثناء غيابك عزيزتي ، وكأني أنا من رسمها لإرضاء قلبها وترويض حبها ، قد تتحول الدعابة إلى جد : صراحة مارغريتا لم تكن تشبه الموناليزا في شيء غير أن فتح المجال أمام تشبيهها بها أصبح واقعا في ناظرينا : فكانت كلما دخلت المكتب أقوم من مكاني وأفتح ذراعي مرحبا بها : أهلا بالموناليزا الجديدة ( قد لا أكون مخطئا لو قلت أني سأنسى وجود الصورة بمكتبي لولا ذكرى مارغريتا…) فتبتسم وتحدق بالصورة ثم بي ، لكن بعد لقائنا الأخير أصبحت أرى الموناليزا من جنبها الكئيب ، وأصبح دخولي للمكتب كدخولي إلى محكمة أكون فيها أنا القاضي والمتهم والمجرم و المحامي ، لكني أخرج من المكتب دون عدالة أو حكم بين…، لماذا النساء هكذا ، يمنحوننا الراحة والحب ثم يسلبون منا كل شيء دفعة واحدة ؟ كم أنت قاسية يا مارغريتا ، يقال أن للموناليزا وجهان يعبران عن الحالة النفسية للشخص أثناء فرحه وحزنه ، فيرى للناظر أنها تبتسم أثناء سعادته وتحزن حين حزنه ، وأنا عايشت الأمرين لكن في جانب مختلف ، فأنا لم أرى قط الموناليزا حزينة قبل رحيل مارغريتا ولعل ذلك بسبب سعادتي المفرطة بتواجدها ، لكن اليوم صارت الموناليزا تستقبلني بمكتبي بوجه مقبوض عابس كئيب يدل على حزني قبل حزنها لفقدي مارغريتا ، فكرت كثيرا بتغيير مكتبي وبشيء أقل في نزع الصورة أو تغييرها لكن لا أظن أن هذا سيزيل شيئا من كآبتي ، كم كنت محتاجا أن أعرف نواياك قبل الحب وقبل إفلاسي ثم فقري يا مارغريتا ، لكن قد يصبح الرجال حمقى بعد هوس الحب ولا يفرقون بين الواقع والحلم ، لكن سأنتظر قراءتك رسالتي الأخيرة
2

(يفتح السكرتير الباب بعنف)
السيد ألفريد ، هناك خبر جديد
ـ وكيف لك أن تفتح الباب بهذه الطريقة ؟
(يغمغم السكرتير مبتسما)
ـ وما الفرق بيني وبين مالغريتا ؟
ـ الملائكة لا تحتاج طرقا على الباب للدخول ، أما أنت….
ـ بل قل شياطين الجوسسة ،السيد ألفريد ليوفانتي بيدوس
ـ وكيف لك أن تجهر بصوتك هكذا أمامي ؟
( ثم يستطرد ألفريد قائلا)
ـ لكن لا عيك قد تتساوى رُتب الرئيس والمرؤوس عند الإفلاس.
ـ بل قل عند ضعفك سيدي ، قلت خبر جديد قد يسرك.
ـ ماذا تقصد ؟ هل عادت مالغريتا ؟
ـ مازلت تهذي بها وبالمناليزا
ـ كيف؟
ـ همساتك قد تعدت عتبة باب مكتبك سيدي
ـ أتعني ….
ـ نعم قد سمعت كل حديثك في خلوتك التعيسة هذه ، اجلس وهدأ ، قلت أنه خبر سيسرك.
بعد إفلاس الشركة بسبب قلة المبيعات وخلق شركة مناوئة لنا ، قمنا بتوزيع منتجاتنا على متعاملين جدد في المناطق الجنوبية المعزولة ، وحسب الإحصائيات الدورية والشهرية للشركة فإننا حققنا الفائدة المرجوة ، وبذلك استعادة الشركة بريقها وهيبتها المقودين في الأسواق المحلية.
وفضلا عن ذلك سيدي ،يمكن أن تقول أننا قد ضربنا أكثر من عصفورين بحجر واحد ، والانسداد الذي أصاب الشركة فتح لنا أبواب الخير على مصراعيها.
ـ أنت عظيم أيها السكرتير ألفيرا سواكيرز.
ـ قلت أننا حققنا فوائد للشركة، لكن هناك سيئة لك قد لا تسرك أبدا.
ـوضح أكثر….
حسب جريدة الأنباء الصادرة أول أمس أن الشركة المناوئة ما هي إلا شركة محتالة ، وأغلب منتجاتها مستوردة عن طريق التحايل على الحكومة ودون دفع ضرائب ، لذلك فقيمة منتجاتها منخفضة ولا تراعي الشراكة المتفقة عليها من طرف الشركات الوطنية والأجنبية ، والثمن الزهيد المقترح على منتجاتها للمتعاملين أدى إلى ركود شركتنا في الأسواق المحلية ، وبعد التحقيق الصادر عن الحكومة وكشف تحايل الشركة سحبت كل منتجاتها من السوق ، وسيحاكم مديرها.
ـ أتقصد أن منتجاتنا ستعود إلى الأسواق من جديد ؟
ـ نعم ويعني ذلك أننا قد حققنا أرباحا مضاعفة شملت مختلف ولايات الوطن لذلك قلت لك أننا ضربنا أكثر من عصفورين بحجر واحد.
ـ مرحاا لك أيها السكرتير ،بل سأسميك الزعيم وبإمكانك من الآن مقاسمتي هذا المكتب.
ـ لا طمع لي في ذلك سيدي ، ما يهمني هو سمعة الشركة واستقرارها ، لكن لا تستعجل ، قلت هناك سيئة في الموضوع.
ـ لا أظن أن شيئا سيعكر صوف فرحتي هذه ، حتى الموناليزا بدأت تبتسم…. ، لكن قل ما السيئة.
ـ هي ماغريتا عميلة ومحتالة وجاسوسة سيدي.
ـ ماذا تقول ؟ لولا أنك أسعدتني لكن قد….
ـ لا تستعجل أود أن أخاطب عقلك لا قلبك ، اجلس أرجوك.
ـ تفضل.
ـ قد نشرت الصحيفة صاحبة الخبر أسماء الأشخاص المنسوبين للشركة والمحكوم عليهم بجرم التحايل ، وقد ورد اسم مارغريتا أمادوس بينها ، ولم تكن في حقيقتها سوى عميلة استدرجتك إلى قلبها إلى أن سلبت منك بعضا من تقارير الشركة والمتعاملين الفاعلين معنا وكذا الملف السري الخاص بإنشاء الشراكة والتوقيعات بين طرفي الحكومة والشركة ، ثم اختفت.
ـ أتعني أني مغفل إلى هذه الدرجة ، الزعماء لا يخطئون يا ألفيرا.
ـ بل يخطئون حين يصيبهم هوس الحب، حكم عقلك قليلا ‘ وإليك الجريدة صاحبة الخبر وكذلك تفاصيل التقرير الذي سهرت على أعددته منذ أول أمس وأنت تغط في أفكار هواك وما يمليه فؤادك ، أردت أن انتهي كل شيء حول الموضوع حتى أنزع الواقع الأسود من العالم الافتراضي الذي كنت تعيش فيه.
ـ بعد أن سلمتها رسالتي الأخيرة، كنت قد وعدتها بمنصب في الشركة وقد قرأت في عينيها غموضا ما ، تيقنت اليوم أنه شعور بالندم حيال نيتي الصادقة تجاهها ، كم أنت قاسية يا مالغريتا
(يستدير السكرتير مبتسما ، مخاطبا ألفريد)
ـ لكن ماذا تقصد بمنصب في الشركة؟ وغالب الظن سكرتيرة ، كما تشتهي أغلب الموظفات، ,أظن أنك كنت ستتخلى عني كسكرتير أو تجبرني على الاستقالة .
ـ لا تؤول حديثي.
ـ بل قلبك من يؤوله، أتعلم سيدي : أمر مالغريتا هذا يذكرني بالجاسوسة الألمانية الشهيرة ماتا هاري التي تسببت في موت أكثر من 50 ألف جندي فرنسي ، عندما سيطرت على قلوب الجنود وعقولهم فأخذت منهم أسرار الدولة و الجيش .
ـ حين يمنحنَّ لنا النساء الحب يأخذن أي شيء يردنه يا ألفيرا.
ـ أتدري سيدي ؟ غبريال دامنز ، جيوفاني جيوكومو كازانوف ، الملك كارول و-الجنرال شانك سونغ شانك ، روميو ،كلهم حمقى لأنهم أسسوا تاريخ حب مزيف لا يزال الناس إلى يومنا يذكره. وكلهم خرجوا من فوهة الحب يحملون هفوات وخطايا عديدة عجلت بموتهم .
ـ إذن لا تنسى أن تدون اسمي بينهم : السيد ألفريد ليوفانتي بيدوس الذي حطمت عظمته امرأة.
ـ أنت قد استدركت خطيئتك.
ـ بل قل الحظ استدركها ألفيرا.

admin

فتحى الحصرى كاتب صحفى عمل بالعديد من المجلات الفنية العربية . الشبكة .ألوان . نادين . وصاحب مجلة همسة وناشر صاحب دار همسة للنشر ورئيس مهرجان همسة للآداب والفنون

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى