ط
الشعر والأدب

أجهضتُ البنات وأنجبتُ البنين….بقلم الكاتبة / نور الموصلي . سوريا

لم يستطع رحمي الهشُّ حمل بنتٍ بضفائرَ وفساتينَ وفراشاتٍ وأحلامٍ كبيرة، كان صغيراً عليهن، لم تكتمل إحداهن في جوفي، لم أنعم بلمسة أنملٍ صغيرٍ منهن تربِّت على جدار بطني وتهمس لي: “سأحملك حين أكبر كما حملتني طويلاً”.

حلمتُ كثيراً بطفلةٍ تحمل لون عينيَّ وشغفي بالكتابة وطموحاتي اللامتناهية، بعروسٍ أضع طرحةً على رأسها وأغنِّي لها (طلّي بالأبيض)، وأسلمها لحبيبها وأقف قبالتها أشير لها كيف تتمايل غنجاً بين يديه.

اشتريتُ فساتينَ عديدةً لسنوات عمرها المختلفة، وأحذيةً بكعبٍ عالٍ، وإكسسوارات ملونةً، وتيجاناً ماسيةً، وعرائسَ باربي، ثم خبَّأتها في حقيبةٍ خاصةٍ لابنتي التي لن تأتي.

كتبت لها رسائلَ كثيرةً، بحتُ فيها بكل أسراري، تلك التي ما كنت سأبوح بها يوماً لسواها، ثم أحرقتها.

تشاجرت مراراً مع أبيها الذي كان سيمنعها من الخروج وحدها من المنزل، وسيقيُّدها بجلبابٍ طويلٍ وعاداتٍ باليةٍ، تشاجرنا طويلاً ثم صمتُّ.

أمليت على أخويها عظاتٍ طويلةً عريضةً عن حسن معاملة الأخت، ونقرت دماغيهما بعبارة (البنت لا تُضرب).

رسمتُ لها حياةً جميلةً كما أشتهي، خططاً طويلةً تتضمن دروسَ موسيقا وأنديةً رياضيةً وورشات كتابة، ونمَّقت لها مكتبةً خاصةً تضمُّ كلَّ ما عشقته من كتبٍ، اعتنيت بكل تفاصيل حياتها الدقيقة، حتى أنني اخترت لها فستان التخرج.

زرعت في أيامي بِرَّاً وافراً بين يدي أمي لأحصده بين يدي ابنتي، ثم أحرقتُ بساتيني.

حميت بناتي من عالمٍ متوحشٍ كان سينهش لحومهن ويحبسهنَّ خلف قضبانٍ حديدية، أو يخظفهن مني كما خُطفت بالأمس جوى، وصنتُ قلبي من حرقةٍ أبدية.

أجهضتهنَّ بكل أسى وأنجبتُ صبياناً سيديرون ظهرهم لي ما أن يشبُّوا، وهيأتُ نفسي لشيخوخةٍ بائسةٍ بلا كفٍّ حنون.

admin

فتحى الحصرى كاتب صحفى عمل بالعديد من المجلات الفنية العربية . الشبكة .ألوان . نادين . وصاحب مجلة همسة وناشر صاحب دار همسة للنشر ورئيس مهرجان همسة للآداب والفنون

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى