ط
مسابقة القصة القصيرة

قصة (الدميم ومكعب الروبيك) مسابقة القصة القصيرة بقلم / محمود خالد عبد الجواد .مصر

الاسم: محمود خالد عبد الجواد
الدولة: مصر
رقم المحمول: 01004907933
رابط فيسبوك: https://www.facebook.com/mahmoud.qudsy
نوع العمل: قصة قصيرة
اسم العمل: الدميم ومكعب الروبيك

دق جرس الفسحة، انطلق الجميع مثل العدائين في دورة أولمبية، بقيت وحيدًا وسط أجهزة الحاسب والكراسي المتناثرة، أختلس الدقائق وأحتسي كوبًا من القهوة، حينما سمعت صوتًا غريبًا.
سمعت صوت نشيج قادم من الخارج، تركت قهوتي وخرجت مسرعًا، وجدت جسدًا صغيرًا يجلس القرفصاء عند ركن بجوار غرفة المعمل، يخفض رأسه فوق ذراعيه المستندتين فوق ركبتيه.
قلت فَزِعًا: ما بك يا بني؟
لم يرد؛ دموعه المنهمرة تغرقه ونشيجه – الذي لا ينقطع – يصم أذنيه. صحت: اهدأ يا بني وأخبرني ماذا بك؟
رفع رأسه، رأيته مرتديًا قناع شخصية كارتونية، سألته مبتسمًا: هل تحب هذه الشخصية إلى هذا الحد؟
– لا.
– ولماذا ترتديه؟
– لأخفي وجهي الدميم عن أصدقائي.
صعقتني إجابته، سكتّ رغمًا عني. رأيته يرتعش، ربت على كتفه حتى هدأت سريرته.
– اهدأ يا بني وتعال معي!
جذبته من ذراعه ودخلنا إلى المعمل، أجلسته عند أقرب كرسي، سألته: ما اسمك؟
– مصطفى.
– اخلع القناع يا مصطفى!
لوح بوجهه يمينًا ويسارًا، كررت قولي بلهجة صارمة، نزع قناعه، تأملت ملامحه؛ رأسه الأكبر من جسده، عينيه الجاحظتين والشق الكبير في شفته.
همّ بارتداء القناع، أوقفته قائلًا: انتظر يا بنيّ! من الذي قال عنك دميمًا؟
– أصدقائي يسمونني (الدميم) ويرفضون اللعب معي.
– قل لهم إن وجهك من صنع الله!
– قلت كثيرًا ولكنهم لا يكفون عن السخرية مني، وعندما أعترض يضربونني.
قبّلت جبينه، وسألته أن ينتظر حتى أجلب له كوبًا من المياه. وعند الباب، سمعته يسألني: لو سمحتَ يا أستاذي، ما هذا المكعب؟
التفت إليه، رأيته يمسك بمكعبي الذي ألهو به في أوقات الفراغ، رددت: هذا اسمه مكعب (روبيك)، عبارة عن ستة أوجه، كل وجه به تسعة مربعات بألوان مبعثرة، مطلوب منك أن تجمع كل لون في وجه، وستكون الفائز.
تركته بضع دقائق، وعدت بكوب المياه، وقفت مذهولًا لمّا رأيته؛ الطفل يرقص طربًا ويرفع مكعب الروبيك، وكل لون صار في وجه.
لم أصدق، قلت: أنت عبقري؛ أنهيتَ المكعب في ثوانٍ، رغم أنك لم تكن تعرف اللعبة.
عانقته، وتناولت القناع وألقيته بعيدًا، قلت: لا ترتديه مرة أخرى!
وقف مترددًا، صحت: أنت لست دميمًا.
أهديتُه قطعة شيكولاتة كنت أخبئها في معطفي، غادر المعمل فرحًا بعد أن دخله تعسًا.
جلست أفكر في الطفل، حتى واتتني فكرة مذهلة. أسرعت إلى الناظر وأقنعته بفكرتي، هرعت إلى المعمل وكتبت ورقة، ثم نزلت إلى ساحة المدرسة وعلقتها عند باب الخروج.
دق جرس انتهاء الفسحة، وانتظمت طوابير الطلاب. انطلقت إلى منصة الإذاعة، تناولت الميكروفون، أعلنت عن تنظيم مسابقة (الروبيك) للطلاب العباقرة، أخرجت مكعبي وبدأت أشرح طريقة اللعب، ووعدت بمكافأة مالية وكأس وشهادة تقدير لأسرع من ينهي اللعبة.
انتظرت فسحة اليوم التالي، نظمت المباراة في الساحة، تقدم ثمانية طلاب، أحدهم طفل الأمس، وقف كل منهم خلف مكعب روبيك، والتف حولهم طلاب كثيرون لمشاهدة المباراة.
وقفتُ في المنتصف، وهتفتُ: من ينهِ اللعبة، يرفع يده ويقول (روبيك). امسكوا المكعبات. استعدوا… 5، 4، 3، 2، 1… انطلاق.
بدأت المباراة، وقفوا يحركون مكعباتهم، تعلقت عيناي بطفل الأمس وهو يتلاعب بالمربعات بخفة وسرعة… أحدهم ألقى مكعبه، والآخر أعطاني إياه وقال (أنا منسحب).
اشتعل حماس الطلاب المتفرجين؛ طفل الأمس يخطف الأنظار بسرعته؛ الكل يشاهده، والمنافسون يلتفتون إليه.
علا هتافهم “مصطفى… مصطفى”، رأيته يبتسم ويزيد من سرعته، توقف المنافسون تدريجيًا عن اللعب، ووقفوا يراقبونه.
أكمل المكعب ورفع يده، وصاح بأعلى صوته (روبيـــك)
صاح الجميع وعانقوه بقوة، ضجت الساحة بالهتاف والتصفيق، وقف مصطفى بينهم ودموعه تغمر وجهه، وآخرون منزوون بعيدًا، يرمونه بنظراتهم الحاقدة.
كتبت اسمه على شهادة التقدير، ومنحته الكأس ومكافأته المالية فوق منصة الإذاعة بعد انتهاء الفسحة، هتفت في الميكروفون: رحبوا بالعبقري مصطفى!
صفق له الجميع، ومنذ ذلك اليوم لم يعد دميمًا.

admin

فتحى الحصرى كاتب صحفى عمل بالعديد من المجلات الفنية العربية . الشبكة .ألوان . نادين . وصاحب مجلة همسة وناشر صاحب دار همسة للنشر ورئيس مهرجان همسة للآداب والفنون

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى