ط
مسابقة القصة القصيرة

قصة : عذابات الريم . مسابقة القصة القصيرة بقلم / إياد الريموني . الأردن

إيّاد الريموني
الأردن
00962779007878
https://www.facebook.com/Iyadalremoni
قصّة (عذابات الرّيم).
القهر والظلم قد لا يأتيان، لكن إلحاحنا المفرط؛ يجلب إلينا كل مكدّر لصفو العلاقات، وريحان الأنفس، ويجعل أجنحة الطيور المحلّقة تفقد ريشها، وتصبح كالرماح مغروسةً في صدور البلابل المغرّدة.
كلمات أمّي هذه خطرت لبالي وأنا أداعب وجهي بمساحيق التجميل، أمقتها كثيرًا لأنّها أوّل ما يجذب الزبون إليّ، لكنني أحببتها بعدما قال الشاب لي يوم رأس السنة الميلاديّة:
ما أجمل رموشكِ الصناعيّة!
في بنك الحارة الشرقيّة سألني الموظف:
هل تُريدين أن نجعل المبلغ وديعة مقابل فائدة سنويّة؟
لم أعلم أني لا أستطيع التصرّف بأموالي لمدة عشر سنوات، وعندما استلمت الفوائد في نهاية السنة التالية، وجدت رسالة بين النقود كتبها لي الموظّف ذاته، يخبرني فيها أنّه يُريدني ليلة مقابل فوائد يمنحني إيّاها؛ إن حصل على المتعة… لم أجد حرجًا في الموافقة.
مضى الشهر الأوّل على اللقاء، ولم أتبلل بالقطرات الحمراء، حرتُ في أيام الانتظار المعروفة لدى النساء، وخفتُ كثيرًا عندما قال الطبيب لي:
ماذا ستسمّينه إن كان ولدًا؟
لاحظ صمتي الطويل فقال:
حسنًا، وماذا إن كانت بنتًا؟ أجزم أنّها جميلة.
أنكر آخر الرجال في فراشي نسب من في أحشائي، ولطمني أمام بيته، بكيتُ كثيرًا أمامه؛ فثارت عواطفه، بنظرات مليئة بالشوق اقترب منّي، شعرت أنَّ الدنيا تبتسم لي لأوّل مرّة، وقبل أن أشعر بحرارة قُبلته التي توقعّتها قُلتُ له:
كُنتُ على ثقة أنَّ ظنّي بك لن يخيب، ولن تفرّط بوليد متعتك الذي سيأتي صدفة.
تمنيتُ الموت ألف مرّة؛ عندما وقف أمامي مُمسكًا بيدي، واضعًا بها مبلغًا يُقارب في عدده فوائد ثلاث سنوات مُجتمعة، شتمتهُ قبل أن يطرق الباب في وجهي، وهممت في عدِّ النقود فَرِحة، وراودني شعور النزوة من جديد، وشكواي لم تبلغ حُنجرتي.
أنتِ تستحقين المجد، لكِ من المقوّمات ما يؤهّلكِ لقبّة البرلمان.
هذا ما قاله لي الطبيب قبل أن أَلد بثلاثة أيام، كان في غاية اللطف معي دومًا، حتّى أنّه ذات يوم قبّل قدمي لأنّي شعرت ببعض الألم فيها، ولطالما أخبرني أنّ الرجل الحق لا كلمة له في حضور الأنوثة، ولا عمل له حينها إلا تقديس آلهة الجمال… ليت كل الرجال كذلك، يتحدّثون بلسان الطبيب مع شيءٍ من الخشونة.
وأذكر أنّي لم أستطع أن أعتني ببقيّة من ولدتهم، فوليد عضو البرلمان وضعناه أنا والطبيب في مبرّة للأيتام؛ بعد أن تكفّل مندوب الشعب بمصاريفه كاملة، تعهّد بذلك أمام الطبيب لأنّ علاقة الصداقة التي تجمعهما أكبر من أيّ مال على حد قوله.
أمّا وليد الفنان المشهور فكان حظّه أكثر رحمة، فقد تبرّع به والده إلى صديقته الفنانة التي خانها زوجها بسبب عقمها، أعطاها إيّاه على طاولة في مطعمٍ فاخر، بينما كنتُ برفقة الطبيب نراقبهما، شعرت بالحزن عندما أمسك الرضيع بشعرها، وبالفرح عندما أخرجت له ثديها… سُرعان ما أرجعته خلف الحمّالة، فقد كانت ردّة فعلٍ طبيعية لأم محرومة… هكذا فسّر الطبيب ذلك الموقف قبل أن يُحاسبني على أتعابي.
إيّاكِ ونسيان حبوب جفاف الأرحام.
أكثرُ جملة ترددت إلى مسامعي من الطبيب على الهاتف قبل قدومي إلى عيادته، أفضلُ من قدّرني في غزله الدائم بجمالي، لكنّي كنت أمقته كثيرًا عندما كان يقدّمني لأصدقائه، حاولت أن أثير غيرته أكثر من مرّة، إلا أنّ الحميّة الشرقيّة كانت على ثأر معه… لا أعلم أنا لماذا قُدّر له أن يكون هو الرجل! أنا أنثى بأنفاس رجل.
في الثانويّة كان ولدي عندما أمسكته مُضاجعًا لصبيّة لم تبلغ الخامسة عشر، لطمته يومها بشدّة، وتحت تأثير صراخي المدوي أعطتني الفتاة رقم والدتها، حادثتها بالأمر فقالت:
إن حَملت فعليكم كافة التكاليف التي يطلبها الطبيب لقاء العمليّة.
دهشتُ ولم أستطع التفوّه بكلمة، فأكملت قائلة:
لا نريد أن نحمّل الموضوع أكثر مما ينبغي، كل الزبائن نتعامل معهم بهذا المنطق.
بعد ترقّب علمتُ أنّها حَملت من صديقه، أخبرتني مُعترفة وهي تتوسل لي أن أزوجها ولدي، طردتها وهي تُشير إلى الطبيب بجانبي، وتقول بكلمات دوت في مسامعي:
فلينتقم منك الرب… كنتُ بكرًا إلى أن رأيتك.
خوفي من مكانة الطبيب في المجتمع البرجوازي؛ جعلني أصمت كثيرًا على الشكوك التي تراودني نحوه، فمرّة سمعتُ بعض النسوة يتضرعن في الدعاء عليه، وعندما سألتُ إحداهنَّ عن السبب، قالت في بكاء شديد:
مُنذُ بضعة أسابيع وابنتي مفقودة، رأيتها آخر مرّة عندما دخلت عيادته المشبوهة.
لم أفقد بريق جمالي في عقدي الخامس، بل زدت إثارة حسب أغلب الزبائن، شاحت أيام السوء بوجهها عنّي؛ عندما سافر ولدي لدراسة الفنون في بلاد الغرب، فلم يعد ذلك الرقيب المتقلّب في حالته النفسيّة علي، وأصبحتُ حينها حرّة طليقة من جديد كما هي الأيام قبل ولادته، ووسعّتُ نشاطاتي، وجبتُ أغلب الأماكن المرموقة بمساعدة من الطبيب، وبترحيبٍ من جميع أصدقائه الذوات… خاصمتني السعادة بعد حين، ولم أكن أعلم أنَّ القدر يُساق إليَّ مهما حاولتُ الفرار منه.
يومها لم أخرج من شقّتي، وانتظرتُ حتّى الغروب قدوم الطبيب، فقد أعلمني أنّه سيحضر برفقة طالب للمتعة، قُرع الجرس ففتحتُ الباب، يحمل باقة من الورد ذلك الشاب عندما دخل، في حجرة نومي وبعد قضاء المتعة أخبرني أنّه يشعر بتأنيب ضمير، وضيق صدر، بسرعة خرجت وأدخلتُ الطبيب عليه، بدأ بتفحّصه عندما بدأت جبهته تتصبب عرقًا، وفجأة كقرع طبول الحرب، سمعتُ تطبيلًا شديدًا على باب شقّتي، فتحتهُ بسرعة، وإذ بامّرأة تقاربني في العمر تصرخ في وجهي:
أين ولدي؟ معتادة عليه في بيوت البغاء.
شهرٌ بأكمله وأنا لا أجيب على اتصالات الطبيب، قمتُ باستئجار شقّة بالقرب من عيادته دون علمه، وبقيتُ على تواصل حثيث بأمّ ذلك الشاب، سهرت أيامًا كثيرة برفقتها محاولة مواساتها، إلّا أنَّ قلبها لم يُنسيها ابنها الذي مات في شقّتي، وشكل الحبوب الزرقاء التي كانت سببًا في نهايته… دفنه الطبيب رغمًا عنها وقال لها:
تعلمين عقوبة البوح بالسّر جيّدًا، إن نطقتِ بكلمة لفقّنا لكِ جريمة اختطافه.
باتت الدنيا وكأنّها صندوق مغلق على نفسي، عزمتُ الرحيل عن قذارة تجسّدت لي دومًا بثياب ألوانها قوس قزح، طرقت باب الظلم بشدّة، شرعتُ في التنفيذ قائلة:
وما النفسُ إلّا وليدة ثورة.
عن النحيب توقفت الأم فقط؛ عندما رأت الطبيب يبصق دمًا، وضعتُ له سمًّا في الطعام بعد أن دعوته لأمسية نجدد بها متعتنا، رقصتُ معه على ألحان الموت، قبل أن يجثو على ركبتيه متوسّلًا النجاة، رأيتُ حينها في عينيه ولدي يحمل شهادته متخرّجًا من الجامعة، ومعه عروسه ومن ثمّ طفليه، وشاهدتُ شابًّا خلف القضبان يتوسّل إليّ قائلًا:
الشارع كان ملاذي بعد خروجي من مبرّة الأيتام… أنا أتجرّع الفقدان.
وهويتُ بسكّين في قلبه؛ عندما رأيتُ ولدي والترابُ يُهال عليه، وتذكرّته عندما كان على صدري حرامًا، وشدّ أزري؛ دموع الفنانة، تلك التي ربتّه وعطفت عليه صغيرًا، وجُنّت ورَثته كبيرًا… هذا ما وددتُ قوله سيّدي القاضي، نعم… قتلتهُ رحمة بالآخرين، سننتُ القانون في لحظة، وطبقّته في لحظة ومزقّتُ صفحاته.
– النطقُ بالحكم بعد المداولة.

admin

فتحى الحصرى كاتب صحفى عمل بالعديد من المجلات الفنية العربية . الشبكة .ألوان . نادين . وصاحب مجلة همسة وناشر صاحب دار همسة للنشر ورئيس مهرجان همسة للآداب والفنون

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى