مازن عمر المشاركة قصة قصيرة
البلد: فلسطين
أنين الروح…قصة قصيرة / مازن عمر
قالوا: لا تذهب فالطريق محفوف بالمخاطر,به أصوات رنانة وصور ناعمة لكنها قاتلة!,كل من خطى وجازف عاد مجنوناً,وهناك من رجع بالهوس مفتوناً,وقلة من عادوا وحضنوا الصمت في خجل,و مازالوا صامتون وعيونهم متحجرة,لكني لم أعيرهم انتباهي,شيئاً قوياً بداخلي يناديني كي أسلك ذات الطريق,اعلم أن كثيراً غيري سلكوه ولكني ظننت أنني أختلف عن الآخرين,تلك الثقة التي طالما اعتزت نفسي بها كثيراً,لم أندم يوماً على قراراً اتخذته,وقد عزمت أمري,حزمت زادي من قناعات و بطولات وكلمات,وركبت راحلة أفكاري صوب الطريق,أول خطوات تبدأ تاركاً عالم بكامله خلفي,أصوات تتناثر في الأرجاء,لم أميز منها إلا القليل,(إلى أين يذهب؟!),(أجننت يا فتى؟!),لكن ما أثار حفيظتي حقاً,كلمة رنت في وجداني,(مسكين!),سمعتها من صوت شاحب تفوح منه رائحة الزمن,مضيت في الطريق ساعات و ساعات,لم الحظ أي شيئاً مريب,ارتحل من بلدة لبلدة,لا أجد ما هو غريب أو عجيب,لم يسألني أحداً عن وجهتي أو من أنا ,فالكل في هذا الدرب غريب!,وصلت إلى شاطئ مذوي بعيد,و كأني مع غروب الشمس في معاد,ترجلت و خيالي فرشت ثم جلست أرقب الأفق و الليل الجديد,ماء عذب ينساب بجوار المرج الخصيب,عبير الأزهار ينقله النسيم ليداعب الأنف و النفس ليستقر بالوجدان في حالة من الزهو المريب,رأيت الورود في أشكال لا يصنعها إلا الخالق المجيد,طرب الفؤاد و تمتمت شفتاي بالحان الحسن الرقيق,حوريات الزهور تغني للبدر المنير في حدقة السماء ,يعكس زرقتها الداكنة في مشهد بديع,فعشقت المكان و موجوداته,بتفاصيله الدقيقة , بمناظره الرقيقة,فقررت الاستقرار بجوار هذا الغدير,مع هذه النسمات و النغمات بين ليل عذب و صباح ندي مثير,تذكرت التحذيرات,و الإرهاصات و المناشدات,فتبسمت وأنا أغمض عيناي لأتمدد على العشب الأخضر تحت ظلال البيلسان,سؤال يلح على فكري,ماذا أضرهم من هذا الإبداع,أم أنهم ضلوا الطريق فلم يجدوه,نعم و لما لا فالمكان كأنه بكر لم يمسسه بشر من قبل,يا فرحتي,لقد وجدت مملكة روحي و خيالاتي,مرت ساعات الليل وأنا غافي بين أحضان الطبيعة,حتى داعب خيط الصباح جفني,اعتدلت و للغدير ذهبت, أغسل السبات عن وجهي,في الأفق نظرت,فوجدت الشمس تتهادى بهالة من شعاع الحياة,الكائنات في هذه البقعة فرحة,بوصول ملكة الصباح,جلست أنظر و الابتسامة لا تفارق مبسمي,من بديع ما يدور حولي,أو علي أيقنت تقبل المكان لوجودي فأعلنت الانتماء إليه,مضى الوقت و بمرافقتي الرضا,تذكرت كلمة قالوها حين رحلت (مسكين) فضحكت وقلت من ألان المسكين؟!,حينها رأيت ظلال بيضاء تسبح في السماء!يصدر منها صوت لم أسمع ارق منه من قبل,صوت جعل من كينونتي طوفان أحاسيس لم أعهدها من قبل,تتبعت الظلال بنظري و الصوت بجوارحي,و الشمس ترقب أمري,انسابت الظلال عند الغدير,ولاح من وسطها امرأة لست كأي من النساء,ثوبها ابيض حريري,شعرها ذهبي يجاوز خاصرتها,عيناها البحر العميق,لونها كبياض الثلج في ليلة من ليالي كانون, عودها الخيزران ,يحوطها فتيات حسان و كأنهن الحور العين,يتوسط شعرها الذهبي تاج من الماس ,أخذت تداعب الماء بقدميها,و الفتيات يمرحن من حولها,زادت الغدير شهداً من عذوبة حين لامست صفحاته,لم تشعر إحداهن بوجودي,أما هي فكانت في عالمها الخاص,وتملكني السكون,أشاهد آيات الحسن البراق,لم أتحرك قيد أنملة,حتى استأنست الطيور كتفي,لوحة لا تصفها الكلمات,فالمعاني متحجرة بعقلي,ثم استدارت فرأتني,ظننت بها الخوف أو الوجل لكنها,بنعومة رمقتني,ثم عادت لصفوها تداعب الماء وكأنها تلمس وجدي,مضى اليوم وكأنه لحظات,غاب عني الوقت والزمان,و تسمرت قدماي ,ما أعذبها و أجملها,هل هي من البشر,أم حورية في هيئة بشر؟!,ترافقت الأفكار في راسي مع الأمنيات لاحت في الأفق ما بين الفنية و الأخرى بعض ابتسامات,كم من مرة رنت و ابتسامة رمت,وأنا كشاهد التصويب و النظرات و الابتسامات سهام تخترق الفؤاد,عندها رعشة أصابتني,زلزال يخترقني,عيناي أغمضت,أقاتل لكني أقاتل من اجل النظر,أخيرا وقف كل شيء و سكت,وعيناي فتحت لم أرى غير سقف قديم وصوت من جواري ينادي(قم بني …فأن فاتك الباص تأخرت على عملك!),قمت من فراشي, ونفسي تقول (يا لك من مسكين…كم من حلم سجن صاحبه).
تمت