ط
مسابقة القصة القصيرة

أنين الصمت .مسابقة القصة القصيرة بقلم / مطيمة عايد من الجزائر

اسم المشارك :فطيمة عايد.
بلد المشارك :الجزائر
قصة قصيرة بعنوان :أنين الصمت
—————————————-
كانت كريمة تحرك كسرتها على نار ملتهبة كالتهاب قلبها من الحزن والأسى ؛وتذرف دموعا من عينيها تحذر أن تسقط على كسرتها التي كانت تنضج على طجين من طين …هو ذاك الطين الذي خلق منه الناس من حولها ؛لقد لان إليها فصنعت منه هذا الطجين.
أكملت المسكينة طهي كسرتها ,ثم وضعتها على طبق مصنوع من الحلفاء والصوف وحملتها مع إناء اللبن إلى زوجة خالها دليلة ؛فأمرتها أن
تأخذ رغيفا من الكسرة وكوبا من اللبن إلى جدتها أم الخير .
أخذتهما كريمة واتجهت إلى الغرفة التي ترقد بها جدتها المريضة ,تلك
الغرفة التي تآكلت جدرانها الطينية ,فتناثرت ذرات الغبار عندما فتحت
كريمة نافذتها الصغيرة لتضيئها ؛بدت العجوز التي ترقد على سرير متهالك ؛صفراء اللون ,هزيلة الجسم من شدة المرض,فساعدتها كريمة
على النهوض وأسندت ظهرها إلى الجدار,ثم راحت تناولها كوب اللبن
فشربته ,أما رغيف الكسرة فهو أقوى من أن تقضمه أسنانها ,فأعادتها إلى فراشها وغطتها جيدا ,ثم خرجت إلى فناء البيت وهي تتحسر مما تراه حولها ….فالسعادة لا تعرف طريقا إلى قلبها ,لأنها ما لبثت أن تودع بالحزن أمّها هذا الصباح لماّ قدمّت لزيارتها ,وطلبت من دليلة السماح لها بالذهاب معهما لقضاء بضعة أيام في بيتهم ,لكن دليلة رفضت كعادتها وراحت تذكرها بفضائلها عليها ,وأنها ما تعبت في تربيتها منذ صغرها إلاّ لتخدمها وتطيعها في كل ما تأمرها به .
خرست الأم وابنتيها عن الكلام ,أما دليلة فسكتت برهة ثم أردفت تقول :
ومن سيخدم تلك العجوز في غيبتك ؟
فهمت الأم ما ترمي إليه دليلة بكلامها هذا ,لكن دليلة لم تفهم يوما أن العجوز هي والدة زوجها ومن الواجب خدمتها .
…..كانت تمشيان بخطى متثاقلة كمن كان يمشي في صحراء فنسي شيئا ثمينا ضيعه في الطريق,رجع إليه فلم يظفر به .
فالحزن والأسى يكادان أن يفتكا بقلب الأم التي فرطت في شيء لا تتخلى عنه الأمهات في أصعب الظروف (فلذة كبدها) وراحت تتذكر ذلك اليوم الذي سلمت فيه ابنتها لزوجة أخيها العقيمة ,بعدما أقنعتها أنها ستحسن رعايتها وتجعلها ابنتها المدللة التي ترث عنها كل ما تملكه من بعدها فآثرت الأم أن تعيش كريمة في كنف دليلة في نعيم خير من أن تتجرع معها مرارة الحياة في بيت تستأثر فيه (ضرتها )بكل شيء فيه ….ولكن هل تختلف الرمضاء عن النار .
كأن فيكتور هيغو يحاكي مرة أخرى قصة كوزيت التي سلمتها أمها فالنتين لعائلة ديناردير لأجل أن تعمل وتجمع المال وتشتري بيتا يجمعها .
فاتخذوا الطفلة عبدة لهم .
هبت رياح في تلك الساعة تحمل معها سحب سوداء ,وكأنها أرادت أن تشارك كريمة في حزنها الطويل,فقد مرّت أربعين سنة ولم تنعم بطفولتها فتلعب وتلهو دون أن تطعم الحيوانات وتحلبها وتنام في حضن أمها بدل أن تنام في غرفة جدتها التي تقضي الليل ساهرة تئن من المرض .
لم تعرف أحلام الشباب طريقا إلى قلب كريمة كما عرفتها الفتيات في زمانها ,لقد حرصت دليلة على ألاّ تأخذها إلى الأعراس في القرية خشية أن يعجب الناس بها فيخطبوها ,وعندئذ لا يمكن أن تردهم مخافة أن يشاع عنها أنها سبب في عنوستها.

admin

فتحى الحصرى كاتب صحفى عمل بالعديد من المجلات الفنية العربية . الشبكة .ألوان . نادين . وصاحب مجلة همسة وناشر صاحب دار همسة للنشر ورئيس مهرجان همسة للآداب والفنون

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى