الاتجاهات المعاكسة
قصة قصيرة
بقلم / رمضان العلالقة
~~~~~~~~~
لم تكن امرأة كغيرها من النساء بل كانت مقتنعة بطباعها المجنونة و المتطرفة فاعتنقتها كعقيدة لا تؤمن بغيرها معتقدا غريبة تلك السيدة المثيرة للاهتمام و التي تعد رمز لكل النساء فهي تمثل القطبية التي تكتسب الصفاء و النقاء من الثلوج الساطعة المتراكمة على قممها حتى بلغت أعماق سفوحها قلقة و متوترة كالأحياء تحت تعامد الشمس بحرارتها الحارقة إنها تجمع كل الصفات و الانفعالات من شجن و مشاعر دافئة و اشتياق يلتهب به صدرها و غضب لا يهدأ كفوهات البراكين التي تقذف بالحمم بلا هوادة و أيضا تتسم بالسذاجة البريئة و التلقائية و اللامبالاة بقراراتها المتسرعة و ترددها عنيف الانحدار كالانهيارات الغير متوقعة إنها تتعامل بكل هذه الانفعالات في آن واحد و بكل تطرفها الغريب فهي سيدة كونية و تعبر عن كل نساء الكون
عشقت بتطرفها و بكل انفعالاتها المثيرة رجلا كان الأقرب لطباعها و كان مختلفا عن غيره من الرجال ظلت عاكفة كقدبسة في محاربه فتجاوز عشقها حد أفئدة العاشقات إنها امرأة استثنائية و غريبة بطباعها الحادة فكانت أشد ولها عن غيرها باختلافاتها المثيرة و تناقضاتها القاسية بحدتها فأرادت أن تفرض عليه أن يتبعها و يدور في فلكها بلا إرادة كأنه أحد أقمارها الذي يستمد منها وهجه فبدأت تزرع الشك كالشجيرات الشائكة على أطراف حديثها طنا بذلك أنها تثير اهتمامه أكثر و ألا يميل لغيرها من النساء و أن تجعل منه رجلا فريدا يتواءم مع طباعها المتناقضة و عاشقا لم يعرف تاريخ العاشقين مثله من قبل و ربما كان يراودها الشك بين الحين و الأخر إنها فريدة في كل شيء حتى شكوكها كانت خارج أطار المعقول كل شيء فيها متطرف و لا يمكن التنبؤ بردة فعلها و توقع عاقبة تصرفاتها المجنونة استبدت به حتى أوشكت أن تفرض عليه قيودها كأنه ضيفا على شباك العنكبوت و هو لم يكن بعيدا عن طباعها كل البعد بل كان متمردا بطبعه و لا يمكن أن يفرض عليه ما لا يطيق و أن يقبل بما لا يقبله و لكنه أسير تصرفاتها المجنونة فعشقها حد الجنون لذلك ظل صامدا أمام إرهاصاتها القاتلة كبحار يجابه أخطار الأعاصير في أعالي البحار المتقلبة حتى بلغ الصبر مداه فضاق صدره لما يسمع من شكوكها و اتهاماتها المتتابعة و التي لم تأتي بشيء إلا ٱلم رغم محاولات الاحتواء المستميتة و التي يأمل بها أن يثنيها عن ثورتها الجارفة و قراراتها المضطربة فبات كمشعوذ يقارع عناد الشياطين بين الأبخرة الخانقة و لم تثمر محاولاته عن شيء إلا رحيلها بشكل انفعالي و غير مقنع لعواطفها العميقة
و في دروب وحدتها المخيفة على حافة موجعة جلست إلى جوار حقيبتها المملوءة بإرهاصاتها المهلكة و ها هي على موعد مع رحيلها إلى حيث لا تعلم فاقدة بوصلة الاتجاهات و لا تدري إلى أين مسيرها فكانت كريشة تعبث بها الرياح العاصفة و لا تعلم متى تلقي بها و على أي أرض مستقرها لقد قررت بتسرع الرحيل عن حبيبها الذي كان لها كسحابة غيث فوق أرض شققها الجدب و بعد أن ساورها الشك الذي لا يرحم و تزاحم به صدرها و غيرة عمياء كانت أشبه بالأمواج التي تلاطم الشواطئ إنها محاصرة بين تناقضاتها شديدة الحدة و رغبة الحياة و رأسها المملوء بالأفكار المشتتة لقد فقدت تركيزها و سقطت بين فكي الحيرة الطاحنة راحت في غفوة عما حولها من أجواء كئيبة فأخذت ذاكرتها تجلب عليها لحظات من حافة الماضي القريب الذي تأمل وداعه و كانت كالسهام النافذة التي أصابت أهدافها بدقة متناهية و بدأت تدور الأسئلة برأسها المنهك كأنها طيور تحوم على شعاع في الكهوف المظلمة لقد قررت بتسرع و لا تدري لها سبيلا تسلكه فكل السبل باتت مغلقة و لا تهدي ضالا و تؤدي في نهاية المطاف إلى الاغتراب عن حبيب لم يقبل قلبه بغيرها حبيبة و لكن هو جنونها و قراراتها الغير محسوبة كانت كالنار في الهشيم فالضرر لحق بكل شيء إنها تتأمل أشلاءها المبعثرة على حلم أٌجل منذ زمن طويل و أمنية عالقة على أكتاف الرجاء تسرد لها الذاكرة الماضي الذي شابه الشك و حب تشبعت به عواطفها و حبيب عشقها و لم يتعود غيبتها إلا لأوقات قليلة و كانت له شمسا تشرق على أعتاب كل صباح و نجم يهتدى به و الدليل في حلكة ظلام الليل لقد كانت تغرس له الشك لتستشف ثقته بها ظنا إنها تثير اهتمامه أكثر فأكثر و لم تفق من غفوتها إلا على هزات هاتفها الجوال الذي تقلبه بين أصابعها بلا رتابة كرقصة مخمور على أوتار صاخبة و على عجل رفعت الهاتف و وضعته على أذنها و لم تسمع إلا كلمة واحدة ( حبيبتي ) كانت كطوق النجاة الذي ألقى به القدر على غريق يتخبط بين أمواجه القاتلة فانهالت الدموع من عينيها بغزارة شديدة في تنسيق عجيب مع تمتمة شفتيها هامسة ( حبيبي )
~~~~~~~~~~
اترك تعليق