ط
مسابقة القصة القصيرة

الدخول فى الشرنقة . مسابقة القصة القصيرة بقلم / فوزية عبد الحمزة عباس . العراق


فوزية عبد الحمزة عباس
العراق ..
مسابقة القصة القصيرة
………………………………..
الدخول في الشرنقة ..
في الجامعة، رأيتهُ لأولِ مرةٍ، من حينها ونظراتهُ تلاحقني أينما ذهبتْ، لم أكنْ سعيدةٌ بهذهِ ألنظرات ، لكني لم أعترضْ, ربما لأنها كانت تُشبعُ ذلكَ الغرورألكامن داخلي كفتاة جميلة دون أن أدري , لم أحببهُ قط لكني أيضاً لم أرفضهُ حين تقدمَ للزواجِ مني بعدَ أربعةُ أعوام , فتحديهِ لأهلهِ من أجلي بسبب أختلاف طائفتنا كانت كافيةٍ لأسكاتي وأقناعي من أنني سأعيش في ظلِ رجلٍ يَعرفُ كيفَ يَحميني ..
كلُ شيء سارَ بهدوء, لم يُكسرهُ إلا صراخَ طفلتنا حينَ ولدتهُا في يومٍ كانت ألسماءُ مليئةٌ بسحبٍ سوداء, فرحتهُ بالبنت لمْ تتغلبْ على شرقيتهِ , فظلَ يَحلمُ بالصبي ألذي يحملُ اسمهُ حتى تحققَ له ذلك بعد عامٍ ونصف ..
إنتقالنا للعيشِ في بيتِ أهلهِ في إحدى ألمحافظات, كانت الأنعطافة التي غيرتْ مسيرة حياتنا وجعلتها تتخذُ لوناً أخر ليسَ هو اللون الذي ابتدأتْ بهِ ..
صحونا ذات يومٍ ربيعي على خبرِ سقوط النظام ..
أصبحَ أنساناً أخر, يتحاشى التحدثَ معي أو الجلوسَ بجانبي بل بلغَ ألامرُ بهِ إلى ألامتناعَ عن تناولِ الطعامِ معي , شيئا فشيئا لم أعدْ أشعر إني متزوجة إلا حينَ أدخلُ غرفتي لأجدهُ ممداً على السريرِ ينتظرُ أن يسدَ جوعهُ من جسدي ثم يغطُ في نومٍ عميق دون أن يتفوهُ بكلمة ..
فقداني لخصوصيتي هو ألشيء ألذي ظلَ يثيرُ سُخطي, خارج ألغرفة لم أكنْ زوجة , بل خادمة لكلِ مَنْ في المنزل, لا أجرأ على فعلِ أو قولِ شيء إلا بعدَ موافقة الجميع , ألمرة ألوحيدة التي تجرأتُ فيها وأعترضتُ كانت نهايتها صفعة على خدي وأنذاراً بالطلاق ..
كبرتْ المسافةَ بيني وبينهُ, أخذ يتغيبُ طويلاً عن البيت, وعن المدينةِ كلِها , وحينَ يعودُ يبدو عليهِ القلق والخوف, عيناهُ مترقبتان ,أحياناً كثيرة َ يقطعُ حديثهُ حين يلمحني قادمةٌ نحوهُ , بدأتُ أشعرُ بتحاشيهِ لي , هناكَ أمر جلل شغلهُ عن كل شيء ..
وقعَ ألطلاقُ بعد ست سنوات , أطفالي كانوا ألصفقة ألتي ربحتها مقابل تنازلي له عن كل شيء , فتنفستُ بعمق لأنني ظننتُ أن القدرَ قد أكتفى مني ..
لم أكنْ أريدُ لأطفالي أن يكبروا بعيداً عن والدهم , فسمحتُ له برؤيتهم بين فترةٍ وأخرى, فليسَ من العدلِ أن يُخطىء الكبار ليدفعَ الصغار الثمن , هكذا كنتُ أقنعُ نفسي وليتها أعترضتْ ولم تقتنعْ ..
صُراخي حينَ عرفتُ أنهُ قد هربَ بالاطفالِ لمْ يسمعهُ أحد, لأن صوت أنفجار قريب غطى كل شيء,
ألدخان ألاسود ملأ سماء المدينة, ألمستقبل غابَ في ظلمةِ الحاضر, تغيرتْ معاني الكلمات, عيوننا فقط كانت بخوفٍ تترقب ..
بعد أشهر,لم يعدْ أحد يسألني عنهما, فالاحداثُ الكبيرة مثل حيتانِ البحر, تلتهمُ السمكَ ألصغير, وحدي , بقيتُ أتتبعُ أخبار أطفالي من بعيد بعد أن هدمَ طليقي كل جسرٍ قد يصلْ بيني وبينهم ..
تزوجتُ ثانيةٍ, لابدَ للحياةِ أن تستمرَ, وأستمرتْ حين أنجبتُ بنتاً وصبياً , لكنْ حنيني لأ طفالي أبداً لم يهدأ ..
حين وصلني خبر إنضمامُ طليقي لإحدى التنظيمات ألارهابية لم أتفاجىء , لأني وجدتُ أخيراً تفسيراُ لكلِ أفعالهِ الغريبة , ولكنْ , الذي أفزعني وجعلَ ساعاتُ الليلِ طويلة سوداء وساعاتُ النهار قلقاً قاتلاً حين عرفتُ انه زجّ باطفالنا في دربٍ نهايتهُ ألموت أو ألانحراف عن الحياة ..
ألموت البطىء , لا أحدَ يصفُ هذا المعنى إلا مَنْ عاشهُ, لم أعدْ اشعرُ بالألم لأني غرقتُ فيه,صوُر مرعبة أحتلتْ كوابيسي وأنا اتخيلُ أبنتي ذاتَ الخمسةُ عشرَ ربيعاً تتلاقفها أيادي المجرمين, تعبثُ بها باسمِ الدين وأبني أصبحَ رأسهُ الفارغ وعاءاً لافكارٍ مسمومة من أبٍ كره الحياة قبلَ أن يفهمها..
ثلاثُ سنوات مرتْ, أحياناً كنتُ أتمنى أن أسمعَ خبرُ موتهما حينها يصبحُ لسياطِ الألم التي أتلقاها جلادٌ واحد, ولكن حتى هذهِ الامنية قد منَ بها القدر علي , أمسيتُ أفزعُ لكل رنةِ هاتف أو لطرقةِ بابٍ لا أعرفُ صاحبها , الشك كادَ يقتلني حين أرى اثنين يتهامسان فاظنُ أنهما يخفيان شيئا عني ..
لا أدري كيفَ أصفُ مشاعري حين وصلني ذاتَ يومٍ قائضٍ خبرُ مقتلُ طليقي, فالمدينة التي يتحصنُ بها هو والجماعات التي ينتمي اليها قد تحررتْ, أرى الفرحةَ في عيونِ الجميع إلا عيوني غَرقتْ بدمعها, بموتهِ ضاعَ الخيطُ الذي كنتُ اتمسكُ به ليصلني باطفالي ..
شعوري باليأس جعلَ الوقتُ يمرُسريعاً, فلم يعدْ هناكَ ما أنتظرهُ , لمْ تعدْ أسماء الايام تهمني, أضحى النهارُ يشبهُ الليل, لم يكنْ لدي من رفيقٍ سوى سيجارتي وصمتي ..
كأني ولدتُ من جديد, فصرختي كانت صرخةُ ألم من أجل الحياة .. أتصالٌ جاءني من مجهول يطلبُ مني أن أحضرَ إلى المدينة المحررة لاستلمَ أبنتي ..
ألليلُ الموحش والخطرُ الذي قد اتعرضُ له وأنا أ قطعُ شوارع مظلمة, كل ذلك لم يمنعني من السفر إليها ..
حينَ نودي بأسمها في المخيم, نهضتْ من بينِ عشرات الفتيات, السوادُ يلفُ جسدها , لا يظهُر منها إلا وجه خالٍ من أيُ تعبير وبين يديها طفلٌ رضيع ..
أما أبني , هربَ مع مَنْ هربَ من الجماعات وهو يهددُ بالأنتقامِ لأبيهِ .

admin

فتحى الحصرى كاتب صحفى عمل بالعديد من المجلات الفنية العربية . الشبكة .ألوان . نادين . وصاحب مجلة همسة وناشر صاحب دار همسة للنشر ورئيس مهرجان همسة للآداب والفنون

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى