ط
مسابقة القصة القصيرة

الرحلة..مسابقة القصة القصيرة بقلم/ خالد بدوى من مصر

الأسم : خالد بدوى محمد عبد اللطيف
مصر – الجيزة
م – 01280412661
نوع العمل قصة قصيرة ( الرحلة )
قصة قصيرة
الرحلة

تسللنا خلسة حال بزوغ فجر الجمعة يوم إجازتنا من المدرسة، خشية افتضاح أمرنا من الأهل، الذين وقفوا حائلًا بيننا وحلم الصعود إلى قمة الجبل الذي يقف شامخًا بجوار قريتنا خوفًا علينا من السقوط، حملتنا نحن الثلاثة رياح أحلام الصبا إلى التحدي والصعود سرًّا، حمل أخي يوسف قليلًا من الماء، وجارنا سعيد بعضًا من التمر، معي قلمي لأسطر به، وعصا خوفًا من مطاردة الذئاب التي ننام على عوائها ونسمع الحكايات عن غدرها منذ نعومة أظفارنا.
تشاركنا في التخطيط للوصول إلى الهدف لنكتشف سر قمة هذا الجبل وقصة صاحب المقامات ومقامه الذي يضيء ليلًا والشجرة التي نبتت على الصخر بجوارة، اتبعنا المدق الذي بدأ يأخذ شكل السلم تدريجيًّا، سطعت خلف ظهورنا الشمس، أمست قريتنا بعيدة عن أنظارنا البيوت مثل الحصى المنثور.
تبادلنا الصيحات، أعجبتنا لعبة صدى الأصوات كثيرًا التي اكتشفناها عند الوديان وبعض الكهوف، اتفقنا أن ينادي كل منا مرة على حبيبته، مَن سيظل صوته أكثر ترددًا هو أكثرنا عشقًا! أصبح الجبل من حضيضه وسفحه حتى قمته يصدح بأحلام كل منا، ظل سعيد ينتقل من مكان لآخر كالفراشة هو أكثرنا تفاؤلًا، يختفي كل مرة خلف إحدى الصخور ليفاجئنا ثم يعيد الكرة، زادنا ذلك سرورًا.
فجأة؛ هبت رياح قوية، حينها لم نسمع لسعيد صوتًا، تلاشت صورته وضحكته، شعرنا بالخوف والقلق والتعب، لم يتبقَّ لوصول ذروة الجبل إلا القليل، أكلنا مما حملناه من ثمار التمر، طال غياب سعيد عنا، أمسى وجه يوسف شاحبًا، يتبادل معي النظرات بعينه المصابة بداء«الانكسار» أسئلة كثيرة مشوبة بالخوف والإرباك، لو تفوه بها لسانه فلا أجد ما أجيب به غير الغرور. قال لي المدرس يومًا ما:
عندما يضيق بك الواقع فتش عن الوهم، فمن الممكن أن ينجيك! .
لاحت برأسي فكرة أن أخبر يوسف أن سعيد خلفنا يحاول اللحاق بنا ولا مفر له غير ذلك، حل الليل ضيفًا بسرعة لم نتوقعها في تخطيطنا، حينها فقد يوسف الرؤية، سألني وبعينه دمعة: هل هناك أمل بالعودة إلى الديار مرة أخرى؟
تظاهرت بالابتسامة كي أخفف عنه وطأة القلق والخوف، وأنا أرى بصيصًا من نور المقام لاح لي هل نعاود أدراجنا مهزومين؟ وماذا سوف نقول للأصدقاء في المدرسة والأهل؟ أتريد أن نصبح أضحوكة لدى الآخرين؟ بانت الطمأنينة واضحة على وجه يوسف بعض الشيء، زدت من ذلك الأمر أكثر، يبدو لي أن سعيد النذل قد هرب إلى البيت كي يتناول طعامه أو يلتقي بعشيقته، ألا تتذكر عندما كان يجلس خلف التلاميذ حتى لا يسأله المدرس! هو هكذا دومًا لا يستطيع المواجهة، يحارب دومًا من أجل غرائزه ومتعته.
قررنا التقدم ببطء، سحبت يوسف من ذراعه، محذرًا إياه عند كل مرتفع ومنخفض، لكنني ضجرت كثيرًا من سؤاله المتكرر: «تبقى الكثير على نهاية الرحلة والوصول إلى المقام؟»، شعرت بأنه أصبح حملًا ثقيلًا عليَّ، طلبت منه أن ينتظرني في مكان معلوم، كي أصل بسرعة إلى القمة، أجني الثمار ونعود معًا إلى الديار منتصرين. استجاب لطلبي يائسًا، وهو يوصيني أن أكون شديد الحرص على نفسي، طمأنته ببعض الكلمات وعيني شاخصة إلى القمة، صعدت مسرعًا نحوها، ساعدتني قوتي الجسمانية على الوصول، وفي وقت قصير، أمسيت فوقها أشعر بنشوة ولذة الانتصار، منحني الهواء المنعش أفقًا بعيد المدى من السعادة والأحلام، فردت ذراعي كأنني أحتضن الفضاء.
رددت في سريرة نفسي: «لا يوجد شيء اسمه المستحيل»، سررت كثيرًا رغم هاجس الخوف على يوسف وسعيد وكأني نسيتهما عند القمة، أسرعت بالبحث عن الشجرة والمقام لم أجد شيئًا، شممت رائحة الكبريت، تكاد تشعرني بالاختناق، هبت رياح قوية، أزاحت شيئًا من مسحوق الكبريت، حتى اشتعلت نارًا، لم تطفأ حتى سكنت الرياح.
ضحكت كثيرًا ساخرًا من الأسطورة! الطبيعة باعت لنا الوهم في ثوب التدين، تساءلت: «أي منهما أصدق، الأسطورة أم التاريخ؟»، أخذت أصيح بأعلى صوتي على حبيبتي، سعيد، يوسف، أبي، أمي، لم أجد صدًى لصوتي، وضعت يدي أتحسس وجهي المليء بالتجاعيد!..

admin

فتحى الحصرى كاتب صحفى عمل بالعديد من المجلات الفنية العربية . الشبكة .ألوان . نادين . وصاحب مجلة همسة وناشر صاحب دار همسة للنشر ورئيس مهرجان همسة للآداب والفنون

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى