ط
الشعر والأدب

القصر المهجور ..قصة قصيرة بقلم ..احمد بيومي ..

احمد بيومى
يحكى أن…
كان هناك رجلاً من الأعيان إسمه حمدان أعطاه الله من فضله الكثير جداً من المال والأطيان ورؤس الماشية والضأن ..والأغنام ..تزوج مرة وإثنتان بحثاً عن ولد تقر به العينان ..فإذا مات.. مات فى هدوء وسلام.. مطمئناً على أن ثروته ومكانته لن تذهب إلى الأغراب ..ولكن ذهبت أحلامه هباء عندما أبلغه الأطباء أن به عيباً لن يمكنه يوماً من الإنجاب لذلك كان دائم الحزن وكان القلق يساوره وبقض مضجعه لأنه سيترك ذلك المال الواسع العريض من غير أن يخلفه عليه ولد له .. فنصحه شيخ الجامع الصوفي الورع أن يتريض ليلاً بجوار النهر ويدعو ربه أن يريه من آياته الكبرى ما يثلج صدره فعسى أن يمنحه الله ما يتمنى من غير حول منه ولا قوة ..بينما هو ذات ليلة فىيخلوته بجوار النهر ..إذا سمع أنين مكتوم لإمرأة فقام من جلسته يتتبع الصوت حتى وصل إلى شاطىء النهر تماماً حيث بقايا سفينة محطمة ..وهناك وجد امرأة فارعة ممشوقة القوام مؤتزرة بإزار من حرير مزركش بخيوط من ذهب تبكي وتنتحب وقد بلل ملابسها الماء فاقترب منها ومد يده وأزاح النقاب ونظر إلى وجهها فبهره ما رأى.. فقد رأى وجهاً جميلاً ولكنه جمال غير جمال بني البشر جمال فتان عجيب يفوق جمال جميع من رأى يوماً من نساء الأرض جمال يخلب العقل وقد أسدلت حوله سبع جدائل من الشعر قد نزلت حتى طالت الأرض .كان شعرها أسود لامع في سواد الليل ..لها عينان يشع منهما نور في صفاء السماء في ليلة صيف .. أخبرها بحاله وسألها عن حالها وخبرها ..فلم ترد فاصطحبها من فوره إلى منزله وأستدعى الشيخ الورع ليعقد قرآنه عليها فوراً ..وحدث ثم أستدعى إمرأة كبيرة تخدمه منذ كان صبياًوعهد إليها بها وطلب منها تجهزيها ليدخل عليها غداً ..وأعد لها طابقاً منفصلاً عن باقي زوجاته.. ونحر الذبائح وأستدعى أعيان البلدة ليشهدوا عرسه وطلق من أجلها زوجتاه … وعاشرها عاماً أو نحو عام بلا حديث بينهما ولا كلام.. وفي ذات ليله أقسم عليها أن تخبره خبرها ..وهل هي صماء بكماء فيحدثها بالإشارة أم تكرهه وتكره معاشها ومقامها معه.. فيطلقها ويخلي سبيلها ولكنه لأول مرة يراها تبتسم وترد عليه ..سيدي ..أنا فعلاً كنت أشعر بأنى أسيرة لديك ولولا إني منك قد حملت ما تكلمت أنا إبنة رجل عظبم من أوربا كنا سائحين في مصر ونزلنا في نزهة نيلية.. فغرق قاربنا ونجوت أنا ..ولم أكن أفهم لغتكم وكنت أعاني صدمة نفسية أفقدتني النطق ولم أكن أفهم لغتك لاجيبك وبعد كل هذا الوقت رويداً رويداً أدركت وفهمت ..وعندما وجدت منك حسن العشرة والقرب والحب حملت منك بلا قصد .. ومازالت أشعر بأنى غريبة عنك ..فأتركني حتى ألد ما في بطني فإن كان ولداً بقيت وإن كانت بنتاً حملتها ورحلت ..وأنقضت أيام الحمل ووضعت ولداً ذكراً ليس لجماله حداً ولا وصفاً ..سر به الرجل إيما سرور وفرح وأطعم كل أهل البلدة ولم يترك محتاجاً ولا فقيراً إلا وطلب منه أن يدعو له .. وكبر الولد في جمال وأدب كأحسن ما يكون الولد ..ولكن حدث ما لم يكن يخطر على بال أحد فقد مرض الشيخ الصوفي مرض الموت وشعر بأن الأجل منه قد أقترب فارسل يطلب من حمدان زيارته فأسرع إليه وذهب ..فطلب من أهله ألا يدخل عليهم أحد ..وقال لحمدان سأخبرك أمراً أرجوا ألا يغضبك ..حمدان تلك المرأة التي ولدت لك هذا الولد ليست من بني البشر إنها إبنة أحد ملوك الجان ولهذا منك قد أنجبت وأبوها إن علم بأمرها معك حتماً سيقتلك ..كنت أعلم بأمرها منذ شاهدتها أول مرة ..وأنها بالفعل قد أسلمت .وبالله قد آمنت .فتغير وجه حمدان وظهر عليه الغضب ..وقال ياشيخنا أنا دائما كنت أصدقك .ولكن منذ متى يتزوج الجن من البشر إنه لأمر عجب .. فقال له الشيخ نعم إنه لأمر مستحيل ولكنه بسب إلحاحك على ربك قد حدث ..فأنصت إلي جيداً أحمل إبنك وزوجتك وأرحل عن البلدة غداً ولا تجعل أحد يعلم إلى أين مقصدك ..فو الله إن علم بأمرك بعد موتي لن يرحمك فأنا كنت حارسك من شره ومخفيك عنه ولكن ما باليد حيلة فأنا قد أموت اليوم او غداً ..ومد يده وأعطاه خاتماً من حديد مسجل عليه أسماء الله الحسنى وبعض الطلاسم وأغمض عينيه ..فتركه حمدان من فوره ورحل وقد وضع الخاتم في أصبعه الأيمن كما طلب ..ومنذ ذلك التاريخ لم يعثر على حمدان أو ولده أو زوجته أحد ..ومازال القصر الذي كان يسكنه مهجوراً لا يسكنه أحد..ومازالت ماشيته وأرضه خالية يخاف أن يقربها أحد فسبحان من بيده ملكوت كل شىء ولا يعلم علمه إلا هو ….تمت ….احمد بيومي

admin

فتحى الحصرى كاتب صحفى عمل بالعديد من المجلات الفنية العربية . الشبكة .ألوان . نادين . وصاحب مجلة همسة وناشر صاحب دار همسة للنشر ورئيس مهرجان همسة للآداب والفنون
زر الذهاب إلى الأعلى