أشترك في مسابقة همسة بقصة قصيرة :
( المِقصلة )
دون أن تنظر موضع قدميها نزلت من العربة .. سارت مع قائدها إلى منزلها .. آلاف المرات ولجت هذا المدخل بمفردها أو مع طفليها .. لكنها الآن تدخله وكل عيون الشارع ترقبها ، وكانت بينهم عين حماتها تطق بنار فجيعتها.. صعدت مع قائدها إلى الطابق الثاني كأنها تصعد إلى مقصلة .. وجدت باب شقتها مفتوحا ، ورجلان ذوا بطنين ورأسين كبيرين يسدان مصراعه .. تحولت آلام كعبيها إلى نشر متواصل .. اقتربت في خوف ومازال قائدها يحركها .. مرت بين الرجلين الضخمين ، فجأة صدم وجهها ضوء الكاميرا الباهر .. أفاقت مذعورة .. وعندما نظرت إلى الداخل كادت تقع لولا هذان الساعدان .. عصرت قلبها انقباضة مخيفة .. إنه هو زوجها ومازال جالسا في نفس المقعد الذي شهدها وهي تدق السكين في رقبته ، ونافورة دمه تدفق على كتفيه.. إذن فهي لم تقتله كما أخبروها في التحقيق .. طوال مدة حجزها اطمأنت نفسها أنه لم يعد له وجود , فلازمتها ابتسامة باهتة رغم أنها كانت ترى حبل المشنقة يتأرجح أمامها ..إلا أنها لم تأسف لحظة.. الذي كان يسكب مدامعها فقط هو مصير الصغيرين .. إذن فهي لم تنجح في الخلاص منه .. وعليها أن تتحمل سنوات أخرى سيلا من ضربه ولسانه ، وعليها أن تصرخ من وجع الضرب، وأن تكتم أنفاسها بيديها وهويتلذذ بمتابعة جلدها ..وما كان ذنبها أن اشتكته لأمه عندما ضربها أول علقة لما نهرته من معاكسة جارتها ؟..وماذنبها هي في رزقه الضيق الذي كان يحرقه مع “البانجو” ؟.. أما كفاه أنها تحملت هي وطفليها أكل الفول المدمس بكل وصفاته ؟ ورغم أن الرجل الجالس على المقعد لم تكن له نفس عينيّ زوجها ولا أنفه ، وكانت كتفاه أعرض قليلا ..إلا أنها جزمت: ( إذن فيستمر يطفئ سيجارته في لحمي .. وسيظل ينزع حزامه ويهوي به على وجهي وكتفي ).. تقلصت أظافرها ، وأظلمت الدنيا في عينيها ثانية ..همّت بكل جسدها في قوة جبارة جذبت معها الرجل الضخم.. لن تتركه يفلت منها هذه المرة .
*****
بقلم محمد مصطفى الخميسي
من مصر