ط
الشعر والأدب

الموهوم .قصية قصيرة بقلم / بن عمارة مصطفى .الجزائر


قصة قصيرة بعنوان:(الموهوم)
لا تراه إلا و هو يسير في هندام يبدو عليه فضفاضا لنحوله الشديد،شاحب الوجه ذابل الملامح،فالمرض قد عصف بجسده عصفا و الحمى لبسته لباسا يلازمه منذ مدة غير يسيرة،و لكم طرق أبواب الأطباء يطلب العلاج و يسترحم البرء بدواء لداء أعياه و لقي منه ضرا و نصبا،و لكنه لم يجد بغيته عند هذا و ذاك فتملكه اليأس و أصابه غم متصل زاد إلى ما كان عليه،و أمه المسكينة تنظر إليه نظرة المهزوم المحزون لا تدري ما تفعل و لو شاءت لقدمت له حياتها يحيا بها غير مبخلة.كان منطويا على نفسه لا يختلط بالناس إلا في مكان عمله عنوة و ما كان ليفعل ذلك لو ما كان مفروضا عليه فرضا،أقعده المرض أياما في داره لا يبرحها منتبذا في ركن قصي من الدار و قد غاب عن عمله أياما متواصلة،فعاده فئة من الزملاء و داروا حوله و هو لا ينظر إلا لتلك الحسناء التي دخلت بيته الكئيب الحزين فأحيته بعد مواته و أحيت به جسده العليل كما يحيي الودق الأرض الجدباء،و لم يكن ينبس ببنت شفة مبرق اللحظ جافي اللفظ،حتى انتابه الحياء من إطراقه و جموده ذاك في حضرة الحسن و الجمال و في حضرة زملاء كلفوا أنفسهم و زاروه مشفقين،فراح يجاهد لسانه على النطق و ما استطاع إلى ذلك سبيلا إذ أن صوته كان خافتا لا يمكن سماعه حتى للذي بجانبه،و لكم كانت دهشته كبيرة حين عرف أن هذه المليحة هي مديرة مكتبه الجديدة لصغر سنها و وداعة منظرها،فزاده ذلك إعجابا بها و لربما كان قد ضمر في فؤاده حبا و أخذت لها مكانة من نفسه،و لكم زادت دهشته حينما رآها تذرف الدمع حانية عليه تنم عن طيبة قلب و رهافة حس،فانتعش جسده انتعاشا و قرر أن يجاهد نفسه و مرضه و يذهب إلى عمله أو لتلك الساحرة غير مبطئ،فكان له ذاك إذ أنه غادر مضجعه و راح إلى مكتبه و حين دلف رأوه زملاءه غير مصدقين مستغربين أشد الإستغراب،فكيف للذي كان منذ أيام دانيا من القبر يصير هذا الشاب الذي تدب فيه الحياة و النشاط،فرحبوا به ترحيبا حارا،يسأله هذا و يكلمه ذاك و لم يكن يحرر جوابا كعادته،و لم يكن يهتم لهم و لكل هذا الوابل من الأسئلة و الكلام،بل كان ينتظر متقدا على الجمر في أن تستدعيه رئيسة مكتبه لتزيل عنه ما تبقى من ذبول و تمحي ما عليه من آثار الحمى المتبقية،و ما هي إلى دقائق حتى استدعته إلى مكتبها بعد أن سمعت بمقدمه،فكانت سعادته لا يضاهيها سعادة و النور قد أخذ الطريق إلى وجهه و الشحوب قد بدأ ينجلي على محياه كضباب في أصباح الربيع،و قد لقي استلطافا و اهتماما غير مألوف بين الرئيس و مرؤوسه،فنشأت بذلك علاقة ود بينهما نشوء العود الرطب بغيث نافع و كللت بزواج،و راح ذلك الداء الوهم بلا رجعة و عرف حينها أن الحب و الألفة معجزة و أن الوحدة و الإنطواء داء ليس له دواء إلا في رفيق أو صاحب صادق صدوق.
بقلم الأستاذ:بن عمارة مصطفى خالد. تيارت/الجزائر.

admin

فتحى الحصرى كاتب صحفى عمل بالعديد من المجلات الفنية العربية . الشبكة .ألوان . نادين . وصاحب مجلة همسة وناشر صاحب دار همسة للنشر ورئيس مهرجان همسة للآداب والفنون

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى