الاسم محمد على عبد القادر
[email protected]
مسابقة القصة القصيرة
النافذة
دومًا ما يتخيل يوم عرسه على حبيبته التي أحبها منذ أن الْتَقَت عينيه بعينيها، لم يجرؤ أن يعبر لها عن حبه واكتفى بنظرات يخطفها كلما غدت أو راحت، يسلك عمدًا شارعها محاولا أن يراقب نافذة المسكن لعله يملأ قلبه بملامحها، داوم على هذا الحال فترة من الزمن، رغب في محادثتها لكن غلبه الخجل وسجنته ظروفه المادية في قفص الوساوس، فهي بنت الأثرياء كابرًا عن كابر، كل ليلة يدور في رأسه صراع عنيف يمنعه من النوم وإذا نام ظلت أفكاره مستيقظة، لم يفضفض لأحد من أصدقائه عما يعانيه، فضل أن يعيش في سجن العزلة، دائم الحديث لنفسه متسائلا متعجبا من طباع البشر!؟ لماذا يرفضون الفقير بأخلاقه الحميدة ويرضون بالعاصي لكونه غنى سائلين الله الهَدى له!؟، ونسوا أن الله هو من يهدى وهو من يرزق أيضًا!. انتبهت الفتاة لمروره المتكرر من الشارع ونظراته الخاطفة وحياؤه المفرط عندما يرى طلتها فكان ينتفض جسمه ويحمر وجهه ويطرق رأسه، أعجبت الفتاة به وأخذتها الحيرة، تساءل نفسها: هل أحبته؟، ثم يحدثها عقلها متكبرًا عمن يكون هو حتى يتقدم لخطبتها فهيئته تدل على إنه فقير ابن فقير!.
تجرى الأيام مسرعة وتتغير الأحوال وترقد الفتاة على ظهرها أسيرة الفراش، يتوقع كل من يراها بأنها أوشكت أن تموت، أكمد أهلها الحزن وندبوا شباب ابنتهم الضائع، طرقوا أبواب الأطباء وأنفقوا من الأموال الكثير لكن ابنتهم تزداد مرضًا، سقمت الفتاة في قلبها ولا مفر من الموت، جن عقل الشاب عندما سمع بأن حبيبته مرضت واشتدت عليها الآلام ولم يرحم المرض شبابها، توجه صوب بيتها متربصًا لرؤيتها لكن باءت محاولاته بالخيبة، سيطر عليه الحزن، تلوى ألمًا، حاول أن يصرخ، أن يبكى، أن ينفس عما بداخله لكنه لم يستطع، ظل ملتزم الصمت في حجرته حتى عمله انقطع عنه، أصبحت الدنيا في عينه شديدة السواد، كُتب عليه أن يعيش في ألم الحب وألم التألم بآلام الحبيب، لاحظ كل من حوله شحوب وجهه وتدهور صحته إلا هو لم يدرك غير حبيبته.
ذهب إلى بيتها رث الهيئة ملتزم الوقوف ناظرًا إلى النافذة مفتوحة الشيش حتى أبصره أرباب البيت، يسألونه عن سبب الوقوف، تلجلج حديثه، لملم كلماته وطلب أن يرى فتاته فاستجابوا لطلبه، غلب عليهم الظن أنه مسكين مستجيب الدعاء ينفع ابنتهم، وليته لم يرها فقد أكل المرض جسمها، وصبغ الصفار وجهها، ذبلت عيناها وأحاطتهما هالتين من السواد، اقترب من فراشها وعينيه تنضح بالدموع بقى صامتًا يفكر كثيرًا في حكمة الله في المرض والموت ويتعجب لحال البشر، يتسَاءل ما معنى أن نحيا ثم نموت، ولماذا نمنح العيش ثم يسلِب منا، ولماذا هبطنا إلى الأرض إذا كان لابد من الإقلاع، لماذا نفقد من أحببناه وأحبنا، غرق في طوفان من الفكر حتى تحدث الوالد لابنته ينبها بهذا الشاب، نظرت إليه برهة تبحث عنه في عقلها حتى وجدته لكنها استغربت وأشفقت على هيئته التي ازدادت سوءا ونحافته المفرطة وشعره المتلبد، تحدث إليها بكلام يزامنه النحيب بأنه لا يرجى من الدنيا إلا أن يراها سالمة ثم لم يسمع منه غير البكاء، قبض الأب على يد الشاب ليخرجه لكن أومأت الفتاة لأبيها بأن يتركه، قعد الشاب بجوار فراشها صامتًا مكتفى بالنظر إليها واستنشاق نسماتها، تنظر الفتاة إليه وبصوت متقطع مرتعش تسأله: كيف تراني؟ ألست جسد هامدا ينتظر مغادرة الروح؟، فالمرض لا يطرق الأبواب يدخل كما يشاء وقتما يشاء لا يفرق بين غنى وفقير، فلا يذل الإنسان غير المرض. صارحت الفتاة الشاب بما في نفسها، هل لأنه غريب أم اطمأنت له!؟. غادر الشاب واشتعل حزنه دون أن يبوح بحبه فحالها كتم الكلام، ظل يطوف في الشوارع يفكر في حديثها ثم يرجع إلى بيتها يلقى نظرة على نافذتها مغلقة الشيش ثم يغادر، دام على هذا الحال أيام صنع منها شهور، أصبح الشارع مسكنه وبدا لناظريه إنه لمجنون، يطوف في الشوارع ثم يرجع إلى بيتها يلقى نظرة على نافذتها مغلقة الشيش ثم يعود الرجعة، يمشى في الشارع شاردًا قائلًا: افتحوا النافذة لا تغلقوها.