ط
مسابقة القصة القصيرة

تائه فى الفضاء . مسابقة القصة القصيرة بقلم / محمد نجيب مطر . مصر


مسابقة القصة القصيرة
محمد نجيب مطر
تائه في الفضاء

انطلق بطائرته الخاصة بسرعة لكي يمكنه اللحاق بموعده على الضفة الأخرى من البحر، هذه المرة سيواجه منافسة شديدة من الطرف الآخر وعليه أن يكون مستعداً لجدال طويل ومفاوضات صعبة.
من الأفضل أن يصل مبكراً لكي يمكنه الاستعداد لتلك المعركة العقلية القادمة و القضاء على التوتر الذي يجتاحه.
عندما اقترب من الساحل شاهد حريقاً هائلاً تتصاعد نيرانه إلى ارتفاعات عالية في السماء، يبدو أن الانفجار كان في المفاعل النووي المصري في الضبعة، ألوان الحريق ساطعة كالشمس وألوانه تشبه قوس قزح، موجات من الرعد والبرق تدك السماء من تحته، تعطلت جميع أجهزة القياس الالكترونية فارتفع بطائرته إلى ارتفاع لم يبلغه من قبل، فاعتمد على الطيار الالي لكي يكمل الرحلة.
شاهد سحباً زرقاء اللون تشبه غاز الأوزون الذي يظهر على الأرض بعد هطول الأمطار، رأي ألسنة من اللهب تتصاعد في أعمدة تتوهج بشكل غريب، بعدها هدأ كل شئ وعادت الأجهزة إلى العمل مرة أخرى، حدد موقع الهبوط وأصبح على مئات الأمتار من الأرض وبدأت الأبنية تظهر بشكل غريب، كانت الأبنية العالية تظهر و كأنها صواريخ موجهة إلى السماء، لم يتعرف على موقع الهبوط.
تخير موقعاً قريباً وهبط فيه فشاهد جموع غفيرة تستقبله بتصفيق حاد ، نزل من الطائرة فأخذوه بالأحضان والتقطوا معه الصور التذكارية و هو لا يدري ما يحدث، من هؤلاء؟ ولماذا يحتفلون به؟ ربما حسبوه الشخصية الخطأ التي ينتظرونها .
الناس يرتدون ملابس غريبة وبسيطة أقرب إلى التعري، ألوانها متنافرة، أشكالها بدت له مستفزة، ولكنها دائماً تكشف مواقع الجمال في الجسد.
انفضوا عنه كما تجمعوا حوله في سرعة، ووجد نفسه وحيداً تائهاً مرة أخرى، سار في الشوارع يسأل عن مكان الاجتماع، لا أحد يفهم سؤاله، يتكلمون لغة سريعة مقاطعها قصيرة حاسمة وكأنه في عالم آخر.
أسماء الشوارع ليس لها علاقة بما يعرف من أسماء وحروفها غريبة ليست هي الحروف اللاتينية، أشبه بشاشة كمبيوتر تلف فيه نظام التعريب.. فقد الأمل في اللحاق بالمؤتمر واستسلم للأمر الواقع فأخذ يتمشى في أرجاء المدينة.
الناس تتوقف أمامه وتحدق فيه ملياً ثم يتركونه ويذهبون لحال سبيلهم بمنتهى البساطة دون أن يحاول أحد الحديث معه، دخل إلى احد الكافتيريات وانتظر حتى قدم إليه النادل قائمة المشروبات، نظر إلى القائمة فلم يفهم شيئاً مما فيها، أشار إلى النادل أن يختار له، هز رأسه بالموافقة وأحضر إليه مشروباً لذيذاً شكره عليه.
عند الحساب دفع بالدولار، نظر النادل إليه وأمعن النظر في العملة، فاعتقد أنه يريد المزيد فأخرج المزيد، صرخ النادل في غضب، تجمع العاملون حوله وهم يتصايحون ثم دفعوه إلى الخارج دفعاً وكأنه مجنون أو مجزوم.
لم يفهم سر غضبهم الشديد والتعامل معه بتلك الطريقة الفجة، سار في الشارع ليعود لطائرته ليخرج من هذا المكان الغريب والمريب الذي وجد نفسه فيه، وقف أمام أحد الأبراج العالية يدقق في المبنى بفضول لضخامته وارتفاعه وزخرفته الفريدة والساعة المعلقة في واجهته، وعندما هم بمغادرة المكان دقق النظر مرة في الوقت والتاريخ، كان التاريخ يشير إلى سنة 2515 بينما غادر مصر في عام 2015، أي أن استغرق 500 سنة في رحلته.
كاد أن يسقط من هول المفاجأة، لكنه وجد من يمسك يده ويساعده على النهوض، ويسأله عن أحواله باللغة العربية، وجد فتاة كانت تجلس قبالته في الكافتيريا تبتسم له في ود وتسأله هل هو بخير؟ وسألته هل يحتاج إلى مساعدة؟
سألها: لماذا تصرفوا معه بتلك الطريقة فأبدت اسفها لما حدث، وأخبرته أن الدولار عملة أمريكا القديمة الملعونة التي حاربت العالم كله، وساعدت المتطرفين وأشعلت الحروب في كل مكان، وأن تلك الدولة تفككت منذ أربعمائة عام، مجرد ذكر اسمها جريمة يعاقب عليها القانون، ولولا أنه غريب لنال عقاباً رادعاً.
سألها عن اللغة التي يتحدثونها هنا، فقالت: أنها اللغة العالمية الجديدة التي تم اعتمادها بديلاً عن اللغة الانجليزية التي كرهها العالم بسبب الحروب المريرة التي شنها من يتحدثون بها.
وأنها تعلمت العربية في الجامعة كتراث إنساني يجب المحافظة عليه بعد أن أصبح العالم كله يتكلم لغة واحدة، وأنها عرفت لغته بعد أن سمعته يقول: يا إلهي عندما كاد أن يسقط، حكى لها عن رحلته الغريبة فقال: لقد انطلقت من هناك منذ ثلاث ساعات فقط، ووصلت هنا بعد خمسمائة عام.
سألته: من أين أنت؟
– من مصر.
– البلد التي وقع فيها الانفجار النووي منذ خمسمائة عام تقريبًا، كيف أتيت؟
– بطائرتي الخاصة.
– قدت طائرتك الخاصة، فوق مصدر طاقة مركز وارتفعت بطائرتك فوق العاصفة الرعدية، وشاهدت موجات قوية من البرق والرعد، وألسنة من اللهب ..
– نعم .. كيف عرفتِ؟
– أعتقد يا سيدي أنك دخلت في أحد الفجوات الزمنية.
– ماذا ..؟!
– في ظروف معينة لا تحدث كثيراً، من حركة الأرض والكواكب والنجوم، وعند وجود مصدر طاقة عالي في مكان ما، وزيادة كثافة المادة فيه لدرجة كبيرة، تحدث الفجوة الزمنية التي تنقلك من زمن إلى زمن آخر.
– كيف العودة؟
– انتقلت بطريقة ما من زمن إلى آخر ومن الصعب أن تعود نفس الظروف بالطريقة نفسها بالضبط.
– ما معنى ذلك؟
– لو تكررت الظروف فربما تعود إلى زمن آخر لا ينتمي لهذا الزمن الذي نعيش فيه و لا إلى زمنك قبل الحضور إلى هنا.
– تقصدين أنني تائه في الزمن.
– يمكنك أن تتدبر حياتك هنا وسأساعدك بكل طاقتي.
– فلنتزوج إذاً ..
– لم يعد هناك زواج تقليدي كما كان سائداً في الماضي، هناك فقط ارتباط، ثم إنني لست بشرية.
– كيف وقد لمست يديك وأنتِ تساعدينني على النهوض.
– إنني روبوت مكسي بأنسجة بشرية.
شكر الرجل المرأة الروبوت، وتوجه إلى طائرته وأدار محركاتها بعد أن ملأ خزانها بالوقود فربما تغيب الشمس وتنقطع الطاقة عن الطائرة.
حدد الرجل مسار الرحلة العكسي على أمل أن يعود به الطيار الآلي إلى المكان الذي جاء منه أو ربما إلى كون جديد لا يدري عنه شيئاً.

admin

فتحى الحصرى كاتب صحفى عمل بالعديد من المجلات الفنية العربية . الشبكة .ألوان . نادين . وصاحب مجلة همسة وناشر صاحب دار همسة للنشر ورئيس مهرجان همسة للآداب والفنون

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى