ط
مسابقة القصة القصيرة

جمال الروح .مسابقة القصة القصيرة بقلم / محمد السيد محمد الغتورى من مصر

محمد السيد محمد الغتوري
مصر- مقيم بالسعودية
00966504789060
0020402928164
قصة قصيرة
*****************************
جمال الروح
************
بالدور الثالث حيثُ يسكن ؛ كان يتناول طعام العشاء مع زوجته وطفلته ( ثلاث سنوات ) …. سَمر ، بَسَمات ، ملاطفة ، همسات رقيقة ؛ طعام الفقراء تُزينه الفرحة والدفء …… سادت لحظة شلل دماغي حين اهتز كل شيء حولهما وكأنه صنيعُ عِفريت من الجن ؛ عدا الطفلة البريئة التي ظنته لهوا !
شُفيت الأفئدة من ظنونها وصار الهاجِسُ حقيقة بعد سماع نبأ زلزال عنيف يضرب البلاد بالمذياع ؛ خَطَف تفكيرهما قِدَمُ البيتِ وانهياره الأكيد ؛ لا مجال للنجاة أبدا .
***
كَوَّر الأبُ الحنون نفسه كمظلةٍ فولاذية فوق أسرته الصغيرة ليفديها بروحه …..
وصدق حدسه بالفعل وانهار البيت
وبعد عدة ضربات ليست قاسية ؛ سَكَنَ الرُّكام وتكوَّمت الأنقاض ؛ وأفاق الجميعُ من سَكْرَتِه … تحسس الأبُ جسده وتأكد من حياته ؛ نادى على زوجته أجابته
وكذلك طِفلته من بين هذا الظلام الدامس !
الجميع أحياء وبخير ؛ أنقذتهم يدُ القدر الحنون بِهَرَمٍ أجْوَف تَكَوَّن قدراً من جزءٍ من السقف مع جزءٍ من الحائط ……
***
أخذ الأبُ الحنون يُطَمْئِنُ خَوْفَهُما ويجبر كسر وحشتهما …..
– اهدئي حبيبتي وأنتِ صغيرتي ؛ الحمد لله نحن بخير، سيقومون برفع الأنقاض بسرعة كي ينقذون كل حي تحتها .
الصغيرة لا تفهم وتبكى … وبدأت بالصراخ الذى قطع قلب والديها ، لم تكن سوى الكلمة هي مدد الحياة للجميع .
وكذلك ينبوع العطاء في أحلكِ ظرفٍ يمكن أن يحدث لإنسان.
***
تأخرت الجرَّافات بسبب الروتين القاتل !
البلدية يستأجرونها ….. الناسُ بثورة عارمة ؛ لكن قوتهم لا تكفى ، تعالت الأصوات أمام كل قيادة .
أسمع أحد المُتملقين يقولُ الآن لرئيسِهِ المسئول :
– لا تَشْغَل بالك يا فندم !
فليس معقولاً أن يخرُجَ أحدهم حياً ؛ لقد أصبح البيتُ كومة تراب !
ردَّ عليه المسئول بقوله :
– أطْلِق بوسائل الإعلام فوراً نبأ التحرك العاجِل لرفع الأنقاض بحذر ؛ لسرعة التحرِّي عن وجود أحياء أولا وتخليص الجُثث ثانياً ………
ثم خفض صوته قائلاً لمرؤوسِه : أنت قليل خبرة وما زلت تلميذ ؛ فلو ظهر أحياء بعد رفع الأنقاض ولو بعد دقائق من الآن لن تبرأ ذمتنا أمام الرأي العام ، وستُصَلَّتُ سكِّينُ القيادات على رقابنا نحن فقط كي ينجوا هم بأنفسهم أمام القيادة العُليا !
***
تَمُر الثواني ثقيلة كالجبال على الأبوين ؛ لا انتظاراً منهما للنجاة بقدر ما انتابهما من وَجَعٍ على حال الصغيرة التي ليس لها ذنب لتقتل هذه القتلة البطيئة بسببه ؛ حاول الأب بصعوبة أن يقترب من الصغيرة وأمها ، فربما دفء جسده يمدهما بشيء ولو يسير من الطمأنينة والحنان ، ونجح بالفعل للوصول لهما ، أخذت الأم الصغيرة بحضنها وأخذت تهدئ من روعها ؛ وتَرْبِتُ على كتفها وتمسح بيدها برفقٍ على وجهها ؛ ثم بدأت تغني لها بصوتٍ حنون أغنيتها التي تحبها ، وسط رائحة الموت التي تملأ المكان ؛ وكأن شيئاً لم يحدث ! حتي داعبَ النُّعاسُ جفني البنت وأخذها النوم بعيداً.
***
قال الأب ؛ فهو الآن كذلك لكلتيهما
– هيا يا حبيبتي حاولي أن تنامي كي ينقضي هذا الوقت المرير علينا بسرعة ولا نشعر به .
قالت الأم :
– أخفض صوتك كي لا تستيقظ البنت ، كيف تريدني أن أنام والموت يُحَدِّقُ بنا بعينيه المخيفتين ويتوعدنا !؟
.
لكن بعد فترة غشيتهم الرحمة واحتضنهما النُّعاس بجناحي الرحمة …. وكان صوت المذياع الذى ظل حياً معهم بفضل حفظ القدر لبطارياته الجافة من الانفلات يبث لهما أخبار العالم خارج التابوت الذى يحتويهم !
صمتٌ تام ؛ كمقبرةٍ بحضن أمها الأرض ؛ يخيمُ الموت على المكان بل بدأ يزحف إليهما بشكله الدميم ليغتالهم جميعا ؛ انفرجت الأعين على رائحةٍ جميلة وأصوات خلابة وفضاء رحب ؛ ولون أخضر للزروع وبهاء للورود وجمال للسماء الزرقاء ؛ وهما يجريان خلف الصغيرة ببطءٍ كي تكون هي الفائزة بمسابقة الجري ، يحمدان الله أن ماتوا جميعاً سوياً كي لا يُحرمَ أحدهما من الآخر .
***
وفجأة انقشعت هذه الصورة الجميلة التي رحبا بها على صوت المذياع اللعين يقول : لقد تم رفع الأنقاض عن العقار رقم كذا ؛ بشارع كذا ، بمنطقة كذا …. ونحمد الله تعالى على نجاح فريق الدفاع المدني من استخراج الجُثث وكذلك لعدم وجود أحياء تحت الأنقاض !
وهنا انفجر الأب بالصراخ قائلاً :
– ومن نكون نحن !؟ من نكون نحن !؟ لو كنَّا صخراً أو رماداً لرأينا النور ؛ أقيمتنا لديكم أقل من ذرات الرَّمل المنهارة !؟
.
أخذت الصغيرة تصرخ لصراخ أبيها ؛ والأم تحاول تهدئة الموقف ….. وبعد نحيبٍ وعطش لم يَرْوِه إلا ماء البول ! وجوع للصغيرة تمني الأبوان وقتها لو تقطع قطع من لحميهما لإطعامها لفعلا !
غشيتهم الرحمة من جديد بإغماءات متتالية بدأت بالطفلة ثم الأم وختمها الأب .
***
يفتح الأب عينيه أخيراً بصعوبة على أضواءٍ شديدة وصَخَب ؛ يرقد على سرير أبيض ؛ مُعَلَّق بجواره على عامودٍ حديدي صغير محلول ، يتصل بأنبوبٍ رفيع بآخره إبرة تم غرسها بوريده ، يشاهد سيدة تمسك بميكروفون وتحاور رجلاً مهيباً ، يبدو على وجهه الأحمر وبطنه الكبير علامات عز المسئولين …..
سمع الأب السيدة تقول :
– وكم استغرقت عملية إنقاذ هذه الأسرة سيدي ؛ فهذه معجزة !؟
قال المسئول بفخر :
– خلال عشر دقائق فقط تمكنت قوات الدفاع المدني الباسلة من عمل اللازم …… !
قام الأبُ مُنزعجاً من كذب قولةِ المسئول ؛ ونزع الإبرة من وريده ؛ وأمسك بالعامود الحديدي وأخذ يجري خلف المسئول يريد ضربه به ، وأثناء ذلك ظل يردد قولاً واحداً :
– أين زوجتي وابنتي أيها الفاسد ، أين زوجتي وابنتي أيها الظالم .
.
والرجل يجري أمامه بطرقات المستشفى … والناس من حوله يضحكون ؛ حتي استطاع المسئول الهرب بصعوبة بالغة ؛ لم يهدأ الأب ولم يسْتَكِن حتي أخذوه حيث تتعافى زوجته وابنته ؛ وأخذهما بحضنه وظل يبكي بحرارة من شدة فرحته بحياتهما !
.
.
تمَّت

admin

فتحى الحصرى كاتب صحفى عمل بالعديد من المجلات الفنية العربية . الشبكة .ألوان . نادين . وصاحب مجلة همسة وناشر صاحب دار همسة للنشر ورئيس مهرجان همسة للآداب والفنون

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى