رحل ليلة السبت الأديب والإعلامي والمفكّر الجزائري الفذ “الطاهر بن عيشة” عن عمر ناهز 91 عاما بعد صراع طويل مع المرض تاركا ورائه رصيدا إبداعيا ضخما على أكثر من صعيد.
ينحدر الفقيد من مدينة قمار التابعة لوادي سوف رأى النور في ربيع عام 1925 درس علوم الدين في جامع الزيتونة وكانت له منذ شبابه الأول عدة مؤلفات غزيرة عن الحضارة الإسلامية في الجزائر والإسلام في آسيا الوسطى وإفريقيا لا سيما غرب القارة السمراء كما حرص من اعتبر نفسه “شيوعيا” على التوثيق بالصوت والصورة من خلال أسفاره الكثيرة التي جاب فيها العالم واستحق عنها لقب “الرحّالة” الذي كان مسكونا بهاجسي الكتابة والتوثيق , وأصدر “بن عيشة” سلسلة “حراس التراث” التي دوّن فيها محطات وعطاءات وإحرازات الزوايا الدينية في الجزائر وأجرى مسحا شاملا لأمهات المخطوطات الجزائرية القديمة ما جعله يتموقع كأحد أهم أعلام الذاكرة الشعبية كما واظب الرجل منذ أربعينيات القرن الماضي على الكتابة بتدفق في الصحف ما جعل سجّل الراحل يحفل بآلاف المقالات.
من أقوال الفقيد “إنّ الخلل موجود فينا نحن لأننا لو لم نكن مؤهلين للغزو والاحتلال والاضطهاد لما كنا محاصرين بأمريكا ويبدو لي أنّه منذ انهيار الخلافة العباسية في المشرق وقبلها بثلاثة عشر عاما في الأندلس مفعول اللوبي الصليبي هو موجود دائما ولو بصورة مقنّعة يتخفى تحت راية الديمقراطية ويأخذ مسمى المسيح أطوارا وهو توجّه تسيّره مجموعة من القوى المادية التي لا ترى مصالحها سوى في أراضينا وأصواتنا هم يمتلكون أسلحة فتّاكة ويشنّون حربا باسم الديمقراطية ونحن ندافع عن أنفسنا وعن أوطاننا وحقنا في السيادة فنصبح إرهابيين حتى عندما يتعلق الأمر في الدفاع عن ديننا حتى وإن كانت مبادئنا الدينية تطبّق أحيانا بطرائق رجعية والغرب عمل من جهته على أن يصنع من ممارسات ديننا إرهابيين يخدمون مصالحه بحجة أنّ الاشتراكية وتوابعها خطر على الأديان”.
من آخر كلمات الفقيد: “سنبقى نمضي في الطريق الخاطئ الذي يعرف أولّه ولا يعرف آخره وفي النهاية الخط الفيصل هو تحكيم العقل لأنّ النضال الذي يجب التخطيط له من قبل طلائع التغيير هو نضال لم نناضله بعد وهذا التغيير سيكون بدوره نتيجة لنضال لم نناضله بعد”.