ط
مسابقة القصة القصيرة

روح الشيطان ..مسابقة القصة القصيرة بقلم / نور كريم الطائى من العراق

قصة قصيرة
روح الشيطان
نور كريم الطائي
العراق/البصرة
[email protected]

لا طريق اخر ، يؤدي الى مدرستي ، ففي مدينتي لا توجد مدارس البنات الا نادراً ، وهنا كل النسوة مصيرهن المطابخ والمزارع اما الشارع فهو محرم الا على القلة ممن اكملن دراستهن في ظل الفوضى العارمة التي تجتاح الافق جراء تلوثه بالافكار الذكورية المحملة من الموروثات القبلية والاجتماعية ، لا شارع يفتح لي ذراعيه يومياً سوى هذا الشارع الذي يحملني عابراً بي باتجاه مدرستي المسماة على اسم المتصوفة (رابعة العدوية) ، ككل يوم تقطع اقدامي هذا الطريق سيراً ، رغم اني استاء كثيراً من قطع هذا الشارع الا اني مضطرة لذلك ، فثمة رائحة قذرة تزكم انفي في احد البيوت الواقعة بذلك الشارع حتى اني اتقيء في العديد من المرات ، سنة دراسية كاملة بحلوها ومرها قضيتها وانا اعبر على مضض من هذا البيت القذر الذي تنبعث منه رائحة كريهة كلما مررت شممتها وجاء وقعها قاسيا على ارنبة انفي! افكار عديدة كانت ترواد مخيلتي الصغيرة لكن لم يكن الموت احداها! لا اعرف ما السر خلف هذا البيت ذو الرائحة القذرة… كلما مررت تباغتني من ذلك البيت الذي لم ار يوما احداً يخرج منه او يدخل اليه …بيت يشبه بيوت الساحرات في افلام الرسوم المتحركة، بيت غامض بالنسبة لي و انا الطفلة التي لم تتجاوز ربيعها الثاني عشر بعد… و لكن ثمة تساؤلات كانت تتجول في ذهني حول ذلك البيت و تلك الرائحة القذرة التي تنبعث منه يومياً… في ذلك اليوم الهادىء الذي كان يصادف يوم الخميس قررت بعد عودتي من المدرسة ان اطرق الباب لأعبر عن استيائي من هذه الرائحة الكريهة التي تنبعث منه… اقتربت من الباب وبكل هدوء طرقته. و بعد لحظات من طرقاتي فتحت الباب امرأة يظهر انها تتجاوز الاربعين عاماً بقليل .
-انا كل يوم امر من هذا الشارع واشم رائحة كريهة من داركم …واتساءل مع نفسي يومياً هل انكم لا تغسلون داركم ….او ماذا؟! لذا قررت ان آتي بنفسي لاسألكم عن هذا ؟

هكذا باغت المرأة بهذه الكلمات دون ان اترك لها مجالاً لترحب بي.. فردت علي المرأة بشيء من الغضب والشجن
-ابني يقتل القطط يومياً لانه يكرهها فهو يتصورها الشيطان لان عيونها تلمع ليلاً ويقوم بدفن القطط الميتة بحديقة بيتنا وهذا سبب الرائحة الكريهة يا ابنتي.
قلت لها بإستغراب وتعجب كبير وكان حوارها وقع كصاروخ على رأسي!
-اخبرتني امي ان قتل القطط حرام ويجلب المصائب على القاتل… كما ان القطط كما قالت لي امي مسكونة بالجن وربما يؤذي من يحاول المساس بها.
قالت لي المرأة بشيء من الهدوء والانهزام :
-ما الذي اعمله يا ابنتي فهذا ابني لا يحب القطط ابداً…ولن تفلح محاولاتي من ثنيه عن افعاله هذه .
لم اقتنع حينها بجوابها هذا وعدت مرة اخرى بسؤالها
-طيب ان كنت انت امه واباه موجود فلماذا لا تبادروه بالنصيحة ، أليست القطط لها ارواح وقد خلقها الله كما خلق البشر …وانا متأكدة ان بيتكم الان يحتوي على ارواح قطط ويحمل العديد من القذارات .
قالت لي وهي بحالة غضب واستغراب من صغر سني وكبر كلامي .
-ادخلي لتري ان البيت نظيف، ثم من علمك كل هذا الكلام الكبير.
قلت لها بانزعاج:
– لا ادخل بيتكم لانه يحتوي على ارواح وهو بيت قذر
قامت المرأة وقتذاك بطأطأة رأسها ثم رفعته وعقفت حاجبيها وقالت لي مخيفة اياي :

-اذهبي لبيتكم لأن ولدي لو شاهدك الان لقتلك كما يقتل القطط!!!

عندها تركت المرأة وهرعت راكضة ، دون ان اشعر بكل شيء ، انتابتني نوبة خوف لم اشعر بها من قبل ، طرت كما تطير الحمائم في الهواء ، طرت مع حقيبتي في الافق ، و كل الذي يراود تفكيري هو كيف اصل لبيتي… ها انا اقترب من داري واشاهد والدي ينتظرني عند نهاية الشارع الذي يقع فيه بيتنا ، ولأني لم اشاهد سوى ابي وارغب بقسوة ان اصل لمسكني لارتاح من ذلك الطفل القاتل… و ما ان لاح لي داري حتى جاءت عجلة هوائية سريعة يقودها طفل متهور ليرمي بي ارضاً… وسط صراخ ابي وعمي على الطفل الذي اشبعوه ضرباً قبل ان ينزلق من بين ايديهم ويهرب .
صرخت بهم:

-اعرف هذا الصبي…اعرف اين يسكن ؟
اخذتهم الى دار ذلك الصبي الذي رمى بي ارضاً بعجلته وهو يقودها بسرعة متهورة، كان نفسه ابن تلك المرأة التي هددتني به …وما اثار استغرابي هو سرعة استجابته لنداء امه التي قالت لي اذهبي و إلا سأجعله يقتلك كما يقتل القطط… اخذت بيد ابي الى الشارع الاخر حيث تسكن المرأة وابنها الذي الحق الاذى بتفاصيل جسدي بسبب عجلته الهوائية..
ما ان اقتربت من البيت حتى اختبأت خلف جسد والدي ، اشرت باصبعي الصغير الى باب المنزل وقلت له هذا هو بيت الصبي الذي صدمني بدراجته الهوائية هو نفسه قاتل القطط ابن هذه المرأة التي هددتي بانه سيقتلني كما يقتل القطط. شاهدت حوقلة ابي ولاحت عليه علامات الاستغراب وبدا كأنه يلومني بهمسات… قال لي بهدوء :
– لنعد للبيت انسي الامر ؟

ورغم اني لم اعرف لماذا تنازل ابي عن حقي ….وعاد بنا ادراجنا إلا انني لازلت ارغب بطرق ذلك الباب مع ابي لنسترد حقنا منها ومن ابنها الصبي القاتل ….بقيت الافكار تدور برأسي وابي كان يمسك بيدي بقوة ويعود بي للبيت… و ما ان وصلنا حتى وجدت تساؤلات امي تسبق كلماتها… اومىء ابي الى امي بأن البيت الذي قصدناه هو لتلك المرأة… التي عرفت من امي انها فقدت ابنها ذو الستة اعوام قبل سنوات هذا الطفل الذي كان يقتل القطط لانه يعتقد ان الشيطان يكمن فيها… و حينما وجدته امه يوما ما ميتاً على فراشه دون علّة تذكر… تصورت أن الشيطان سرق ابنها منها… لذا كانت هذه المرأة مذ لحظة موت ابنها والى الان تقتل القطط يومياً وتدفنها في حديقة بيتها… ظناً منها ان تنتقم من الشيطان الذي سرق ابنها فجأة دون سبباً يذكر.

حتى الان كلما قلبت دفتر مذكراتي و قرأت تلك الحادثة تنتابني قشعريرة ذلك الحادث… و أسأل نفسي هل يفعل الوهم كل هذا الشيء المقيت للأنسان؟! هل كانت هذه المرأة تعلم بوجود الله و انه يعطي الارواح و يأخذها متى شاء؟!
هل تنتقم من الله بقتل مخلوقاته! هل كانت تظن ذلك؟! حتى الان لم اعي طريقة تفكيرها! حتى الان لا اعرف سبباً وجيها واحداً لأنسان يقتل روحا خالقها الله.

admin

فتحى الحصرى كاتب صحفى عمل بالعديد من المجلات الفنية العربية . الشبكة .ألوان . نادين . وصاحب مجلة همسة وناشر صاحب دار همسة للنشر ورئيس مهرجان همسة للآداب والفنون

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى